01 يناير . 5 دقائق قراءة . 627
إنّ وعي الإنسان لأسباب مشكلة معينة يشكل الخطوة الأُولى لمعالجتها والتصدي لها. وإذا كنا قد رأينا ووعينا الأسباب الكامنة وراء العنف المنزلي، أمكننا التصدي لهذه الظاهرة المنحرفة. الحلول تأتي بوضع الإصبع على الجرح، أي بمعالجة الأسباب وليس النتائج وحدها، خصوصاً لأنّ معالجة النتائج دون معالجة الأسباب هي إطالة للمشكلة وليست حلاً لها. وبما أنّ العنف العائلي ليس بظاهرة عرضية، على حد تعبير الباحث الفرنسي باتريك مونييه، وإنما هو ظاهرة تنبع من البنية والقيم الاجتماعية للدول المختلفة كما أنّ وتيرتها ترتفع يوماً بعد يوم رغم غياب الإحصاءات الدقيقة (44)، كان لا بد من التمعن بالحلول انطلاقاً من التركيبة أو البنية الاجتماعية على الشكل التالي:
- تعديل النشأة الاجتماعية وإعادة صياغة بعض المفاهيم التي تدعم الرجل وسيطرته وتعزّز ضعف المرأة واستكانتها له انسجاماً مع أُنوثتها.
وهنا نتساءل: كيف تَربط هذه التربية الأُنوثة بالضعف والاستكانة، والرجولة بالقوة والهيمنة؟ لا شك أنّ هناك خصائص مميزة للمرأة كما للرجل. والخصائص الأُنثوية التي تعتز وتفتخر بها المرأة لا تتعارض على الإطلاق مع قوة الشخصية وتحقيق الذات. وقد حان الوقت حقاً للتخلص من هذه الذهنية والتغلب على المفاهيم والقيم الزائفة.
- تعديل القوانين بالقضاء على جميع أنواع التمييز بين المرأة والرجل من حيث الحقوق والواجبات، ومنها قانون الجنسية الذي لا يجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من رجل أجنبي إعطاء الجنسية لزوجها ولأولادها، وقانون الأحوال الشخصية الذي يحدد حق الرجل، في حال الطلاق، بتربية الأولاد بعد بلوغهم السابعة. إنّ هذا التمييز يساهم في سيطرة الرجل وهيمنته، وبالتالي في ممارسته العنف كحق له بما أنه الأقوى. لذلك يجب إنهاء المعاملة السيئة للزوجات وإعادة بناء علاقات القوة بين الرجال والنساء.
- المشاركة والتعاون في الأعمال المنزلية وفق جهوزية الزوجة أو الزوج وليس وفق الأدوار التقليدية التي تحصر دور الرجل في الأعمال الخارجية. من هنا، إنّ إعادة هيكلية الأدوار التي يؤديها الرجال والنساء من شأنها الحد من هذه الظاهرة.
- اعتماد "الحوار المنطقي العاطفي"، وأقصد بذلك التعبير عن مشكلة معينة على نحو منهجي أو منطقي، وفي الوقت نفسه بمحبة ولغة سلسة راقية بعيدة عن الوعظ والادّعاء.
- اعتماد العدالة والمساواة بين الأطفال، ذكوراً كانوا أم إناثاً.
- إعادة صياغة المتغيرات الثقافية التي تعزز اللجوء إلى العنف واعتماد ثقافة السلام بدل ثقافة العنف في تربيتنا التي من شأنها لجم الغرائز والسيطرة على الذات، واقتناع الآباء بعدم اللجوء إلى العنف مع أطفالهم، أي بالعدول عن العقاب الجسدي والنفسي، وعدم اللجوء إلى العنف مع الزوجات، خصوصاً أمام أطفالهنّ. وهذا يعني تعزيز روح التفاهم والمحبة الصادقة التي تكون غاية في ذاتها، لا وسيلة للوصول إلى مآرب معينة.
- تنشيط عمل المؤسسات، كلجنة مناهضة العنف ضد المرأة، بأعمال ميدانية وإحصائية تكشف حجم المشكلة.
- دور وسائل الإعلام في التوجيه والتركيز على ثقافة السلام. مثلاً، عرض مشكلة عائلية من خلال شريطين وثائقيين، يحاول الأول حل مشكلة معينة بشكل عدواني وعنيف، والثاني بتفاهم ومنطق ومحبة، مع مقارنة النتائج التي تَوصل إليها أفراد الأُسرة في كلا الشريطين. وهذا من شأنه التركيز على إشاعة السلام والمحبة وإلقاء الضوء على كيفية التفاعل الإيجابي أمام المشاكل العائلية، هذا التفاعل الذي يتيح لكل فرد مجالاً لتحقيق ذاته بدلاً من تحقيق الرجل ذاته على حساب المرأة، ويتيح بالتالي بلوغ السلام العائلي والاجتماعي.
ولئن كان ممكناً إدراج هذه الحلول تحت أبواب ثلاثة هي: تعديل التنشئة الاجتماعية، تعديل القوانين، دَور الدولة ووسائل الإعلام في نشر ثقافة السلام بدل ثقافة العنف، ففي الإمكان حصر هذه الأبواب الثلاثة تحت باب واحد هو: تعديل التنشئة الاجتماعية عن طريق تنمية الحس الواعي النقدي. وهذا يستتبع تحويل بعض القيم المعتبَرة قيماً مطلقة وثابتة، ومنها مفهوم الرجولة والهيمنة، إلى قيم نسبية متغيرة، خاضعة للتطور الثقافي والحضاري، بحيث يُنظَر إلى الإنسان، ذكراً كان أم أُنثى، شريكاً أم زوجاً أم أخاً أم صديقاً، كما لو كان غاية في ذاته.
وإذا كان ثمة فكرة أُنهي بها هذا البحث، فهي التذكير بأنّ الخلط بين القيم، كتوحيد الرجولة بالهيمنة والأُنوثة بالخضوع، والنظر إلى الشريك كوسيلة، وقياس النسبي بمقياس المطلق والمتحول بمقياس الثابت، هي العوامل المسؤولة عن التفكك والعنف العائلي.
لقد آن الأوان كي نعي أنّ كل قيمة أو عقيدة لا توصل الإنسان إلى ملء قامته وتجعله يعي وحدته مع الجنس البشري هي قيمة شكلية مفرغة من محتواها. إنّ النظرة النقدية التي اقترحناها يمكن أن تفضي إلى تحقيق وحدة إنسانية واجتماعية وعائلية، يفهم فيها الأفراد بعضهم بعضاً ويحترمون بعضهم بعضاً، وبهذا تَخدم قضية القيم الأصلية، وتجعل القيمة جديرة باسمها.
#العنف_الأسري #النشأة_الإجتماعية #المشاركة #الحوار #العدالة_والمساواة