11 مارس . 5 دقائق قراءة . 683
سأكون بين اللوز
حمود ولد سليمان
"غيم الصحراء"
الكتب التي تحتفظ بجاذبيتها وسحرها مدي الزمن هي الأبقي والأقدر علي التأثير في قرائها .كلما قرأوها .هي
التي أودع فيها أصحابها كل ما في أرواحهم من خيال وأفكاروصور .من هذه الكتب التي لاتنسي أذكر كتيب أندريه جيد قوت الأرض أو القوت الجديد .الذي سماه كتاب الفرار وسجن فيه نفسه كما يقول ..عندما قرأت هذا الكتيب شعرت بي خفيفا كنسمة عابرة .وكأنني تخلصت من كل أعباء الوجود ورحت أنشد مع جبران خليل جبران :
والحر في الأرض يبني من منازعه
سجنا له وهو لايدري فيؤتسر
قوت الأرض أو كتاب النقاهة دفعني لاخرج من قوقعة العزلة. وأيقظ في روحي بعض الأسئلةوالأفكار.
ومثل صنيع قوت الأرض.فعل بي حسين البرغوثي ب .سأكون بين اللوز / في هذا الكتاب ينهض حسين البرغوثي من رماد العالم يبعث وجوده وذاكرته الفلسطينية .بعد ان تجرع أقداح المنافي .من آخر العالم ..في آخر الليل . كأنه يبحث عن دواء لماتبقي من روحه الذابلة المشرفة علي الموت .
في هذا الكتيب الشعري الجميل الآخاذ الساحر العنوان يستكمل البرغوثي نشيد الشاعر" الغجري ".ترانيم للوطن السليب" لبلاد بعيدة ...بلاد بلا أثر "كما يقول الشاعر محمودرويش .بغنائية فلسطينية مترعة بروح حزينة تأبي اليأس والإستسلام .وهي روح الفلسطيني أينما وجد . .نجدها في كتابات غسان كنفاني ومحمود درويش ومريود البرغوثي وعز الدين المناصرة .وادوارد سعيد .وكل الفلسطينين.وهي التي غناها درويش وغناها الجرح الفلسطيني :
وليكن لابد لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفة
وأعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة "
يستعيد الشاعر حسين البرغوثي في سيرة سأكون بين اللوز . سيرة الأرض/ سيرته وربابة قدورة والدير الجواني و ابنه آثر وزوجته بترا وحقول اللوز التي تسحر الناظرين والاودية والجبال في الريف الفلسطيني . في لحظة ألم بعد أن أنهكه المرض " السرطان " وصفاء ذهني قد صقله حب اللوز . في تداعيات جميلة .يستعيد ذاكرة المكان الذي يسكنه في استيهامات واستمالات وتأملات وتوقعات .كل ذالك يدور في خيال الكاتب .شعرا ونثرا ورسما .وفي
ايقاعات روحية مترعة بالحنين والرغبة في استعادة كل التفاصيل والزمان والمكان .الضائع
إحساس الشاعر وان كان حزينا فليس استسلاميا وهو ما "يجعله إيجابيا ويعطيه تفرده وأصالته المفعمة بالصدق والتي تقوم علي نسيجها الشعري الذي يؤكد قوة الحياة"
كما يقول ادوارد سعيد في تقديمه لرواية مريد البرغوثي "رأيت رام الله ."
"بعد ثلاثين عاما أعود إلي السكن في رام الله إلي هذا الجمال الذي تمت خيانته .نفيت نفسي طوعا عن بدايتي فيه .واخترت المنفي ." حسين البرغوثي
في المستشفي يستعيد البرغوثي صور حياته بشكل تمتزج فيه السعادة والحنين بالموت فيبدو وكأنه يراوغ الموت الجبار في لعبة الذاكرة و يستغرقه نشيد الحياة في كل ما حواليه في الطبيعة .فيأخذ من الهامش صورا ويعزل من الذاكرة ويدمج في توليفة .شعرية.نثيرة .يصنع كل ذالك ويبدو قويا عندما يستعصي عليه السرد في مواجهة الموت .
وبين الموت / المرض الذي يفتك بالجسد /والإحتلال الاسرائلي الوحشي / الشديد الوطأة .الذي أتي علي الروح والجسد . يحاول ان يوقف النهر / الموت المخيف .لكي لا يتخطاه إلي ابنه وزوجته .من عائلة الفتك / الأمراض / يصيبه الهلع الشديد أن يكون مصابا بالأيدز ويصبح السرطان /الذي أصيب به قدرا رحيما لأنه يخصه وحده . بدل الإيدز الذي سيمتد الي بيته ... ابنه وزوجته .
سأكون بين اللوز / تقاطعات نصية جمالية .ذكريات .تاملات. استعادات .تصورات .تنويعات .تجذيرات .غنائيات ..سيرة ناقصة ومبنية .فردوس مفقود.بكائية للوز . نص تأملي في السرد والموت. و العلاقة بالمكان . شعرية باذخة تضم الطبيعة بعمق جمالي فلسفي . .عنوان شاعري جميل .للوهلة الأولي يضعنا في بعده الذي يتخطاه ككل نص عظيم حالم رؤيوي ..سأكون بين اللوز
في الحضور والغياب / في اللغة وماوراءها ..
سأكون بين اللوز ..مستمرا .كتاب جميل تحس وانت تقرأه بالمتعة الجمالية تغمرك ..وهي خاصية لاتتوفر إلا في الكتب الجيدة التي يجد فيها القاريء.ذاته .يجد الأفق الذي يبحث عنه .إنها الكتب الرائعة التي تشاطرنا الهموم وتخاطبنا بلغة الكيان وتمنحنا أكثر مما نظن .لتعطينا الصورة الحقيقية
وهي أن الكتاب ليس بحجمه وشكله .وإنما بمضمونه وما يثيره وما يستنطقه في دواخلنا من كوامن وذكريات واسئلة وتأملات .