الخوف…..

شادي رزق

18 مايو  .   6 دقائق قراءة  .    845

الخوف

عندما تطول فترة المخاض النفسي، تبدأ بالظهور تداعيات الآثار الجانبية، ومعها يتحول هذا المخاض من كونه مؤشراً أو منبّهاً ليصبح سبباً بحد ذاته. ومن المسلمات معرفة مدى الألم الذي يخلّفه هذا التمخَّض قبيل حدث الولادة العجيب. 

حالة التخبّط التي تعتري النفس، لها تظاهرات مختلفة على المستوى السلوكي، تعكس أسس خفايا تركيب الشخصية الداخلية للفرد. كما أن شكل الاستجابة التي يقوم بها والتعاطي مع الاضطراب الحاصل بإمكانه أن يساعدنا في مرحلة العلاج.

البشرية اليوم تنكر ما ينقصها، وتهرب بعكس ما هي بحاجة إليه، وترفض بشدّة الاعتراف بما من شأنه أن ينقذها. تحارب الطبيعة بضراوة تحت مسميات مختلفة.

السبب الرئيسي وراء معاناة الخليقة، هي الشذوذ، نعم إنه الانحراف الممنهج عن السياق البديهي. غياب الجوهر والقيم وانعدام الالتزام بأخلاقيات العلم والمهنة والحياة، من خلال التحجج بضرب هذه العبارات السابقة -أخلاق- بصياغة أسئلة مضادة للانتهاء بإجابات مفتوحة تتيح أمام العقل هياجاً يفضي به إلى الإيمان بحالة من انعدام قاعدة للمعتقدات أو تبنّي لنهج منضبط قادر على المحاكمة بناء على أسس واضحة.

غياب هذا الأساس، يجعل من البناء عرضة للانهيار أمام أية هزّة خفيفة، فأكثر ما يمكننا مشاهدته اليوم هو ملامح الضياع وعدم الاستقرار، مما يسهم بمخرجات عُنفية، نرى فيها الشخص يميل إلى الأنانية والفردية وكثير من النرجسية برائحتها السامّة والغضب السريع والعدائية، الشعور الدائم بالقلق والتهديد وأنه مستهدف، وأنه ضحيةٌ لكن بأدواتٍ شرسة.

وعند مواجهة الصعوبات والتحديات تظهر ملامح تسطيح شبه كاملة للموضوعية والعقل، على حساب توجيه التركيز على المخطئ والتكلم عن الخطأ، دون أية جدّية في السعي نحو إيجاد حلول منطقية من خلال حوار منسجم يأخذ كل فرد دوره ومساحته للتعبير.

وبشكل واعي أو غير واعي، تجد تغييب واضح للقدرة على محاكمة عقلية سليمة، وزاوية الرؤية ضيقة لا ترى إلا مصلحتها وذاتها كمحور.  تترافق مع حالة من الهياج الذي لا يتناسب مع حجم الموقف، إضافة إلى اضطراب في حدّة الانفعالات بين غضب وحنان شديدين يليهما استكانة ناتجة عن صحوة مفاجئة لزاوية في طرف ما تبقى من العقل الذي يقول ما بالك، الأمر لا يستحق كل هذا!!

عموماً المخاض النفسي والتغييرات حالة طبيعية في الإنسان الناضج أو الطبيعي، وهو جزء أساسي من الحركة الكونية التي نحن جزء منها، من حيث أننا كبشر لسنا إلّا "كوناً صغير في كونٍ كبير" نشاببه بالكثير ونتميّز بفرادتنا الذاتية بالقليل، كُلٌّ حسب إدراكه لمكانته ووعيه وجدّيته في تحمّل رسالته في الحياة.

أما بالنسبة للكثيرين فإن العنصر الرئيسي المُكَوّن والمحرك لأفعالهم اليوم، هو أكثر ما نهرب منه حين سماع اسمه، ونبدأ بالتبرير والإنكار والرفض له، ألا وهو "الخَــــــوف". وأكثر ما نفعله هو المقاومة من الإقرار بأن أقوالنا وأفعالنا إنما هي ابنة لهذا الخوف الدفين.

لنراقب سريعاً العديد منها، الخــــوف من: الأهل، الفشل، فقد العمل، خسارة صديق، الحقيقة، زوج/ة، الانتقال، الجديد، الذكريات، أخطاء، الثقة، الله.......إلخ

ينشأ الخوف من جذور بناء العلاقات بشكل غير صحّي، وهي ثغرة أساسية في المحبة (إما نقص في الإشباع العاطفي أو جرعة زائدة من الحنان)، التي نعتقد بوجودها ولكنها متأرجحة وغير أصيلة، وعلى هذا النحو تتراكم المخاوف تدريجياً في تشكيلة الشخصية بدءاً من التربية المنزلية وصولاً إلى كافة مفاصل الحياة الاجتماعية.

التحرر من الخوف، لدى إدراكنا له، أمر غاية في الصعوبة لأنه يدخل في تفاصيل علاقاتنا الفردية والجماعية وأصبح يُشكل عصب رئيسي في البنية المجتمعية وحتى الاقتصادية، وأصبح الكثير من أصحاب القرار يبنون سياساتهم على أساس معرفة مخاوف الأفراد أكثر من تحرر الأشخاص، ودور أي منتج فكري في تكريس الحرية الداخلية ومساهمته في بناء معرفة موضوعية للذات، قادرة على اتخاذ قراراتها بشكل إيجابي يما يخدم نموها الذاتي وبالتالي ينعكس على رفاهية المجتمع وتقدمه.

القضية المحورية هي ليست في العمل على التخلّص من الخوف، فهذا أمر شبه مستحيل.

جهدنا يجب ان يتركّز على أمرين أساسيين: الأول هو معرفة مخاوفنا، الثاني هو كيفية التعامل مع هذه المخاوف. وكيف لها أن تؤثر على مجريات حياتنا ونقاط التحوّل الكبرى وهي المقصودة في مطلع المقال بالـ (المخاض النفسي)، والذي من الممكن أن يجري عدّة مرات في مسيرة حياتنا.

عندما نبدأ بالشعور في محطة ما أننا في فترة نهاية مرحلية وبداية مرحلة جديدة، يجب علينا أن نعي تماماً حيثيات هذا المخاض التحوّلي، لماذا؟ متى؟ ماهي أسبابه؟ ما هي أدواته؟

هل هو هروب من خوف إلى خوف؟ هل هو اختباء وراء مخاوف أكبر وأشد؟ في حين أننا نرها مفترج!

 حين نريد أن نولد من جديد، لابد أن يكون هذا قرارنا الشخصي، الواعي، الحر، المبني على إرادة شخصية بضرورة هذه الولادة التي من شأنها أن تسهم في استكمال طوابق بنائنا. 

حتى الولادات التي تُفرض علينا، بسبب الظروف الخارجة عن إرادتنا، يجب أن نتحكّم بمجراها، من خلال إمكانية تعديل مساراها، فعوض من أن تكون رغماً عنّا، نقبلها على أنها تحت السيطرة لترميم حجر في هندسة شخصنا، وهكذا عوض أن تهزمنا الظروف، يمكنها أن تقوّم مجرى عملنا في حال لم تسهم في إنشاء طابق جديد بشكل كامل.

الخوف، يمكنه أن يلهمنا لاكتشاف أوسع لذواتنا، كما أنه يساعد في دفعنا نحو الأفضل للارتقاء في الأدوار والوظائف التي نقوم بها. هو مادّة إيجابية لها حسنتاها في حال تمكنّا من فهمها وصبّها في أواني مرنة، لتعيد تَشكيلها، فتأخذ أبعاداً ومظهراً جديداً، يغيّر تعاطينا مع مفهوم الخوف ويجعل منه جرأةً واعية ومنضبطة.

نحن بحاجة لقرار واضح بخصوص ما نريده من ولحياتنا، يترافق معه إرادة متينة لتنفيذ هذا القرار، وتصميم للوصول إلى الهدف. فالمخاض هو حالة، والولادة هي حدث، أما الهدف فهو النمو وتحقيق الأفضل والأنسب لوجودنا.

  9
  11
 2
مواضيع مشابهة

13 سبتمبر  .  1 دقيقة قراءة

  1
  2
 0

23 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  2
 0

09 أغسطس  .  1 دقيقة قراءة

  3
  4
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
ندى غنيم
21 أبريل
مقال مهم.. شكرا
  2
  2
 1
ديما الحصني
23 يونيو
دقيق جداً المقال، في المشكلة و الحل! شكراً جزيلاً شادي.
  0
  0
 2