تجارب شخصيّة

عبق بدوي خالي الوفاض …

عبق بدوي خالي الوفاض …

أيضا و أيضا و أيضا ، أطعموني خبزا و بيضا ، ولحم أنعام دق نبضا ..  بمجرد ملامسته شفتاي ... " كب ليه أتاي ! " طالب السي عيسى البناي ، لكني صحت " كفى ! سيسمن بطني و القفا !! " .
كانت عقارب الساعة الحائطية تشير أسهمها بقناعة تامة إلى السابعة : وقت الضيق النفسي المطالب بإعداد متقن لأكلتين في الآن ؛ في حين كانت عقارب القاعة الخارجية تنير شوكها بإشاعة عامة على قارعة ذاك الطريق الكلسي المقارب لعداد من معدن بعين المكان .
غادرت مطبخ السكن . إنه ليس بالركن الذي يطاله الوسخ أو العفن ، لكنه عن جلد السمو ، نقيض الدنو ، انسلخ منذ زمن ( أقصد هنا علو سقف الأحلام ، لا سقف دار تشكلت من الركام ! ) .
حسنا ، هو أمر لا يسوى ريشة للبعض أعلم أنا بتلك الحالة ، بيد أن هوى مر العيشة على مضض ألم كذلك لا محالة !
ولجت الإسطبل ، مكان عارم بالبلل . ناجم تارة عما تطرحه البهائم من بول ، وتارة من تكاثف زفير المتطفلين على الحظيرة بلا كلل . هم يأتون إلى الريف ، عادة كل مصيف . يبتغون التفجاج و التفواج والابتعاد عن محيط ملحه أجاج . متوسلين الطبيعة البكر ، أن تشفيهم بمفعول السحر . طلاسم هي ستأتي لا ندري من أين ؟ غير أنا على يقين من تزويدها للعين : ببصيرة تفوق مدى البصر ورؤية تتسم ببعد النظر .
لامس إبهامي المتوعك - إثر مشاحنة فعلية البارحة مع صغار أحد الاقرباء - مقدمة سور ، وضع خصيصا لكي عليه يدور ، كل من تجاوز عتبة الباب ليزور .. من ؟ ... منتجي الألبان : وهم شلة أبقار مطلية بالأبيض و الأسود لا الألوان .
قبالة البناء ، كان هنالك إناء .. يستريح على كنبة ، صغيرة ما يكفي لتجاوزها بلا جلبة . أرحت جسدي , ليس على تلك القطعة من الأثات السالف فحشوتها تغيبني في سبات منه أنا خائف , بل اتكأت بنصف راحة ، على مقعد مهترئ بكل صراحة .. لأني ملقن انه من أساسي الأدب في الاغلب : عدم السقوط على تلك الكراسي وكتلتك كالدب الأشهب . على أي ، لم أختر موضوعا معين ، فقط أمسكت بورقة مربعة قائمه الزوايا و مائلة البنية ، و قلم حبر أكون برفقته صادق النية ، ودونت بمنتهى الاريحية : « أيضا و أيضا و أيضا ، أطعموني خبزا و بيضا ... » .
يا ليتهم لم يطعموني سوى الفتات ، لكنت منه للحظة أقتات ، ولم أكن لأجرؤ على تحويل خيالاتي من فكر بعقلي علق ، لكتابة اتسقت على ورق .

انتهى

...

.

  0
  1
 1
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
محمد العلي الاحمد ممثل السوريين من خلال وزارة الهجرة في ألمانيا:

محمد العلي الاحمد ممثل السوريين من خلال وزارة الهجرة في ألمانيا:

.

  0
  2
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
حديث لا يغادر الذاكرة :

حديث لا يغادر الذاكرة :

كنت اجلس بحالة توتر شديد مشيحا بعيناي الى الارض مطرق الرأس ، لم اكن مبال بكل ما قلت او فعلت بقدر ما كنت افكر بما سيحدث بعد قليل ..
لم يأخذ مني تفكيري اكثر من 10 دقائق حتى يقطع تأملي صوت مقبض الباب الذي فتح ليطل بعدها بهيبته التي ربما لا يستطيع احد رؤيتها سواي ،  رفعت راسي محدقا به دون  ان يبادلني النظرات ودخل بهدوء شديد كعادته ليجلس أمام الرجل المسن ويصغي اليه بكل اهتمام 
استمر النقاش ما يقارب 13 دقيقه وكل ما كنت افعله هو محاولة تصور للقادم ،  "هل سيصفعني يا ترى ام سيوبخني بقسوه امام هذا الهرِم الخرِف"  ليقطع شرودي ذاك اعتذاره اللبق من المدير معلناً نهاية الحديث و استقامته الدالة على نيته بالمغادرة ،  لم يتطلب الامر بعدها اكثر من مصافحة بينهما ليخرج ايضا بهدوء كما دخل 
تبعته على عجل تسابق خطوتي الاخرى حتى وصلنا الى الفسحة الخالية من التلاميذ ، ووقفت متاملا ظهره الذي لا زال مُداراً  لي  و إلى الان لم تلتق اعيننا 
استدار  أخيرا واقترب مني عدة خطوات حتى صار قبالي تماما ، لم يكن طويل القامة ولا ضخم الجثة بقدر ما كان نحيلا وبالكاد تلحظه عيناك حتى كنت انا من يصغره بأعوام أفوقه طولا بما يقارب ثمانيه سنتيمترات لكنني ومع ذلك كنت اشعر بمهابة منه واحترام شديد تجاهه.
نظر في عينَي مباشرة نظرة لا أزال اجهل تفسيرها ، لقد كانت نظرة عميقة للغاية تحمل الف معنى وتغنيك عن الف كلمة وتحركت شفتاه لتطرق آذاني بحديث لم يغادر ذهني الى يومي هذا الذي أبلغ فيه ٢٣ ربيعا 
_ صهيب هل تتذكر الليلة التي قضيناها تحت الركام ، ألا زلت تذكر اللحظة التي قلت لي فيها " احتضني فانا اشعر بالبرد"  لأسحبك بعدها الي بكل صعوبة ، منذ تلك اللحظة وانا اشعر بمسؤولية كبيرة تجاهك مسؤولية تتنامى في قلبي يوما بعد يوم
كنت صغيرا آنذاك ، لم تتحمل اكثر من ثقل حجارة المنزل المنهار فوقك اما انا فقد شعرت بالثقل تماما بعد ان لفظ والدك أنفاسه الاخيرة بجوارنا وتماما بعد ان اخبرني وهو ينازع الموت وأسياخ الحديد تخترق جسده ان اعتني بك لو خرجت حيا وانه يعلم انه لن يستطيع النجاة ،  وتماما بعد ان هدأ صوته وانينه بجواري واستطاعت يدي اختراق الركام لتلامس جسده الساكن البارد وتعلن لي نبأ وفاته ..
كان يصمت قليلا كل فترة اثناء حديثه كشخص يحاول استجماع شتاته فكنت استرق النظر اليه كل برهة متأملا وجهه الشاحب لألعن نفسي الف مره 
استطرد كلامه قائلا : ( صهيب لم اكن اريد النجاة بحق لانني كنت اعلم انني عاجز عن رعايتك لكن مشيئة الله جعلتنا نخرج احياء من تحت ذلك الحطام الخانق المميت وجعلتني مرغماً على تأدية وصية والدك ، و أنا بدوري حاولت جاهدا تنفيذ الوصية لكن شعور العجز ذاك ظل يلاحقني ويكبر مع كل يوم تكبر فيه )
رفع رأسه اخيراً الي واقترب مني اكثر ونظر الي مع دمعة تحاول التمرد على كبريائه وتقف على حافه اهدابه وقال : 
_ لطالما اردت ان اسألك لماذا انت مصر على جعلي اشعر بهذا العجز ولماذا انت مصر على تذكيري بضعفي القاتل هذا...) ،  ثم زفر زفرة اعربت لي عن مدى الالم داخله قبل ان يستدير مجددا ويهم  بالرحيل دون ان يمنحني الوقت للإجابة
الوقت يمر ببطء شديد ولا زلت احدق في المكان الذي كان اخي ماثلا فيه امامي قبل قليل ، وحديثه لا زال يدور ويدور في ذهني ،  لما لم يصفعني كما كان من المفترض ان يفعل ، هل كان اخي الذي هو اكبر من ان يقال له اخ حتى  يعلم مدى وقع كلامه هذا علي ام انه اراد إفراغ ما دفنته الأيام في قلبه منذ سنوات ، انا واثق تماما من أن أخي هذا الذي أشرف على رعايتي مذ فارق والداي الحياة وكان كالحصن المتين بالنسبة لي لم تكن غايته من كلامه هذا الان الا إيقاظي من غفلتي التي غرقت فيها حتى جعلتني أنسى انني يجب أن أتقاسم معه المسؤولية وجعلتني انسى ان اخي الذي سخّر ايامه لخدمتي و رعايتي هو في النهايه شاب له من الحقوق كمثل ما لي 
كلمات اخي هذه جعلت من مرحلتي الثانوية اهدأ مما كانت عليه وجعلتني اندم على ماضي جموحي لكنني و مؤخرا فقط بدأت أدرك لما لم يصفعني وقتها ربما لأنه كان يعلم أن للكلمات اثراً بالغاً اقوى من الف عقوبة تتلقاها على افعالك وانا أجزم بأن حديثه ذاك لن يغادر ذاكرتي ما حييت

              ____________________________

...

.

  2
  3
 1
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
مواضيع قد تهمك
ثقافةٌ صحيَّة
فلسفة
شعرٌ ونثر
قضايا الطفولة
قصصٌ وروايات
تطوير الذات
كتبٌ وكتّاب
معارضٌ ولوحات
مجتمع وقضايا
نقدٌ وتاريخٌ فنّي