01 يناير . 4 دقائق قراءة . 709
تليقُ بهِ أبيات شاعر الجندول، علي محمود طه:
"ذهبِيُّ الشَّعرِ، شرقِيُّ السِّماتِ مرح الأعطافِ، حلو اللّفتاتِ
كلّما قلتُ لَهُ: خُذْ. قَالَ: هاتِ. يا حبيب الرُّوح، يا أنس
الحياةِ"
كلّما كتبتُ عَنْهُ، تُطالبني روحي بالكتابةِ عنه أكثر فأكثر. هل أملّ؟ لا.
مَن يملُّ من العظمة؟ أسمعه وهو يَقُولُ لي: هاتِ ما عندكِ، أيّتها الرّائية
بأعينٍ متعدّدة. هيّا قولي: ماذا تَرَينَ فِيَّ هذه المرّة؟
- سأقولُ لَكَ، أَيُّهَا التَّنويريّ.
أمين الرّيحاني، الواضح:
"أنا سوريّ أوّلًا، لبنانيّ ثانيًا، مسيحيّ ثالثًا." فكرهُ يلمع تحت
أشعّةِ الشّمسِ لوضوحه لا بل هو الشّمسُ المُضيئة بذاتها. هدفُهُ مُحدَّد وهو
الوحدة وقد شرحه مفصَّلًا في كتابه "المحالفة الثّلاثيّة في المملكة
الحيوانيّة". ابن المقفَّع اللّبنانيّ لم يواجه الأجلَ نفسه الَّذِي واجهه
المُتحدِّث الأصليّ على ألسنة الحيوانات بل شَمَّرَ عن زِندَيْهِ وعرض عضلاته
المفتولة وصرخ بكلّ شجاعةٍ: لماذا أعطاني الله عقلًا ووهبني قُوَّتَيْ الحكم
والتّمييز، أَلِكَيْ أقتلهما؟ أَيعطي الله العصفور جناحَيْن ثمّ يهلكه إذا طار
بهما؟
الرّيحانيّ الرّوحانيّ:
عَبَّدَ الطّريق الّتي توصله إلى الله منذ نعومةِ أظفاره ورفضَ أن يُرشَدَ
إليه بالرّغم من محاولات والدته المُستميتة وخوفها من أن يخسرَ أبديّته. كان يرى
الله كيفما دارَ وجهه. مارونِيّ جبل لبنان، أحبَّ المسيحيّةَ وكره رجالها.
"الْمَسِيحُ يقفُ وحده". لا أحد معه. في كتابه "المكاري
والكاهن"، يقتبس من إنجيل متّى ما آمن به طيلة حياته: " أمّا أنتم فلا
تدعوا معلّمين، فإنّ معلّمكم واحد وأنتم جميعًا أُخوة. ولا تدعوا لكم أبًا على
الأرض، فإنّ أباكم واحد هو الَّذِي في السّماوات.(متّى١٠،٩،٨:٢٣). لم يُؤْمِن بأنّ
لله بيتٌ. بيتُ الله الطّبيعة، الوادي، البيت البسيط، الحقل، النّبع، الجبل.
والصّلاةُ تَصِلُ سريعًا عندما تمتزج بأبخِرَةِ الحبقِ وشجر اللّزّاب.
"وَأَمَّا أنتَ فمتى صلَّيت فادخلْ إلى مخدعك وأَغلِقْ بابك وصَلِّ إلى أبيكَ
الَّذِي في الخفاء."
أمين الرّيحانيّ، الصّديق الصَّدوق:
وضوحه شديدٌ كماءٍ صافٍ في حضنِ جَرَّةِ فخّار. وصراحته فاضحة كستارةٍ
شفّافةٍ تتهادلُ أمام نافذة. أصدقاؤهُ غرسهم بكلِّ حُبّ في حديقةِ نفسه واعتنى بهم
اعتناء الفلّاح الأصيل بأرضه. كيف لا؟ وهو المؤمن بأنّ الصّداقة لا تعيش بجذورٍ هَشّة
ضعيفة بل إنّ الأرض الّتي تُزرع فيها تُقوّيها وتحفر لها في جوفها أخاديد كي تمتد
عميقًا عميقًا. حملَ على أكتافهِ فراشة الأدب اللّبنانيّ، مَي زيادة وطارَ بها إلى
برِّ الأمان. واجهَ أهلها والتّقارير الطّبيّة المُزوَّرة الّتي تُؤكّد جنونها كما
وقف بوجه حزنها على جبران.
أمين الرّيحانيّ، عدوُّ الدّموع:
كان يكره البكاء لأنّه عيبٌ في الرّجل ووسيلة للمرأة. كما أنّ الشِّعر
العربيّ قائمٌ عليه وهذا ما ذكره في كتابه "أنتم الشّعراء": لا أظنّكَ
تجد من الدّموع في شعر الأُمم الأوروبيّة كلّها مقدار نصف ما عندنا في الشِّعر
العربيّ".
أمين الرّيحانيّ، الفيلسوف:
تقوم فلسفته على العقل، الحريّة، الحقيقة، الشّرق والغرب، الرُّوح
والمادّة. بهذه الركائز، اختصر ابن أخيه الدكتور أمين ألبرت الرّيحاني
فلسفته." لا إصلاح للأمّة قبل إصلاح المجتمع ولا إصلاح للمجتمع قبل إصلاح
الفرد ولا إصلاح للفرد قبل إصلاح الرُّوح".
-هل أُكمِل أم أترك الباقي ليومٍ آخر؟
ينظر إليَّ "حلو اللّفتاتِ"، الرّيحاني مُبتسمًا، يصمتُ لحظةً ثم
يقول: هاتِ.....
#أمين_الريحاني #الضيعة #لبنان # الروحاني #الصديق_الصدوق #الفيلسوف