عوالم ساحرة

25 مارس  .   3 دقائق قراءة  .    604

Photo by Miray Bostancı from Pexels

ليلى كردي

 

استطاعت أمّي أن تقود عربة طفولتي السحريّة بنجاح، كانت تلقي عليها بتعويذاتها السّحريَّة كلّما مالَتْ أو انحرفَت، وتخفّف من اندفاعتها عند كلّ منعطفٍ كي تمكّنها من العبور بسلام.                                   

كانت عربة طفولتي مليئةً بقصص أمّي التي ما انفكّت ترويها على مسامعي، فعلَّمتني بذلك فنّ الإصغاء قبل فنون القراءة والتّعبير وغيرها، ومن قصصها انطلق خيالي ونمى واتّسع بلا حدودٍ أو قيود.                   

ودّعتُ طفولتي، معلنةً انفصالي عن عالم القصص العجيب، حاملةً معي زادًا ثمينًا، وخيالًا واسعًا، استطعت باللجوء إليه أن أجتاز صعوبات مرحلة المراهقة ومشاكلها، والمراحل التي تلتها من تخرّجٍ  وزواجٍ، متشوّقة لخوض تجارب جديدة تولّد لديّ مشاعر مختلفة.                                                                   

أذكر جيّدًا ذلك الصّباح الذي شعرت فيه بشوقٍ غامرٍ لقراءة قصص الطفولة، فساقتني قدماي إلى صندوق ذكرياتي الذي حملته معي إلى منزلي الزوجيّ الهادئ، لأختار قصّةً من مجموعة قصصي المتنوّعة، وأقرأها. اجتاحني الشعور نفسه لأيّام متتالية، ولم أعلم سرّه، إلّا بعد أن اكتشفت حملي بمولودي الأوّل!       

قصصتُ على جنيني أجمل الحكايات، مستعينةً بقصصي، ومخيّلتي، وتيقّنت أنّه مستمتعٌ بسماعها عندما بدأتُ أشعر بحركته اللطيفة داخل أحشائي، فقد كان يركلني بعد انتهاء كلّ قصّة، تُرى هل كانت ركلاته إعلانًا عن فرحته؟ أم طلبًا للمزيد؟                                                                                             

لم يتغيّر الحال بعد الولادة، كان ولدي لا ينام قبل الاستماع إلى قصّة، وبقي هكذا إلى أن أصبح قادرًا على التعبير، إما بالكلام أو بالكتابة، لكنّه اختار لاحقًا أن يعبّر بالرسم. كان يطلب مني المزيد من الحكايا وعند انتهاء القصّة يحمل دفتره وأقلامه ويحاول رسم شخصيّاتها. تطوّر رسمه، وتطوَّرت معه قصصي الخياليَّة وما تحملها من قيمٍ وعبر. وها هو اليوم يتجهّز لاجتياز العتبة الفاصلة بين مرحلتي الطفولة والمراهقة، وها أنا أعدّ الثّواني كي أطفئ معه شمعته العاشرة، لكن عقلي لا يتوقّف عن التّفكير بقراراته الجديدة الحاسمة، التي وعدني صباحًا بالكشف عنها بعد حفلة عيد ميلاده!                                                           

وانتهى الاحتفال وفُتِحَتِ الهدايا التي حملها إلى غرفته ما عدا دفتر الرسم الجديد والأقلام التي قدَّمتها له، وعاد ليجلسني أمامه على الطاولة، قائلًا بصوته الهادئ: "أنت تتخيّلين الشّخصيَّات والأحداث وأنا أجسّدها"، وصمت، قلتُ له :"وبعد؟!"، فأجابني: "من اليوم سننقل للأطفال أروع القصص، أنت تقصّين عليّ وأنا أرسم الأحداث، الفرق بيننا يا أمي أنّني أرسم بالألوان، وترسمين بالكلمات"، كلامه أدخل الدفء إلى قلبي، لم تستطع الكلمات أن تسعفني لأعبَر عن مدى فخري وإعجابي به، فاكتفيتُ بهزّ رأسي موافقةً على كلامه ودموع الفرح تغسل وجنتيّ، وصدى عقلي يردّد: "ليت جميع الأمّهات يدركن ما تحمله قصص الطفولة من سحر بإمكانه تشييد عوالم من الفنون والجمال".                                                                   

  0
  6
 0
مواضيع مشابهة

27 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  6
 0

02 نوفمبر  .  3 دقائق قراءة

  2
  7
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال