10 أبريل .
1 دقيقة قراءة .
41
خالتي التي لم أعرفها معرفةً حقة، أذكر أنني رأيتها للمرة الأخيرة لست سنين تلت الألفية، ذكرياتي عنها قبل ذلك العام ضبابية جداً، إذ لم أكن يوماً إحدى أبناء البيت الكبير، لكن ذكرى واحدة عنها ستظل عالقة في ذهني ما حييت، لقد كانت خالتي ذات مرض، تشكو أوجاعاً عديدة، ورغم أنها قد كانت كبيرةً في السن لكنها كانت حاضرة الذهن بالقدر الذي يسمح لها بتذكر ماضيها وكيف كانت حياتها قبل أن تصاب بالمرض، فيدفعها ذلك للتأفف والتذمر من الحال الذي آلت إليه، وأذكر أن زوجها - الطاعن في السن المصاب ببعض ما أصيبت به - جاء ذات صباح ليلقي عليها تحية الصباح، كان رجلاً بشوشاً كثير التبسم يمشي ببطء يطرق الأرض بعكازٍ يعتمد عليها، رأته خالتي قادماً نحوها فانتهرته قائلة: (عايز شنو؟ جاي ليه؟) فغضب زوجها واستدار وغادر البيت كله، أزعجني قولها ذاك في قرارة نفسي لكنني لم أعقب عليه، وبعد وقت ليس ببعيد، عاد زوج خالتي وجلس إلى جانبها وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث ويضحكان وهما يتناولان الشاي، لم أر خالتي وزوجها قط شابين كما بديا في تلك اللحظة، كان ينظر إليها كما لو كانت عروسه الجديدة، وكانت تشيح بنظرها خجلاً كما لو كانت عروساً بالفعل. لكن سؤالاً سيظل يلح علي ما بقي من حياتي، ما الذي رآه عم أحمد من خالتي خديجة فيما مضى من حياتهما، حتى يغفر لها زلتها بلمح البصر؟ لم يكن تجاوزه عن كلامها حباً، لابد من أنه كان امتناناً لأشياء جميلة فعلتها سابقاً واحتفظ بها في ذاكرته رصيدًا يغفر به مواقف كهذه. توفيت خالتي في العام ذاته بعد عدة أشهر من مغادرتي، وسمعت ممن رأى أن زوج خالتي بكاها كما لو كان طفلاً فقد أمه، ولم يتأخر عنها سوى بضع أعوام. رحم الله خالتي وزوجها.
.
.
مروة فيصل