20 مارس . 5 دقائق قراءة . 637
صباحٌ مثقلٌ ضوؤه بطرحة موسلين سوداء
قبر أبي ما زال مقفلاً منذ سنين طوال
رحم أمي ما زالت تفتش عن الحياة حوله
عيناها تفتّشان بكسل عن فلسفتيْ الولادة والموت
* * *
أعرف أني مقاتلة شرسة لحظة كنتُ نطفةً تغلّبتُ فيها على أكثر من ستين مليون حيوانٍ منوي وربحتُ
في ذلك السباق مخترقةً جدار بويضةٍ شفافاً لأكتملَ وحدي متخطّيةً موتها
أعرف أني مقاتلة شرسة لحظة مزّقتُ عتمةَ عنقِ رحم أمي لأخرجَ إلى النور
وأعرف أني مقاتلة شرسة تصارعُ البقاء لحظة قفزتُ إلى ثديها وقضمتُ حلمتَها لأغفو بعدها داخل حلمٍ
اسمه: الحياة... ثم أعود لأفيقَ على كابوسٍ... يا للعجب، اسمه أيضاً: الحياة
* * *
لن أسامحها... أمي
في لا وعيها، أمرَت رحمَها بالانقباض، وطردَتْني
لن أسامحَها أمي
في وعيها، طلبَت منهم أن يقصّوا المشيمة بمقصٍ حاد، وأن تعذّر وجوده، أمرتْهم أن يقطعوها بحجر
* * *
الأجدر بهم أن يلغوا من القواميس كلمة "خيانة"
وإلا صفعهم الواقع خدّاً خدّاً
ألم نخن جميعنا أرحام أمهاتنا؟
لقد تساوينا إذاً
وأصبحنا جميعنا
شيوعيّين خونة
* * *
أن أنجب، يعني أن أحضّر من أنجبه للموت مثلما حضّرتني أمي
لو نتخلى نحن النساء عن أرحامنا
لانتصرنا على عنجهية الموت
* * *
كان يمكن لأيّ طفلٍ أن يكون ابني
... لا مسافة بين هذه الفكرة وأمومتي له
سوى بضعة حيواناتٍ منويّة زائفة
* * *
لم أعد أقرف من قرفي
كامرأةٍ لا تأبه ولا تقرف من دماء الولادة
ولا من بقايا تلفظها رحمها لحظة الولادة
وكأني في لحظةٍ ساحرة
في انتظار
صرخة
* * *
كان الفيلم في نهايته عندما يتبرّع البطل بقلبه لولده كي يعيش
لأدخل في كابوسٍ ظلّ واقفاً بيني... وبيني
هل كنت سأتبرّع بقلبي لولدي إن هو كان بحاجةٍ إليه...؟
إلى أن دخلتُ في نومٍ عميق
قد خلعتُ عن كتفي
وسام الأمومة
* * *
تركت سريري فجأةً في الليل، لأدخل غرفة ولدي وأحمله إلى سريري
علّني أشعرُ أنا بالدفء
أنانيّتي تطاردني
حتى في أمومتي
***
ولدي
لا تهمل أوراقي ولوحاتي
إذا استسلمتُ وألقيتُ سلاحي
لا تملّ من تكرار كلماتي
لا تجعل منّي أضحوكةً للآخرين
... لا ترمِ بي في مأوىً منسيّ
ولدي
ستنهارُ لغتي
ربما
لذا لا أطلب منك أن تعيدها
أو تجري خلف صداها
وأعرف أنك ستكون عاجزاً
لكن كل ما أطلبه منك
ألّا تفتّش عنّي
عندما أفتح الباب
وأرحل
إلى اللامكان
* * *
بدل أن أضع رأسه الصغير على كتفي الكبيرة
ألقي برأسي الكبير على كتفه الصغيرة
وأحاول ألّا ألقي ثقله وثقل الأيام كي لا أؤلمه
وأحاول أن أخنق بكائي كي لا أفطر قلبه
وأحاول دفن الماء في مسامّ وجهي كي لا أبلّل ثيابه
* * *
كنت أظنّ أنّ الغجر لا يهمّهم امتلاك أرض أو مسكن
كنت أظنّ أنهم أحرار ولا يأبهون لعقدٍ ولا يلتزمون إلا بالترحال المستمرّ للترحال
كنت أظن أن الغجر كالشجر يهوون الطبيعة والرياح
تبيّن أن الغجر، للأسف، من فصيلة البشر
حتى إنهم يعتبرون المرأة الحامل غير طاهرة
أعيدوني إلى موتي
وإذا كان لا بد من الحياة، أعيدوني إلى المحيطات...
اشتقت للدلافين
* * *
تقدّمت من سريرها الوحيد وهي تشخر بحزنٍ صامت أتأمّل وجبة أسنانها المنقوعة في كأس ماء
وحين أضاءت أمي الغرفة أكثر لتطمئنّ على أمها
جفلت...
رأيت وجهي بين فكّيها يغرق في الكأس...
ليبتلعني حزنها وأموت قبلها
* * *
أمي تقول مازحةً لجيرانها عني: "لقد أنجبت مجنونة"
وجارتي تثرثر لجيران أمي عني: "جارتي مجنونة"
وأعرف أنه لا أحد يقول خذوا الحكمة من أفواه الجيران
لكن دعابات أمي تقلقني
* * *
ترفض إنجاب جنينها
ترفض هذه المهزلة رفضاً قاطعاً
وكأنّ رحمها ترفض الفراغ
سيحاولون ممارسة طقوس الإجهاض بالقوة...
عطّلوا كل القطارات
وهي تستمرّ في الهروب
تتوقّف قليلاً
تستمع لحفيف أصابعها
ويستمرّ الركل في روحها
* * *
كاذبٌ من يدّعي أنه يشعر بوجع الآخر
... ولا حتى ذلك الجنين إن حدث وتألّم
... لن يسمع أحدٌ صراخه
ولا حتى أمه
غبي من يعتقد أن باستطاعته امتلاك أحد، ولا حتى المرأة الحامل
سيهجرها جنينها ولن يظلّ فيها إلى أبد الآبدين. وكلنا محكومون بالفقد. آمين
* * *
أحمق من يصف الطفل بالبراءة. هو يحمل بذور الخطيئة منذ ولادته، بالفطرة،
لكنها لم ترضع بعدُ كفايةً من حليب الحياة الملوَّث
وستنمو
...
الطفل لا يصوم
ينتظر خطاياه لتنمو
* * *
لم تقذفني رحم أمي
بل جئت من باطن باطن الأرض...
من نواتها
لذلك دمائي البيضاء تغلي
والحمراء منها تزلزل
* * *
تقيّأت كل ما بداخلي على دفعات
وها أنا أفرغ
أحمل فراغاً في رحمي
يتكوّر بعضه على بعضي
سأنجب العدم...
مشوّهاً
.
#جمانة_وهبه #عيد_الأم
لوحة فسيفسائية ل جمانة وهبه مستوحاة من بول غيراغوسيان