القطارات

09 فبراير  .   2 دقيقة قراءة  .    515

 

ترفض إنجاب جنينها
ترفض هذه المهزلة رفضاً قاطعاً
وكأنّ رحمها ترفض الفراغ
سيحاولون ممارسة طقوس الإجهاض بالقوة...
عطّلوا كل القطارات
وهي تستمرّ في الهروب
تتوقّف قليلاً

تستمع لحفيف أصابعها

ويستمرّ الركل في روحها

***

قرّر رجلٌ الانتحار، فاستلقى عند سكة الحديد. وقبل أن يصل القطار إليه ويدهس جسده، انحرف عن مساره ومات كلّ من كان بداخله. وقف مذهولاً ثمّ راح يساعد في لملمة أشلاء الأطفال.. ومنذ ذلك الوقت لم يستطع أيّ حكيمٍ أن يردّ له نطقه..

***

أزور إسبانيا للمرة الأولى. لم أشعر بشيء. ربّما لأني لا أحتفظ في ذاكرتي بشيءٍ عنها. إذا حدث وعدتُ إليها مرّةً أخرى، فستكون الزيارة أجمل، سأقف أمام الأماكن بثقلٍ أكبر حاملةً وزناً لا بأس به من الذكريات. سأقول: هنا زرتُ متحف بيكاسو وهناك دخلتُ إلى بيته ورأيتُ ريشته العتيقة، وفي هذا الفندق تركتُ شعرةً من رأسي فوق وسادة، وفي باحته لعبتُ مع طارق بالطابة، ومن هذا الشارع اشتريتُ ساعةً ذائبةً لدالي، وجلتُ في مدينة مالاغا في عربةٍ يجرّها حصانٌ أندلسيّ عجوز، وفي ذلك المطعم أكلتُ البايلا مع أصدقائي وعائلتي واحتسيتُ النبيذ وغرقتُ في لونه الزهريّ، وعلى ذلك المقعد جلستُ بالقرب من عازف الغيتار المشرّد وهو يعزف للمارّة وأنا أظنّ أنّه يعزف لي وحدي.
إذا عدتُ إلى هنا فسأعود بحنينٍ كثيف كأنّني أعود إلى الوطن..
عندما نبني لنا للأماكن بيتاً في الذاكرة، نربح الحنين.. لكنّنا نخسر الدهشة.
أجلسُ في قطار في بلادٍ بعيدة بالقرب من رجلٍ غريب. كدتُ ألقي برأسي على كتفه لولا انتباهي أنّه لا يمتّ لي بصلة. هو ليس أخي أو زوجي أو ابني أو حبيبي، هو مجرّد مسافر شاءتِ الصدفة أن تكون تذكرته قريبة من مقعدي، وقد حصل بين كمّ قميصه وبين جلد ذراعي احتكاك ناعم جعلني أستمتع بالموسيقى المسجونة في سمّاعاتي. سافرتُ إلى أبعد من مدريد، إلى حقيقة مخيفة وهي أنّنا نعيش في زيفٍ كبير، لأنّه، لولا انتباهي لموضوع غربة هذا الرجل عنّي، لغفوتُ على كتفه بحرّية، ولكنتُ اعتذرتُ منه إذا حدث ولطّختُ قميصه حين أعود إلى وعيي في نهاية الرحلة مبرّرةً له أنّ هذا الاحتكاك أثار عندي رغبةً في النوم والحلم والكتابة والبكاء والحبّ والسفر بعيداً إلى ما لا نهاية.. حيث يكون الصمت الذي يحدث في نهاية المويسيقى، هو بحدّ ذاته.. موسيقى.

***

لقد توقّف القطار
لكنّ تلك المرأة في المحطّة السابقة لم تترجّل من ذاكرتي، ما زالت تطلب منّي سيجارةً أخرى بكل وقاحة، وما زالت تتحدّثُ مع نفسها كلّما ابتعدتْ.. يا للبؤس!

***

‫سأؤجل موتي لدقائق كي أنقذ قلبك الذي تركته عند الحافة
قبل أن يتدحرج… ويمر قطار آخر؟

***

المسافرون يجوبون المحطّة ذهاباً وإياباً، لكنّي لا أرى أحداً في انتظار أحد. بإمكانكَ المتابعة أيّها القطار

***

لماذا يقلق على تأخّر القطار وهو لم يكن في انتظار أحد؟!

***

قلت لها: لا تجلسي على مقعدك المفضّل دائماً. لا تبني لكِ مكاناً ثابتاً في الذاكرة. لا تجعلي من عاداتكِ الراسخة طيراً أسود يعشّش في الأنقاض.
لكنّها كانت تتوجّه دائماً نحو مقعدها المفضّل كالقطار الذي يعرف أين ستكون محطّته الأخيرة.

***

‫(سلمى في زنزانة)

لم يبتعد خيالي في سفره إلّا هناك.. عندما سرقوا من تحت رأسي وسادة
تكاثرت قدماي.. صرتُ قطاراً..

***

أحلم أن استقل قطاراً
لا أعرف وجهته

تصويري /بيروت
  1
  6
 1
مواضيع مشابهة

31 أغسطس  .  1 دقيقة قراءة

  1
  5
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
لينا شباني
10 فبراير
أفكارٌ رائعة بجنونها... وجموحها.
  0
  0
 1