01 يناير . 3 دقائق قراءة . 709
تريد أن تقول أنك اجتزت كل هذه المسافة فقط لكي ترى بيتي؟! أي الرجال أنت؟ رومنسي أنت وحالم أكثر مما توقعت... لا لست مادية، ولكنني لا أستطيع مثلك أن أحمل مجرد جدران إسمنتية كل هذا الثقل العاطفي! ربما كان ذلك سيبدو عاديا لو كان منزل العائلة وموئل الطفولة بكل ما يحركه في النفس من ذكريات، ولكنه ليس إلا منزل امرأة عرفتها قبل أيام معدودة! لقد فاجأتني فعلاً...
لا، لا... ليس ثمة وقاحة أو تطفل في الموضوع، أقصد مفاجأة سرتني أكثر مما ساءتني. فكرة أن يتحمل شخص ما كل هذا العناء ليكتفي برؤية المكان الذي تقيم فيه من الخارج، أكثر مما تحلم به أنثى... ولكنني قد أفهم ألا يقرع رجال "غسان كنفاني" جدران الخزان ولا أتفهم وصولك إلى هنا دون أن تدق بابي! لمَ لمْ تفعل حقا؟ كم كانت الساعة؟ الثانية عشرة ظهراً؟ تحت الشمس جرى كل ذلك إذا! كنت وحدي أجري حوارا مع نفسي على أنغام إلياس الرحباني - لن أخجل من الإفصاح عن بعض أطواري الغريبة - ولكن هذا الحوار كان يلزمه طرف ثان، كان يجب أن تسمعه أنت بالتحديد ما دمت مهتما إلى هذا الحد ببيتي، كنت سأحدثك عنه...
بيتي يا عزيزي صنعته بنفسي كما أحب، تلك الخطوط وضعتها أنا على اللوحة البيضاء ولعل المهندس أدخل عليها بعد ذلك بعض التعديلات، شرفة واسعة مطلة على أجمل منظر في الدنيا، اخترت وحدي ألوان الطلاء، الستائر، الأثاث... كان اللون الأزرق هو الغالب تقريباً على كل ذلك، أنا أعشق زرقة السماء والبحر...
اخترت اللوحات المعلقة فيه بعناية كما لم أفعل - ربما - حين اخترت زوجي بين كل الذين تقدموا لطلب يدي، حتى الأسماك الملونة انتقيتها واحدة واحدة بروية أغضبت البائع قليلا... كان قد مر على زواجنا عشرة أعوام حين سمحت ظروفه المادية - بل هي "ظروفنا" إذ لا يمكن الحديث عن الظروف بمعزل عن مشاركتي في توفير الدخل وفي التدبير أيضاً - ببناء هذا المنزل...
في هذا الوقت بالتحديد قرر زوجي خوض مغامرة عاطفية جديدة، ولعل خلف هذا التوقيت السيء رغبة في تغيير كل شيء دفعة واحدة، أو أن القدر أراد الارتقاء بمستوى الدراما في قصتي لكي تستحق أن تحكى، أو... تكتب! هي واحدة من قصصي على أي حال، ألم أقل لك إنك وقعت على كنز؟ المهم أنها مغامرة لم يكن لي فيها مكان، فهو لم يكن من أنصار تعدد الزوجات، وربما شجعه عقمه أيضاً، فلا أطفال سيضرسون إن سمح لنفسه بتذوق الحصرم... كانت مغامرة طردتني من منزلي الجديد بعد أسابيع فقط على دخولي الأول إليه...
أما وقد حدثتك عن بيتي، فإنه يؤسفني إخبارك أن البناء الذي مررت أمامه قبل ساعات لا يشبهني، لا أنتمي إليه على الإطلاق...
أسكن فيه، ولكنه ليس بيتي!
قصة قصيرة من كتاب "وجه رجل وحيد"
#بيت #ذكريات #حنين #إنفصال #تفاصيل #روح