15 أغسطس . 3 دقائق قراءة . 907
"في جبال الآس واللبان، وعلى القمة الشاهقة المعروفة بقمة المذبح، لا تزال بقايا هيكل مهجور، متهدم، يدعى "الفلك". أمّا تاريخه فقد غاب في لججٍ سحيقة من القِدم تنتهي في عرف التقاليد إلى الطوفان. كثيرة هي الأساطير التي حاكتها الأيّام حول الفُلك، لكنّ الأسطورة الأكثر رواجاً هي التي سمعتها مراراً من أفواه القاطنين في سفحِ قمّة المذبح، حيثُ أُتيحَ لي ذاتَ سنةٍ أن أُمضي صيفاً بكامله. وها أنا أرويها كما سمعتُها..." بهذا التمهيد البديع قدّم ميخائيل نعيمة لأسطورته المدهشة، التي جاءت فاتحةً مثيرةً للخيال لكتابه "مرداد". ومرداد في اللغة هو العائد إلى الشيء، وفي الرواية هو صوت الإنسانية والفطرة والإيمان الصاخب لدى البعض، والهامس لدى آخرين. كتاب مدهش جاء في ٣٧ فصلا، كتبه باللغة الإنكليزية أولاً ومن ثمّ باللغة العربية بأسلوب ساحر متميّز وقدرة فنية منقطعة النظير.
كتاب مرداد، الذي كتبه صديق مقرّب وكاتب سيرة جبران خليل جبران، هو تحفة في الحكمة الروحية إلى جانب كتابالنبي. إنها قصة رمزية خالدة عن غريب غامض، مرداد، الذي يزور دير الفلك الجبلي البعيد، وهناك يتولى دور المعلم للرفاق التسعة المختارين، ومن خلال حواره معهم، تلقينا تعاليم توضح لنا كيف يمكن تحويل وعينا وكشف الله في أنفسنا، من خلال إذابة إحساسنا بالازدواجية. يعتبر كتاب مرداد من بين الكلاسيكيات الروحية العظيمة في القرن العشرين ويستحق أن يكون الرفيق الدائم لأي باحث روحي. يصف الكتاب قصة مرداد، الذي قرر ترك كل شيء وراءه للذهاب وزيارة معبد بعيد يقع على قمة جبل، وتم بناؤه منذ مئات السنين. الطريق إلى الجبل خطير لكنه يثابر في طريقه. وبعد أن فقد كل شيء، وجد نفسه في المعبد بعد تعرضه لحادث في ليلة مظلمة. ومع ذلك، هذه ليست سوى البداية. ما يلي هو فصول من الأحجار الكريمة الروحية الفردية التي يمكن للباحث إما قراءتها كقصة أو اختيار عشوائي.
على الرغم من أن الكتاب كتب في الأصل في أوائل القرن العشرين، إلا أنه تمكن من وصف ما يسمى بالحياة "الحديثة" بدقة! تمت صياغة النص بشكل جميل للغاية بحيث يمكنك قراءة العبارات إلى ما لا نهاية. ببضع كلمات يستطيع ميخائيل نعيمة أن يبقيك في صمت لفترة طويلة أويترك ضوءً دافئًا في قلبك. أخذنا الكتاب في رحلة روحية صوفية فريدة من نوعها، فيه من القرآن والإنجيل والتوراة، ومن روح ونفس زرادشت، حثّنا فيها على البحث عن مصادر جديدة للصفاء الروحي ونقاء الذات. هو بحد ذاته حركة تصحيحية وكتاب مقدس جديد بلغته وفكره وثقافته. فنحن بناة سفن كلٌّ على طريقته.
➢ الإنسان في الواقع لا يحارب إلا نفسه، وهو إذ يحاربها يحارب كل مخلوق يتوهمه غير نفسه.
➢ قلب الانسان هو معقل الفهم، فما اكتشف إنسان الفهم إلا في قلبه إلا كان الظفر نصيبه والسلم رفيقه حتى الأبد. فالقلب الفاهم يحيا حياة سلمٍ دائم حتى في وسط عالم مستعر بنيران الحروب.
➢ ألا كشفتم للإنسان عن السماء التي في قلبه، فمن كان سماوي القلب كانت الأرض سماء له.
➢ ما حييتم إلا تعرفوا المحبة، وما أحببتم إلا لتعرفوا الحياة.
➢ لا تنظروا بالعين بل من خلالها، كيما تبصروا كل ما وراءها؛ لا تنطقوا بالشفة واللسان، بل من خلالهما، كيما تنطقوا بكل ما ورائهما من الكلم.
➢ من لم يجد هيكلاً في قلبه، لن يجد قلبه في أي هيكل.
➢ إنّ جدولاً عكراً يستطيع أن يعكِّر جدولاً آخر لكنّ الجدول لا يعكّر البحر.