19 ديسمبر . 3 دقائق قراءة . 786
هذا الكتاب ـ السيرة ـ الرواية
عبدالهادي سعدون
عندما قرأت قبل سنوات وللمرة الأولى مقتطفات من اعترافات شاب سوري أسمه أحمد شعبان عبر صفحته في الفيس بوك، اصبت بهول المفاجأة، اولاهما أنني لم اقرأ منذ قبل لشاب عربي وبالعربية وبإسمه المعلن المكشوف، كل هذه الاعترافات الجسدية المَثلية من قبل. وهي اعترافات شخصية كسيرة ذاتية عن البداية وطفولة الجسد ورغباته واحباطاته، وثالثها انها لا تني عن طرح المكشوف دون مواراة لأي صلة او اعتبار لكل ما مر به المؤلف في حياته العائلية أو الشخصية برفقة آخرين وبدونها.
وهذه السيرة الأولى، سيرة مغلفة بالتساؤلات والطروحات التي يبثها كاتبها عن قرب، تحملنا إلى بدايات وصراعات طفل ومن ثم فتى مراهق حتى عمر الشباب، وفيها كلها هناك تعرية كاملة لكل الظروف والأشخاص، دون غطاء أو تورية. سيرة شجاعة في زمن المواربة والجبن في الكتابة والكشف عن الذات.
هذا الكتاب السردي، السيرة والمعرفة: هل هو تصفية مع الآخر؟ هل هو كشف عن المخبأ والمستور في مجتمع متناقض؟ هل هو تبرير للذات؟ هل هو مصالحة مع الذات؟ هل هو كل هذه وأكثر؟ الحقيقة التي لا غبار عليها توجد في الكتاب نفسه، عبر التخيل والتذكر والمراجعة والسرد المطول، هو إعادة ترميم لهذا الكولاج المفكك، مداواة للنفس وفهمها الأكبر. أكاد أجزم أنه كتاب عن نظافة الروح والجسد مقابل القبح والرفض والتزييف.
الكتاب حتى وإن أردنا قراءته كاعترافات شاب مَثلي في بلد عربي، فلا بد أن ننتبه أيضاً لقيمة الحكاية وأسلوب سردها عبر هذا التمايل الشديد الجذب لحالة كاتب خرج من الجحيم ليقوم بمراجعة الذات وما جرى له في كل تلك السنين العجاف من المراقبة والإهانة والرفض والمحاسبة. الأزمنة تتغير بالنسبة للمؤلف، لكنها ازمنة حبيسة بتلك البؤرة الأولى، بؤرة التكوين والخلاص من سجن الجسد نحو آفاق أكثر تحرراً ورغبة بالمجاهرة والانعتاق. يقول في رسالة له أرسلها مع النصوص كاملة:" اكتشفت أنني أود الحديث عن الكثير والتي تستوعب العديد من النصوص وكعادتي لا أعرف من أين أبدأ ولما سأنتهي وكل حدث مفتاح لأحداث لا بد من تحديث جديد للنفس لرؤياه ونظمها، أعكف الأن على متابعة كل اقتراح لك بعدة نصوص أو كما أجد نفسي أملك النذر اليسير من القناعة(ولا قناعة) بأنني أعطيت الحق لتلك المرحلة أو تلك، حتى نصل لزلزال الاغتصاب في الطفولة وتبيان أن لا يد له في مثليتي، يوميات الكتاب تزحف على يوميات حياتي وأنا أستمتع وأكتب رفقة الربيع الهولندي وحديقته الصغيرة وكل ما حولي يتضامن في رحلتي الجميلة معاك بالرغم من أنني لم أعرف بعد صناعة عزلة تليق بتأليف كتاب".
غريب هذا الولد المشاكس (سيقول لي أنه لم يعد ولداً) كلما اقرأ نصاً حياتياً جديداً له، أعشقه أكثر. بل اعترف هنا أنني لو كنت مِثلياً مرة واحدة في حياتي، فلن أجد عشيقاً أفضل وأكثر صدقاً منه، ولما تولهت بفتى مجرب كولهي به.
كتاب جدير بالقراءة والتمعن والتعرف على حقيقة موجودة وحياة بشر من بيننا، من داخلنا، أخوة أو أصدقاء أو أي مقرب آخر، لا يختلفون عنا ولا يسببون لنا أي عداء أو مبرر لرفضهم ونبذهم. في هذه السيرة الأولية، نبع معرفة وتعرف على الذات وعلى الآخر، في سرد مباشر، طبيعي وصريح، قد يصدمنا في أحيان كثيرة، ولكنني متأكد أنه يفتح أعيننا على واقع وطبيعة وبشر مثلنا، لا يفرقون عنا ولا يرغبون بأكثر من الكشف بصدق عن رغبتهم وميولهم وحيواتهم المتعددة... أقول مثلنا، ومثلنا تماماً.