01 يناير . 3 دقائق قراءة . 643
في السّابع والعشرين من تمّوز، وُلد طفلٌ في بيت
لويس الحاج في قيتولي. أطلقت عليه أمّه اسم "أُنسي". والأُنس كلمة تعني
"الصُّحبة العذبة". أمّا ياء المتكلّم الباقية فهي تعود إليها، إلى
أمّه. كان رفيقها الدّائم حتّى بعد موتها. كان أُنسيها في دارها الأخرى الّتي
ما شرّعَت أبوابها إِلّا له. ميثاقُ رِفقتهما الأبديّة كان اسمه. لكأنّها
أطلقت عليه هذا الاسم وعدًا منه بعدم التّخلّي عنها رغم وفاتها المُبكرة الّتي
حلَّت بعد سبع سنواتٍ من ولادته.
في ذاكَ اليوم، وبينما كانت والدته تُوارى الثّرى، ركض الطّفل أُنسي ذو
السّابعة إلى السّنديانة. تسلّق أغصانها. صرخَ وصرخَ حتّى تنبَّهَت حبّات التّراب
إلى صراخه. لفظتِ الأرضُ أمَّه الّتي ابتلعتها منذ ساعات ونفختها في الهواء. حملها
اللّيل إليه فجلست قربه على أغصان السّنديانة. هدأ الطّفل أُنسي واستكانت أساريره
ووافق على النّزول عن أغصان الشَّجَرَة. أمّهُ تحوّلت إلى ليل. هذا هو سرُّ أُنسي
الحاج الَّذِي ما عرفه أحدٌ سواي. هذا هو السّبّب الَّذِي جعله يحيا حياته كاملةً
ليلًا وينام نهارًا. كان يرى أمّه في اللّيل. كانت تزوره كلّ مساء فيتقوقع في
حضنها طفلًا لم يكبر مع السّنين. مَن رأى ابتسامة أُنسي الحاج الحقيقيّة نهارًا؟
لا أحد. أُنسي ما كان ليضحك إلّا ليلًا. أمّه كانت لياليه الطّويلة وهو كان
أُنسيها الدّائم. هذا هو الميثاق الَّذِي ما انكسر يومًا حتّى موعد اللّقاء.
كلّ ما في أُنسي الحاج يصرخ بأعلى صوت: لا زِلتُ طفلًا!!! عناوين كتبه،
كلماته، صمته، نظراته. كلّها تؤكِّد بأنّه بَقِيَ طفلًا حتى مماته في السّبعين من
العمر. من تموتُ أمّه باكرًا، يبقى طفلًا مدى الحياة. الأمومة هي الإكسير الَّذِي
يجعلنا ننمو. مَن يُحرم منها لا يكبر أبدًا.
أُمّهُ تحوّلت إلى ليلٍ بعد وفاتها. لذا تعلّقَ بالليل كالطّفل الَّذِي
يتعلّق بثوب أمّه حتى لا يضلّ الطّريق. كلّ من نحبهم ويغيبونَ، يتحوّلون إلى مادّة
تحيط بنا من كل جانب. علينا فقط أن نتتبّع عطرهم ونتلمّس آثارهم فيما يحيط بِنَا.
وأن نستشفَّ التّشابه ما بينهم وما بين تلك المادة فنجدهم. ومتى وجدناهم، رافقونا
مدى العمر
#صندوق #أنس_الحج #سنديانة #الأم #الأمومة