الأنسانيةُ حروفٌ تتلاشى

04 نوفمبر  .   3 دقائق قراءة  .    320

أين الرحمة

الهمزةُ سقطتْ مع سقوطِ الطّفولةِ من عرشِ البراءةِ، سقطتْ بعد أن غَدَتِ الطّفولةُ أجنحةَ ملائكةٍ تطوفُ في سماءِ زمنِ القتلِ، زمنِ الجريمةِ الّتي تفوّقتْ على كلّ جرائمِ الزّمان.


نقطةُ النّونِ باتتْ في عدادِ المفقودينَ علّها حيّةٌ تحتَ الرّكامِ أو تائهةٌ في أروقةِ الدّمار. وما بالنا إنْ كانتْ شهيدةَ اللّغةِ العربيّةِ أو أنّها خجلتْ أنْ تخدمَ لُغةَ الجبناءِ فانضمّتْ إلى حافلةِ المناضلين.


أسنانُ حرفِ السّينِ دَهَسَتْها أقدامُ أمٍّ تركضُ باحثةً عنْ أطفالها تصرخُ بأسمائهم علّهم يُجيبون؛ وبعدَ ساعاتٍ منَ البحثِ يبقى الأملُ فارضًا نفسَهُ على قلبها الجريحِ وعقلُها يدعو اللهَ لابادةِ شياطينِ الحرب ِوهادري دماءِ الأبرياء.


والألفُ التَوَتْ معَ التواءِ ظَهْرِ أبٍ فَقَدَ أسرَتَهُ، فَقَدَ امرأةً اختارَها شريكةً وأمَّ أولادِهِ، فَقَدَ أولادًا كَبروا أمامَ عينيهِ، أولادًا يصِفُهُمْ بفلذةِ كَبدهِ، هذا الأبُ لم يعُدْ سوى رَجُلٍ دونَ حُلُمٍ ودونَ مستقبل.


نُقطتا الياءِ انفَصَلَتا لم تَعُدِ الواحدةُ تُمسِكُ يدَ الأخرى، لقد تشتّتَ كلٌّ منهما في مكانٍ، تبحثُ عن ملجأٍ أو قوتٍ بسيطٍ يُبقيها على قيدِ الحياةِ، وتُصلّي لعلّها تجدُ توأمَها ،فكلُّ منهما على حِدةٍ تغيّرُ المعنى  ومنَ المؤكّدِ أنّ تفرقتَهما متعمّدةٌ ليشوّهوا التّاريخ.


أمّا التّاءُ المربوطةُ فباتتْ طويلةً، فَكّتْ ربطةَ عُنقها وَرَفَعَتْ أكمامَها لِتُداويَ الجرحى وتساعدَ شعبًا لم يُساعِدْهُ إلّا اللهُ، شعبًاً وَجَدَ نفسَهُ وحيدًا لا أخَ له ولا صديق حتّى دونَ أمٍّ وأبٍ، فَلَرُبمّا وُلِدَ مِنْ طين.


الانسانيّةُ اختفَتْ مِنَ المعجمِ. يُعتَقَدُ أنّها دُفِنَتْ تحتَ الأهراماتِ أو في مكّةَ أو في دجلةَ وَلَرُبّما في قلاعِ جنوبِ لبنان.


الانسانيّةُ! وما معناها ؟ الانسانيّة هي طفلٌ يلعبُ مبتسمًا، وأمٌّ تحتضنُ أولادَها وأبٌ فخورٌ بأسرتِه. الانسانيّةُ هيَ حَقُّ التّملُّكِ، حقُّ الحُلُمِ والطّموح .


دُمتُمْ صامتينَ ناظرين . 
دُمتمْ أشخاصًا لا أناسًا.
دامَتْ قلوبُكم حجارةً وعقولُكم مجرمةَ.
دُمتم خائفينَ منْ هزيمةٍ محتّمة. دُمْتُم زائلين.ّ

  0
  0
 0
مواضيع مشابهة
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال