سراب

Bassem Chebbo

01 يوليو  .   3 دقائق قراءة  .    178

Photo by Marek Okon on Unsplash

 

كان قد غادر الفندق بعد أن أخذ قسطا من الراحة من عناء السفر وقام بجولة في المدينة القديمة و مركز المدينة قبل أن يرتاد أحد المطاعم الايطالية التي يعرفها لتناول الطعام المفضل لديه ، لم ينتبه لوجودها بداية ، وقع نظره عليها بعد أن أحضر النادل له ما يرغب به من طعام . كانت وحدها وكانت على غراره تتناول الطعام قريبا من مكان جلوسه في المطعم . وبينما ينظر إليها مفتونا بها انضمت إليها احدى الفتيات ، و فيها من الشبه منها الكثير ، والتي ما أن رأى وجهها حتى توطنه شعورمباغت بالاستياء والنفور فاختلطت في نفسه مشاعر الحب والبغضاء وتجاذبته احاسيس متناقضة بين الرغبة بالبقاء والرغبة بالمغادرة وعلى عجل .

ظل منشغلا بها حال مغادرته المطعم مساء البارحة وحتى لحظة ما قبل نومه كما لازمه طيفها منذ استيقظ من النوم صباح هذا اليوم وحتى لحظة رؤيته لها من جديد . بانت له وسط جمع من الناس بينما يمشي على ضفاف بحيرة جنيف في ساحة مون بلو الهادئة على بعد خطوات من مقر إقامته في الفندق، راح ينظر إليها وتنظر إليه بفعل تيار الجذب الذي سرى بينهما ، خطر له أن يقترب منها أن يذهب إليها لكنه شعر ومن خلال تعابير وجهها وحركة رأسها أنها تطلب منه ألا يفعل وكأنها قرأت ما دار في ذهنه وبغتة بانت له رفيقتها ظهرت بين الجمع وكأنها ولدت من فراغ عاوده سريعا الشعور بالاستياء والنفور وعادت مشاعر الحب والبغضاء تختلط في نفسه كما تجاذبته مجددا الرغبة بالبقاء والرغبة بالمغادرة وعلى عجل.

كان كل ما يربطه بها هو ذلك الاحساس الغريب الذي تدفق لمجرد أن وقع نظره عليها احساس هو مزيج من السعادة والقلق وكأنما مسه منها ما قلب موازينه العاطفية فصيره انسانا مختلفا وغريبا عن نفسه. كان رجلا يجيد التحكم بمشاعره يضبطها على ايقاع عقله والتزامه فمن اين لمشاعره الباردة كل هذا الدفء وكل هذا الحنين؟ هو من لم يقم يوما أي رابطة عاطفية بينه وبين شيء أو أحد ما و لم يتوقف يوما عند حدود أمرأة ، فلماذا توقف بحدوده عندها وهي الغريبة التي لا يعي أنه عرفها أو يعرف عنها شيئا رغم احساسه أنه عرفها منذ زمن كأنما رآها أو عرفها قبل؟ ما إن دخل مقصورة القطار في محطة القطارات الرئيسة في جنيف في طريقه إلى مدينة مونترو السويسرية واتخذ لنفسه مقعدا حتى رآها ورفيقتها تدخلان المقصورة ، استغرب كيف انه لم يصادفهما على رصيف المحطة، مرت أمامه حيث يجلس دون ان تلتفت إليه واحتجبت عن ناظريه بجلوسها ورفيقتها خلفه ، وفي ظل ادراكه أن رفيقتها إنما تقوم حاجزا بينه وبينها لم يحاول القيام إليها كما لم يحاول طوال مدة الرحلة الالتفات إلى الخلف نفورا من رفيقتها و فكر في لحظة ما خلال مسيرة القطار أن يدون لها على ورقة رقم هاتفه وعنوان ومدة إقامته وأن يمررها لها عند مغادرتها القطار في محطة مونترو ، في حال لم تستأنف الرحلة ورفيقتها إلى محطة أخرى ،عسى أن تتصل به أو تزوره وحدها ، لكنه سرعان ما انصرف عن الفكرة بعد أن أنبه عقله المحض على تفكيره ونبهه إنه بذلك إنما يخرق القواعد ويعرض المهمة التي جاء سويسرا لأجلها للفشل .

ظل منشغلا بها طوال فترة إقامته في مونترو ما أثرعلى تركيزه في العمل ولم يفارقه طيفها أثناء عودته منها مساء اليوم التالي إلى جنيف، وحتى وصوله الفندق قادما من محطة القطار ورغم المصادفات المتكررة لم يكن ليخطر له على بال بأي حال من الاحوال أن يجدها أمامه ما أن دخل غرفته في الفندق ، تقف على بعد خطوات في مواجهة مدخل الغرفة كأنما تتهيأ لاستقباله باغته وجودها وأخافه بداية وأحل في نفسه الارتياب منها ما أن تبينها ، لكنه سرعان ما تجاوز ارتيابه من وجودها وراح إليها،اراد التحرر من شعوره الدائم بالحذر والارتياب من أن أحدا يراقبه ويترصده ويخترق خصوصيته ويتهدده .أخبرته أثناء حديثهما أنها جاءت بغفلة من رفيقتها تحررت من سطوتها تلبية لرغبتها في اللقاء به ولم يسألها كيف اهتدت إليه وكيف تمكنت من دخول غرفته في الفندق لم يشأ أن يسألها لأنه لم يشأ أن يعرف . كل ما أراده أن يسعد بلقائها وأن يعرف كل شيء عنها أن يتأملها أن يتحدث إليها. فقد معها احساسه بالزمن فلم يشعر كم من الوقت مر عليه  وهو على حال من الوجد قبل أن يدرك أنه وهو يجلس إليها إنما كان يجلس إلى نفسه وأنها ورفيقتها لم تكونا إلا محض سراب.

تمت

جنيف في 4/10/2018 .

باسم شبو

  2
  5
 1
مواضيع مشابهة

18 يوليو  .  2 دقيقة قراءة

  1
  3
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
لينا شباني
02 يوليو
نهاية مذهلة. راقت لي جداً
  0
  2