01 يناير . 15 دقيقة قراءة . 653
إنّ الثقافة الإنسانية تضمّ الحقول التي تتناول الإنسان مباشرةً، بمعنى أنّ موضوعاتها تدور على الإنسان. وأهم هذه الحقول، التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية والأديان. وقد باتت جامعات كثيرة حول العالم، وعلى الأخص في أُوروبا والولايات المتحدة، تَفرض هذه المواضيع على طلابها جميعاً، مهما كانت مجالات اختصاصهم. سوف نفصّل الكلام في الدراسات الإنسانية، ونرى كيف تستطيع الجامعات دمجها مع حقول الاختصاص، وما إذا كان من الأفضل أن تخصَّص لها دائرة جامعية قائمة في ذاتها بدلاً من برنامج.
1. برنامج الروائع
أحياناً يجري تقديم الدراسات الإنسانية انطلاقاً من الكتب. وقد ظهر خلال التاريخ عدد كبير من الكتب الرائعة في الفكر والرواية والمسرح والشعر والدين، تمّت ترجمتها من لغاتها الأصلية إلى كثير من اللغات الأخرى. ومنها كتاباتٌ تَرقى إلى زمن بعيد جداً، وبينها الآداب الإغريقية السابقة للفلسفة، مثل شعر هوميروس ومسرحيات إسخيلوس وسوفوكليس ويوريبيديس وأريستوفانيس. ومَن يطالع هذه الكتابات اليوم يظنّ أنها معاصرة لأنّ المسائل التي عالجتها ما تزال المسائل نفسها التي تواجه الإنسان في كل زمان ومكان. وهذا مختلف جداً عن نظريات أرخميدس وبطليموس وطاليس العلمية، التي تخطاها الزمن على العموم مع القفزات الجبارة في ميادين العلم المختلفة، والتي تنطوي على قيمة تاريخية فقط، لا على قيمة أزلية. أما "الروائع" الأدبية والفكرية فهي، على قِدَمها، ما تزال، بفضل إثارتها القضايا الإنسانية الكبرى وتصدّيها لها، تخاطب الإنسان المعاصر الذي يمكن أن يجد فيها منفعة مستجدّة كلما عاودَ قراءتها. وبما أنّ الطالب الجامعي إنسان قبل أن يكون اختصاصياً ومع كونه اختصاصياً، كانت هذه الروائع ضرورية جداً لتكوينه الشخصي والاجتماعي. لا بل هي ضرورية لأيّ شخص حتى يسمَّى مثقفاً. وقد وعت جامعات الغرب أهمية الثقافة الإنسانية منذ عصر النهضة (10)، وحتى قبل ذلك في معاهد القرون الوسطى. وفي مطلع القرن العشرين (1909)، نشرت جامعة هارفارد الأميركية 51 مجلَّداً ضمّت عدداً من الأعمال الأدبية والفكرية الخالدة (11).
وفي عشرينات القرن الماضي، هَبّ فريق من الأساتذة في جامعة كولومبيا في نيويورك إلى العمل على اعتماد الثقافة الإنسانية العامة من أجل تحسين نوعية التعليم في الجامعات الأميركية. وفي طليعة ذلك الفريق جون إرسكين (12) الذي قاربَ موضوع الإنسانيات من زاوية "الكتب الغربية العظيمة". ومن معاونيه روبرت هتشنز، الذي صار رئيساً لجامعة شيكاغو لاحقاً، ومورتيمر آدلر. وكانت الحجة التي قدمها الفريق دفاعاً عن الثقافة الإنسانية ملاحظتهم أنّ التركيز الصارم على الاختصاص أدّى إلى تدنّي مستوى التربية الجامعية، وأنّ برنامج "الكتب العظيمة" من شأنه تعويض ذلك النقص. إلا أنّ البرنامج المقترَح لقي معارضة واسعة من مفكرين تربويين، بينهم أشخاص مرموقون مثل جون ديُوِي الذي لم يجد فائدة من الفلسفة والمنطق والأدب لطلاب الطب والاقتصاد. واستمر البرنامج في كولومبيا بين 1920 و1928، ولكن على نحو متعثّر، إذ لم يكن أساتذته كلهم من مستوى إرسكين وآدلر. وبعدما أوقفته الجامعة، انتقل آدلر إلى شيكاغو حيث تابعَ برنامجه الذي اكتسب اسم "الانسانيات". وما تزال جامعة شيكاغو رائدة حتى اليوم في تخطيط برامج للثقافة الإنسانية العامة.
لا شك أنّ هناك حسنات كثيرة لمقاربة الثقافة العامة انطلاقاً من الكتب. فالمرء لا يُعَدّ مثقفاً ما لم يقرأ روائع الرواية والمسرح والفكر، مع أسماء كبيرة مثل: بلزاك، ديكنز، فلوبير، دوستويفسكي، تولستوي، شكسبير، إبسن، كافكا، أفلاطون، أرسطو، هيوم، كانط... فهو يتعلم من هذه الكتب الكثير عن النفس البشرية في فرحها وحزنها، في انتصارها وانكسارها، في أملها ويأسها، في سعادتها وبؤسها، ويتحقق من أنه ليس وحيداً: فما يعانيه هو عاناه الكثيرون سواه. ويستطيع أن يستمد المعرفة والحكمة من طرائق مواجهتهم للتجارب، فيتبنّى هنا، ويرفض هناك، ويعدّل هنالك. وإذا تمَّ إعطاء ما تيسّرَ من الروائع في أربع مواد تعليمية، لأمكنَ توزيعها زمنياً في مادة تشمل العصور القديمة، وثانية تشمل القرون الوسطى وعصر النهضة، وثالثة تشمل القرنين السابع عشر والثامن عشر، ورابعة تشمل القرنين التاسع عشر والعشرين حتى اليوم. لكنّ ثمّة سيّئات ملازمة لهذه المقاربة "الكتبيّة"، لعل أبرزها أنّ ما يُعتبَر روائع الكتب خلال التاريخ يقتصر عموماً على الأدب والفكر، فيما يَستثني التاريخ والعلوم الاجتماعية أو السلوكية وأديان العالم، وهي حقول لا غنى عنها للثقافة العامة. وإذا عدنا إلى قائمة الكتب التي اقترحها آدلر في "كيف نقرأ كتاباً"، سواءٌ في طبعة الكتاب الأولى عام 1940 أو في الطبعة الثانية عام 1972 حيث وُسِّعَت القائمة لتشمل عدداً أكبر من الكتب (13)، لوجدنا أنّ العناوين مقتصرة على المواضيع التي ذكرناها، إضافةً إلى كتابات ضئيلة في حقول مثل علم النفس والاقتصاد والتاريخ، لكنها لا تُغْني عن تحرّي تلك الحقول بشيء من التوسع. من هنا نجد أنّ برنامجاً للثقافة العامة قائماً على الموضوعات من شأنه أن يكون أقل انتقائيةً لجهة الكتب وأكثر شمولاً لجهة الموضوعات. وهذا ما سنبيّنه في الفقرة التالية.
2. برنامج الإنسانيات
الكثير من الكتب في الرواية والمسرح والشعر والفلسفة التي وَجدت طريقها إلى برنامج الروائع لن تخسر حضورها في برنامج الانسانيات. التركيز هنا على الموضوعات. وأبرز موضوعات الدراسات الإنسانية خمسة: التاريخ، الأدب، الفلسفة، الدين، العلوم الاجتماعية. وبما أنّ طالب الاختصاصات المهنية أو التقنية، كالطب والهندسة والزراعة، وطالب الاختصاصات العلمية كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا، فضلاً عن طالب اختصاصات كالادارة العامة وإدارة الأعمال والاقتصاد، يكتفون عادةً بمادة جامعية واحدة من كل فرع إنساني، فلا بد من أن تكون هذه المادة مدخلاً مكثفاً إلى الفروع المذكورة، يشكل ثلاثة أرصدة تحتل 45 ساعة من الفصل، ويتمّ فيها قراءة أكبر عدد ممكن من الكتب في كل موضوع.
- المدخل إلى التاريخ يهدف إلى معرفة أحوال الشعوب والمجتمعات وأنظمة الحكم حول العالم وفي مختلف العصور. وهو تاريخ كل شيء صنعه الإنسان، من عمران وعلم وأدب وفكر ودين وتربية ومؤسسات وابتكارات. وهو، بهذا، أوسع المواد على الإطلاق. ومع أنّ التاريخ معنيّ بالمعلومات، إلا أنه يتعداها إلى المقارنة واتخاذ المواقف والآراء. والتربية الليبرالية الحديثة تمنع المؤسسة أو الأستاذ من فرض آراء ومواقف على طلابها، وتترك لهم الحرية، بل تشجعهم، على اتخاذ مواقفهم بأنفسهم، مع الدفاع عنها دفاعاً حسَناً.
- المدخل إلى الأدب يتناول أنواع الكتابة من شعر ورواية ومسرح. هنا تقدَّم أروع النماذج التي ركز عليها دعاة "الكتب العظيمة". وقد لا يستوعب الوقت المخصص أكثر من عشرين كتاباً أو نحوها. ولا بد من أن يجد الطالب، كما قلنا، في شخوص شكسبير ودوستويفسكي وتولستوي وألبير كامو وسواهم من الروائيين والمسرحيين، نماذج بشرية متنوعة يحاكيها أو ينتقدها. والقراءة الأدبية تعلِّم الطلاب فنون التعبير والبلاغة، وتولِّد لدى الموهوبين أفكاراً وحوافز على الكتابة الإبداعية. ورُبّ رواية أو مسرحية تكشف من النفس البشرية ما تعجز عنه آلاف الصفحات من الكتابة النظرية في حقول كالفلسفة واللاهوت والاجتماع. وكم من أُستاذ جامعي اعتَمد روايةً لتعليم مادة في الفلسفة الخُلقية مثلاً.
- المدخل إلى الفلسفة يقدِّم موضوعات كالآتي: الميتافيزيق أو النظرة إلى الحقيقة والعالم، المنطق ونظرية المعرفة، الأخلاق، فلسفة الفن، فلسفة السياسة، فلسفة الدين، فلسفة العلم. ويجب أن يشمل كبار الفلاسفة مثل: أفلاطون، أرسطو، ابن رشد، ديكارت، هيوم، كانط، نيتشه، والحركات الفلسفية الرئيسية مثل: العقلانية، التجريبية، المثالية، الماركسية، الوجودية، الايجابية المنطقية، التحليل اللغوي. ويمكن اعتماد كتاب يحوي مختارات من المواضيع المذكورة وسواها. والدراسة الفلسفية مهمة للاطّلاع على الأفكار وللتدريب على التفكير المنطقي والمنهجي والنقدي، ولتكوين المواقف والآراء وحسْن الدفاع عنها.
- المدخل إلى الأديان يتناول أديان العالم في عقائدها وطقوسها وفنونها ومؤسساتها، من مصادرها الأساسية وبعيداً عن المفاضلة. وبعدما كانت هذه المادة في جامعات الغرب تسمّى "مقارَنة الأديان"، باتت تسمّى "تاريخ الأديان"، تجنباً لفكرة المفاضلة التي قد ينطوي عليها مفهوم المقارنة. والعادة أن تُدرَس أديان العالم ضمن المنظومات أو المجموعات الآتية: أديان الحضارات القديمة كالمصرية والسورية والإغريقية والرومانية؛ أديان الهند كالهندوسية والبوذية؛ أديان الصين كالطاويّة والكونفوشيوسية؛ أديان اليابان كالشينتو؛ أديان الشرق الأدنى كالزردشتية واليهودية والمسيحية والإسلام. والهدف من دراسة الأديان ليس، كما يتوهم بعضهم، أن يقارن الطالب في ما بينها من أجل اختيار الدين الذي يلائمه. فالفرد عادةً لا يختار دينه، بل يجد نفسه ضمنه وقد انتقل إليه من بيئته العائلية والاجتماعية. والأحرى أنّ هذا الهدف هو أن يعرف الطالب الأديان لكي يفهم مَن يعيش ويتعاون معهم في مجتمعه والمجتمعات الأخرى على نحو أفضل، إذ إنّ الدين يلقي ضوءاً على جوانب كبيرة من سلوك الناس، حتى سلوك عدد من غير المؤمنين، ولكي يربّي لديه فضيلة التسامح أو فكرة المساواة الدينية.
- المدخل إلى العلوم الاجتماعية، وقوامُه علْما النفس والاجتماع، من أهم المواد التي تساعد الإنسان على فهم نفسه ومجتمعه. والفهم خطوة ضرورية على طريق الإصلاح أو التحسين. ويتيح المدخل للطالب الاطّلاع على تاريخ هذين العلمين، في نشوئهما وتطوّرهما وانتقالهما من وضع التنظير الفلسفي إلى وضع العلوم السلوكية الإحصائية. كما يدرّبهم على قواعد إجراء الدراسات الإحصائية في مجالَي النفس والمجتمع. وفي هذا فائدة كبيرة للطبيب والمهندس والاختصاصي في أيّ حقل آخر.
قد يكون من المفيد جداً إضافة مادة سادسة إلى مواد الثقافة العامة، حول العلوم الطبيعية، وأهمها البيولوجيا والكيمياء والفيزياء. فلهذه، ولا سيّما للعلمين الأوّلين، الكثير مما تقوله عن الإنسان. وهي ضرورية على وجه الخصوص لطالب الاختصاصات غير العلمية، كالتاريخ والأدب والفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع. ويمكن أن تُعِين الطالب في تكوين صورته للعالم أو في تعديل الصورة المكوّنة لديه. وإذا كان الوقت لا يسمح بإضافة هذه المادة إلى مواد العلوم الإنسانية المذكورة، فقد يجد الطالب بعض تعويض عنها في مادة الفلسفة أو مادة علم النفس، علماً أنّ علم النفس الخاص بتطوّر الشخصية البشرية يعوّل كثيراً على البيولوجيا والكيمياء.
3. دائرة الإنسانيات
هناك فرق بين البرنامج والدائرة في المفهوم الجامعي. فالبرنامج يتيح مواد دراسية محدودة لجميع طلاب الجامعة، من غير أن يعطي درجة جامعية في موضوعه. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً كبيراً من الجامعات أسَّست دوائر للدراسات الإنسانية، لا تقف الدرجات التي تمنحها عند البكالوريوس أو الليسانس، بل تصل إلى الماجستير والدكتوراه. وتوجد هذه الدوائر في الجامعات الغربية: في الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا وأُوروبا الغربية، كما توجد في بعض أجزاء من أُوروبا الشرقية وآسيا. لكنها غير موجودة بعد في الجامعات العربية. ومن الطبيعي أن تكون المواد التي تمنحها هذه الدوائر شاملة حقولاً واسعة من الإنسانيات (interdisciplinary – pluridisciplinaire). وفيما يُطلَق عليها في الإنكليزية اسم "الدراسات الليبرالية" أو "العقلية" (liberal arts) تمييزاً لها عن الدراسات العلمية أو التقنية، ففي الفرنسية يُطلَق عليها اسم "الدراسات (أو العلوم) الإنسانية" (sciences humaines). وتمنح الجامعات الفرنسية درجاتها في هذا المجال تحت اختصاص "العلوم الإنسانية والاجتماعية". وإذا اختار الطالب الاختصاص في حقل أو آخر من العلوم الطبيعية أو الإنسانية، فبعض الجامعات تتيح له الدراساتِ الإنسانيةَ كموضوع اختصاص ثانٍ أو رديف.
في جامعة هارفرد الأميركية مثلاً، تشمل مواد البكالوريوس في الدراسات الإنسانية عدداً من المواضيع، منها: اللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، الرياضيات، علم الكومبيوتر، الأنثروبولوجيا والآثار، البيولوجيا، الاقتصاد، البيئة، التاريخ، العلاقات الدولية، الإدارة العامة، علم النفس، الفلسفة والأخلاق، الدين، الأدب، الكتابة الإبداعية، الصحافة، المسرح، الفنون البصرية. وفي جامعة لندن، كما في جامعات كثيرة في بريطانيا وألمانيا وهولندا وسواها من الجامعات الأوروبية، يستغرق الإعداد لدرجة البكالوريوس في الإنسانيات ثلاث سنوات، يختار فيها الطالب خلال السنة الأولى مواد من حقول مختلفة، ثم يركّز في السنتين الثانية والثالثة على حقل محدد، لكن يبقى لديه مجال لمزيدٍ من المواد المنوَّعة. وهنا مثل على المواد المتاحة في كينغز كوليدج في جامعة لندن: لغة إنكليزية، لغة فرنسية، لغة إسبانية، تاريخ بريطانيا، تاريخ أُوروبا، أدب مقارَن، علم اجتماع، علوم سياسية، فلسفة سياسية، الفن الإغريقي والروماني القديم، سينما، تاريخ الموسيقى، الإسلام، العهد الجديد. هذا في السنة الأولى، يختار منه الطالب ما يلائمه. وفي السنتين الثانية والثالثة، يأخذ الطالب نصف المواد من حقل الاختصاص الذي اختاره، والنصف الآخر من المواد المتعددة التي تمنحها الدائرة. أما حقول الاختصاص فهي الآتية: من اللغات: الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية، فنون وآثار كلاسيكية، دراسات هلّينية، دراسات بيزنطية، تاريخ، جغرافيا بشرية، جغرافيا إنمائية، جغرافيا بيئية، أدب مقارَن، فلسفة، سياسة، دراسات دينية، لاهوت، موسيقى، سينما.
بالعودة إلى برامج الدراسات الإنسانية في الجامعات، أي برامج الثقافة العامة المفروضة على كل الاختصاصات، نلاحظ، على العموم، هزالاً في نوعية الطاقم التعليمي، قد يكون من أسبابه الرئيسية كثرة عدد الطلاب وعدم أخذ الإدارة الجامعية المواد الثقافية على محمل الجدّ، بل النظر إليها كما لو كانت إضافة يمكن تلبيتها بأيّ وسيلة. ولعل من أهم ما يمكن أن تفعله العلوم الإنسانية، وقد صار لها دوائر جامعية مستقلة ومتخرجون مختصون فيها، إعداد أساتذة لبرامج الثقافة الإنسانية أكثر علماً وثقافةً وجدارةً.
أما الصرخة المدوّية حول العالم منذ ثلاثة عقود ونيّف أنْ "أنقِذوا الانسانيّات" فيمكن ردّها إلى ثلاثة دوافع على الأقل، متعلقة بعضها ببعض، هي الآتية: ضمور عدد الطلاب المقبلين عليها؛ انحسار سوق العمل؛ عسر التمويل من جانب الإدارة الجامعية والدولة والجهات الداعمة. في المجتمع اللبناني، مثلاً، ليس من السهل أبداً هذه الأيام على حامل بكالوريوس أو ماجستير، أو حتى دكتوراه، في اختصاص كالتاريخ والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع، أن يجد وظيفة ثابتة. وإذا صدف أن وجد عملاً وقتياً، فليس من السهل أن يستطيع مواجهة التحديات المادية، مثل تأمين منزل ونمط حياة يجعله أهلاً للزواج وتأسيس عائلة. ولئن كان تأسيس دوائر مستقلة للدراسات الإنسانية في العالم المتطور كفيلاً بحل جزئي لأزمة العمل، أي فتح مجال أكبر للعمل أمام المتخرج في هذه الدراسات نظراً إلى سعة معارفه، فمن المشكوك فيه أن يؤدّي تأسيس دوائر من هذا النوع إلى فتح مجالات أفضل للعمل أمام خرّيجيها في لبنان والعالم العربي، لأنّ مجتمعاتنا تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة تجعلها لا تقيم وزناً للثقافة الصحيحة، بل تنظر إليها كما لو كانت من قبيل الترف الذي يمكن الاستغناء عنه
#الثقافة_الانسانية #التاريخ #الأدب #الفلسفة #الأديان