24 مارس . 2 دقيقة قراءة . 666
أقفز كالملسوع وأنا أرى عقلي يتدحرج فتاتا.
عندما هتفتْ: إنه ضرس العقل، هو الذي يسبب لك كل هذا الألم، ويجب اقتلاعه!
يهبط قلبي في الجحيم، وأنا أتخيل نزيف روحي، هل هو ذاك الذي عليه أقتات في محني، وصبري، ومحطات قفاري، ونعيمي يكون هو سبب إشقائي، وكيف لي بالخلاص منه وهو المؤنس في توحّدي، وعزلتي، ومواجهتي لمن يتطفلون على حياتي، ويغزون سماءاتي بالسفاهة، والسخف، ولكم ناديته مستنجدا، ولكم لذتُ بحماه، وأنا أواجَه بكل ما يصدمني، ويؤذي روحي..
أصرخ: يا إلهي.. بك أستعين الآن، وجزء من روحي، بل تاجُ مشاعري سيتهاوى أمامي، وأنا العاجز حياله، وحيال لا اختيار!..
يضحك الطبيب، وأنا أواجهه بخفاءاتي، ويطمئنني: ستبقين رزينة.. إنه فقط ضرس أعلن اكتمال العقل، ولا شأن له بشيء آخر!
كيف سأسرد عليه ما يعتمل في الصدر من مخاوف، ومن أسى؟!.. أعتقد أنه الأسى أكثر لفراق جزء رغم أنك لا تراه، لكنك تحسّ به جنينيك الذي أنجبتَ، والتصقَ بك فوجًا من العمر وما يزال صامدًا.. من قال إنه لا يشعر بما أشعر الآن، أكاد أسمع نحيبه، وقد وصله الأمر: يجب أن تفارق خارجًا من كهف، وطن، أمضيت فيه ساكنًا مذ وُلدتَ، ثم إلى القمامة ستُرمى...
يا إلهي، ما أقسى البشر في لفظِهم كل شيء متى انتهى دوره..
خيل السّلطان، موظف متقاعد، امرأة ذَوت، وجفّ رحمُها، شجرة احترقت، طائر نفق، ورقة امتلأت، جندي انتهى دوره في الحرب، كائن ما يخالفهم في المُعتقد، فكرةٌ قَتلتْ... كل شيء عندما يهبط الهبطة الأخيرة يُلقى به إلى المَدفن..
حزنٌ مُقاتلٌ يغمرني على تلك المدافن كم تنوح في صمتها المتّشح بالسّواد!
الطبيب يضحك، وهو يواجه انعكاساتي، لكني أنعتقُ في عالم الفقد الذي لا ينتهي.. حفيدتي علياء يشق سنّ من أسنانها، تتألمُ أيضا، لكنه الألمُ الرفيقُ الذي يَليقُ بطفولتها، ما هذا التوقيت، هي ستستقبلُ، وأنا سأفارقُ؟!..
تطمئنُني قائلة: أنتِ أيضا سينبتُ لكِ آخرُ..
هكذا نزرعُ في نفوسهم، ونحن نُغادر.. أبتسمُ أنا، وأعانقُ ما تبقى من عقلي، وضرسًا ثلاثيّ الجذور يصرخ شاهقا، شاهقا.
أمان السيد