07 سبتمبر . 3 دقائق قراءة . 39
أين أنا؟... لماذا لا أرى شيئاً؟... أين أمي؟... لا أستطيع أن أتنفس!... أمي... أمي... بدأتُ بالبكاء.
سمعته ينادي بأعلى صوتٍ ويقول "طفل حي... أسمع صوت طفلٍ تحت الأنقاض".
انتشلوني من تحت الركام بحذرٍ وحنو، نظرتُ إليهم وبكيتُ بأعلى صوتي، أحدهم ضمني إلى صدره، أخذ يهدهدني ويقول "لا تخف يا طفلي... لا تخف، أنتَ في أمان".
أدخلني الرجل الذي يحملني إلى الإسعاف... هكذا سمعتهم يقولون عن هذا المكان.
إنه ينزف- هكذا سمعته يقول لأحدهم- جردني من ملابسي... وقال "إنها فتاة"! مسح جسدي بقطعة قماش مبللة، ثم لف حولي منشفة نظيفة.
أردتُ أن أشكره لأنه يحاول تخفيف آلامي بلمساته، ابتسمتُ له. فبكى!... شعرتُ بدموعه تنزل على وجنتي.
شعرتُ بالأمان في حضن الرجل، فغفوت...
فتحتُ عيناي فوجدته قد وضعني على سرير، وما زال يضع يده على رأسي.
في المستشفى سمعتُ صوت امرأة!... آه هل هي أمي؟
قالت "ماذا لدينا هنا؟"
لا ليست أمي... لكنها تلمسني بعناية وحنان، استسلمتُ للمساتها، كانت تقلبني بينما الرجل يقول "مسحتُ جسدها بفوطةٍ رطبة"، لقد كانت مغطاة بالدماء".
تركتني لامرأة أخرى تعتني بي، وقالت هي للرجل "يبدو لي أن عمرها أقل من شهر، خدوشها بين المتوسطة والبسيطة، لكن في قدمها حرق من الدرجة الأولى..."
تنهدت وتابعت تسأل الرجل "وعائلتها؟"
أجاب "وجدتها تحت الأنقاض، كانت في حضن والدتها يا دكتورة... لكن للأسف أمها والجميع من حولها ارتقوا شهداء".
غص بدمعه... أردتُ أن أبكي معه، لكن الصدمة أخرستني!
إذن!... من أنا وما جدوى حياتي هنا؟
أمضيتُ في المستشفى عدة أيام، في قسم الأطفال. كنا جميعنا جرحى، نتألم... نبكي... ونلعن الحرب وإسرائيل. هكذا سمعتُ الجميع من حولي يقول "اللهم زلزل الأرض تحت أقدام الصهاينة، فهم سبب مأساتنا منذ عام 1948".
زارني الرجل المسعف، حملني بحنانٍ وقبلني وضمني إلى صدره. نظر في وجهي فنظرتُ في وجهه بتمعن وهو يقول "الحمد لله يا طفلتي لقد عثرنا لكِ على عائلة، ها هي جدتكِ قد أتت لتأخذك معها".
وضعني بين يدي امرأة رائحتها طيبة، كانت تبكي وتبتسم في نفس الوقت، قبلتني وشمتني وضمتني إلى صدرها وهي تقول "هذه تَرِكَتُكَ يا محمد... هذه تَرِكَتُكَ يا شهيد".
فهمتُ يومها أنني ابنة شهيدٍ قضى نحبه فداءً لفلسطين... شهيد على طريق القدس. فهمتُ إنني ولدتُ في أعتم زاوية من الحياة، فهمتُ أنني سأعيش جرح بملامح إنسان!
بسملت جدتي وهي تضع يدها الحنون على رأسي وقالت "أسميتكِ شمس، كما أراد أبوكِ، لقد آمن دائماً أن شمس فلسطين ستشرق يوماً بفضل دماء الشهداء".