الأخبار الكاذبة

01 يناير  .   5 دقائق قراءة  .    812

Photo by Markus Winkler on Unsplash

يوما بعد يوم، تزداد كمية المعلومات المستحدثة وخصوصا على شبكة الإنترنت، بما يغطي كافة الحقول والميادين والمعارف والنشاطات الإنسانية، وتنتشر هذه المعلومات بأكثر من صيغة: نصية، صورية، صوتية، داتا رقمية، وبأكثر من وسيلة: الهواتف الذكية، الحواسيب، الأجهزة اللوحية، التلفاز والراديو،... وتعرض بأكثر من طريقة: إعلام تقليدي، مواقع إلكترونية: إخبارية، رسمية، شخصية، مدونات شخصية، وسائل التواصل الاجتماعي وتشعباتها، وتطبيقات المراسلة الفورية مثل واتساب،....

مع تراكم هذا الكم الهائل من المعلومات وازدياد عدد مستخدمي الإنترنت في السنوات الأخيرة بحيث وصل إلى أكثر من 4.57 مليار مستخدم، وسهولة الوصول إلى المعلومات بشكل مجاني غالبا، برزت إشكالية صدقية المعلومات، وإمكانية التلاعب بها لخلق رأي عام منحاز بهدف تحقيق غايات سياسية، أيديولوجية، عنصرية، استقطابية، ربحية، شخصية، وبخاصة في زمن الأزمات. نعيش اليوم في عصر المعلومات، صحيح! ولكن فلنكن موضوعيين، نحن نعيش أيضا السنوات الذهبية للمعلومات الزائفة، والمضللة، والخاطئة.

تعود جذور هذه الإشكالية، إشكالية صدقية المعلومات، إلى أزمنة غابرة، فقد جاء في معجم لسان العرب في أصل كلمة خرافة:

... ذكر ابن الكلبي في قولهم حديثُ خرافة أَنَّ خرافة من بني عُذْرَةَ أَو من جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثم رجع إلى قومه فكان يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مـما رأى يَعْجَبُ منها الناسُ فكذَّبوه فجرى على أَلْسُنِ الناس.

ولا تعنينا صحة هذه الرواية، بقدر ما يعنينا تناقلها كشاهد تاريخي على أن الأخبار الكاذبة والإقرار بوجودها، ضارب في القدم.

تقدم الوثائق التاريخية كثيرا من الأمثلة عن الأخبار الكاذبة لدى مختلف الشعوب، نكتفي ببعض أشهرها فيما يلي:

- زلزال لشبونة الشهير سنة 1755، والأخبار الكاذبة التي زعمت أن الزلزال عقاب إلهي للخاطئين، وقد ساهمت الكنيسة والسلطات في أوروبا في الترويج لهذا الزعم، مترافقا مع الادعاء بأن نجاة عدد من الأشخاص كان بفضل ظهور عجائبي للعذراء مريم. وهذه الحادثة شكلت حافزا قويا لفيسلوف التنوير فولتير كي ينتقد بشدة الأخبار الملفقة والشائعات الدينية.

- الأخبار العنصرية الكاذبة حول السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وكذلك الأخبار العنصرية الكاذبة حول الأمريكيين السود من أصل أفريقي.

إذن، ليست إشكالية صدقية المعلومات ناجمة عن وسائل التواصل والاتصال الحديثة بقدر ما أصبحت أكثر خطورة مع هذه الوسائل بسبب قدرتها الهائلة على الانتشار والرواج.

أما في التاريخ الحديث، فقد لجأت كثير من السلطات والحكومات إلى تلفيق الأخبار خدمة لمصالحها، فبرز مصطلح البروباغندا الذي لا يزال شائعا في أيامنا، ولعل أبرز من برع فيها:

- ألمانيا النازية بقيادة وزير البروباغاندا غوبلز، الذي برع في تلفيق أخبار كاذبة ضد خصوم هتلر، والشيوعية، والأعراق المنحطة حسب زعم النازية.

ولئن كانت الأخبار الكاذبة سيئة الأثر في غالب الأحوال، فإنها أكثر ما تكون خطورة في زمن الأزمات، ولعل في أزمة جائحة كورونا خير مثال: من الأخبار الكاذبة عن عدد الإصابات والوفيات، وإجراءات الحجر الصحي، والكلام عن مؤامرة حاكتها الدولية الفلانية ضد الدولة العلانية، ودور شبكة الجيل الخامس 5G المزعوم، وتصنيع الفايروس هنا أو هناك، إلى طرق الوقاية الخاطئة وعشرات الأدوية السحرية،... كل هذا دفع بمنظمة اليونيسكو الأممية إلى تحميل الأخبار الكاذبة حول فايروس كورونا مسؤولية تهديد حياة المتلقي. كما صنفت مجلة نايتشر العلمية الشهيرة الأخبار الكاذبة حول هذا الفايروس بالجائحة الثانية.

ولا يقتصر خطر الأخبار الزائفة على ضررها المباشر الذي قد يصل أحيانا إلى التسبب الوفاة كما في الحالات الصحية، بل يمتد إلى الصحة النفسية للمتلقي، ويخلق نوعا من التوتر والهلع خصوصا لدى الفئات الأكثر تصديقا للأخبار الكاذبة، والذين لا يمتلكون الأدوات المعرفية الكافية والعقل النقدي المنيع. ولم يقصر كثير من زعماء الدول في استغلال جائحة الكورونا لتمرير أخبار كاذبة أو تصريحات مضللة تهدف إلى تطويع الرأي العام لغايات سياسية.

ويمكن تبويب الأخبار والمعلومات الكاذبة ضمن أبواب كثيرة: فثمة المعلومات الخاطئة، المعلومات المضللة، البروباغاندا، نظرية المؤامرة، المعلومات المختلقة، المعلومات المجتزأة، العلوم الزائفة،...

أما عن طرق التثبت من صدقية المعلومات، والتصدي للمعلومات الكاذبة سواء أوصلت إلينا عبر شاشة التلفاز، أو عبر المواقع الإخبارية، أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الواتساب، فنقترح بعض الخطوات العملية لدى تلقي أي معلومة وبأي صيغة كانت:

- التدقيق في مصدر المعلومة، والرجوع إلى مصدر أولي قدر الإمكان.

- التأكد من جدية الخبر، فأحيانا يكون هدفه التسلية، ولا يجب أخذه على محمل الجد.

- إذا وصلت المعلومة من دون مصدر، فيجب البحث عن مصدر أولي موثوق للمعلومة وإلا فالأولى عدم تصديقها ونقلها.

- التدقيق في موضوعية المعلومة وخلوها من المبالغات والغلو، خصوصا إذا كان موضوعها حساسا مثل المواضيع السياسية، الدينية، العرقية...

- التأكد من تواتر الخبر وانتشاره في مواقع رصينة، لا سوابق لديها في نشر الأخبار المزيفة.

- الانتباه إلى تاريخ المعلومة، والأخطاء الإملائية إذا كانت نصية، وإجراء بحث بسيط عن أسماء الأشخاص والجهات التي ترد أسماؤها فيها.

- الرجوع إلى المصادر المختصة، من مواقع رسمية، مواقع الجامعات والمؤسسات، الدوريات العلمية المحكَّمة،...

أمام الهجمة الشرسة للأخبار الكاذبة، انتصروا لصدقية المعلومات. كيف؟ ابدأوا الآن، ودققوا في مصادر ومراجع هذا المقال


#الأخبار_الكاذبة 


[1] https://www.internetworldstats.com/stats.htm

[2] http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A9

[3] https://www.politico.com/magazine/story/2016/12/fake-news-history-long-violent-214535

[4] https://www.amazon.com/Myths-About-Israel-Ilan-Pappe/dp/1786630192

[5] https://www.washingtonpost.com/politics/2020/07/13/president-trump-has-made-more-than-20000-false-or-misleading-claims/

[6] https://news.un.org/en/story/2020/04/1061592

[7] https://www.nature.com/articles/d41586-020-01409-2

  3
  2
 1
مواضيع مشابهة
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
Aboud Salman
02 يناير
كل عام وانت بخير
  0
  0