المسرحي السوري غسان جماعي يرحل باكرا

Aboud Salman

10 أغسطس  .   2 دقيقة قراءة  .    444

المبدع الراحل غسان الجباعي.. 
رحل أبوعمر حاملاً أحلامه معه، ربما لم يتحقق جلها في خضم الانكسارات الكبيرة، لكن حسبه أنه حلم وأنه سعى نحو حلمه وأنه ظل قابضا على أحلامه كالقابض على الجمر. 
سأترك له الحديث فمعه نحن نصغي ونحلم وكأنه لايزال بيننا: 
(الاقتباسات من كتابه.. المسرح في حضرة العتمة.. منشورات دار العوام 2020).

(نعم، المسرح في حضرة العتمة وليس الضوء. فالفن رهين العتمتَين، وهل يستطيع الفن أن يكون موجوداً بمعزل عن العتمة والضوء!؟.
الخشبة صفحة سوداء نكتب عليها حكايتَنا البيضاء بأجسادنا وأغراضنا وأرواحنا وأشواقنا.. أعرف أنه عاش طويلاً في الهواء الطلق وقُدِّمَ في وضح النهار ولم يزل يحنّ الى ذلك، لكنه عملياً رهين العتمتَين: 
عتمةٌ نزركشها نحن بالضوء وتُرافق العرضَ حتى النهاية، وعتمةٌ غريبة عنه دخيلة عليه تأتي من خارجه وتخيّم فوقه، كما تخيّم على كل شيء بهيّ، هي عتمة الاستبداد والعبودية والتفاهة والخِسّة..
سأحمل إذن مصباحَ ديوجين وألبس أسماله وأمشي حافياً خلف عصاه الوحشية، راجياً أن أشق طريقي نحو قبَس بين هاتين العتمتَين )

( لا أظن أن للفن والثقافة وظيفة تبشيرية أو تعليمية أو تسييسية، لأن وظيفتَهُ موجودة فيه، في جوهره، في البحث الدائب عن الجمال الكامن في الانسان والمجتمع والطبيعة. والفن بالضرورة حارس للقيم العليا للانسانية وملتزم بالدفاع عنها، قيم الحياة والحرية والكرامة والعدالة والحب والمساواة والتعبير والمشاركة، وكل القيم الأخلاقية التي ناضلت البشرية من أجل تكريسها وحمايتها عبر مسيرتها الطويلة مُحوِّلَةً ذلك الوحش البدائي ساكن الكهف الى انسان متحضر صارت هذه القيم اليوم حقوقاً من حقوقه الأساسية.. 
إن المسرح الحقيقي اليوم يدعونا لأن نترك العقائد نائمة وآمنة في صدورنا ونأتي اليه بعقول منفتحة، بعيداً عن التعصب الفئوي بأشكاله المختلفة.
أليس الأحرى بنا أن نطالب بفصل العقيدة عن الفن كما نطالب بفصل الدين عن الدولة والسياسة).

يحكي غسان الجباعي عن احدى تجاربه المريرة في السبعينات عندما التقى هو وفرقته المسرحية بمحافظ السويداء أيامها:
( أما الصدمة الثانية فكانت لقائي بالجنرال المتقاعد ___ محافظ السويداء. كانت نشاطاتنا تجري تحت رعايته ورعاية أمين فرع الحزب ___. 
وكان هذا الجنرال السابق السمين القصير الجلف، يكره الفن ويضيق ذرعاً بتلك الحفلات،  فيرعاها مُجبَراً ويخرج بعد دقائق مكفهر الوجه عبوساً، غير عابىء بالجمهور الذي يتابع العرض بشغف، حيث يقف مرافقوه الجالسون في الصف الاول عادة ليشكلوا حاجزاً سميكاً بين الخشبة والصالة محدِثين تلك الجلَبة التي تجبر الممثلين على التوقف عند خروجه.. 
وقد اجتمع بنا وقال لنا كلاماً لا أستطيع نسيانه، في لقائنا الوحيد معه، والذي تم بطلب منه: 
أنا بحب الشباب والشبيبة، بس مابحب الفنفنة والميوعة، الشباب جنود البعث والثورة! ومكانهم ساحات التدريب والقتال ضد العدو الصهيوني الغاشم، مو الرقص والأغاني والتمثيليات!!!!).

المفارقة الحزينة أن ذلك الجنرال المهجوس بحرب الصهاينة أثرى ثراء فاحشاً من منصبه كمحافظ للسويداء ثم لريف دمشق وأضحى علماً من أعلام الفساد، بينما أمضى غسان عقداً من عمره وراء قضبان السجن. 
لماذا يكره الطغاةُ الفنَّ دائماً ؟.
سؤال،ٌ سرعان ما نجد جوابَهُ عندما نتذكر المبدع الراحل غسان الجباعي.

منقول

  1
  4
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال