13 أغسطس . 5 دقائق قراءة . 895
مما لا شك فيه أن قراءة الكتب عادة ممتعة ومفيدة ولا يكاد يختلف على ذلك اثنان _ تقريباً _ إنما مثل أي شيء آخر في الدنيا، تتنوع أذواق وميول القراء وآرائهم بين مختلف أنواع الأدب، وتختلف تفضيلاتهم للكتّاب والمواضيع المطروحة .. وحتى في هيئة الكتاب بين إلكتروني وورقي.
وليس بالجديد في عالمنا العربي غياب احترام الآراء ووجهات النظر الأخرى، أو الاختلاف بشكل عام، لكن الجديد دخول هذه العنصرية مجال القراءة والكتب أيضاً.
مؤخراً بدأت ألاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في الصفحات والحسابات الخاصة بالقراءة والكتب ضمن التعليقات مثلاً وما شابه .. بدأت ألاحظ ميلاً عدوانياً لدى البعض، يهاجمون فيه قرّاء الروايات وينظرون إليهم نظرة دونية. إذ يرى هؤلاء أن الثقافة لا مصدر لها سوى الكتب الأدبية والثقافية وكتب الفكر والدراسات بالإضافة للكتب الدينية لدى فئة معينة، أما قرّاء الروايات في نظرهم مجرد أطفال يعبثون، ومؤلفو تلك الروايات لا يرتقون إلى مصاف الكتّاب الحقيقين.
إن في ذلك مبالغة وإجحافاً لا يجوز، ولا يليق بقارئ مثقف. بالتأكيد قراءة كتب الأدب والأبحاث والدراسات والسير وكتب الدين والتنوير وما لف لفها، أمر بالغ الأهمية وأساس لبناء ثقافة رفيعة لمن استطاع سبيلا … لكن من المغالاة النظر للرواية أنها محض تفاهة او كلام فارغ (حبر على ورق)،أو محرض على الرذائل مثلاً، أو خروج عن الواقع (حتى روايات الفانتازيا والروايات الخيالية شكل أدبي له مريديه الذين لا يجوز الاستهانة بهم).
أنا عن نفسي قرأت روايات كثيرة ومن أنماط أدبية مختلفة (بوليسي، تاريخي،عاطفي، علمي ...الخ)، وإحقاقاً للحق يتحتم عليّ القول، أنه ما من رواية قرأتها إلا وخرجت منها بمعلومة مفيدة واحدة على الأقل سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو العلوم الطبية والإنسانية .. الخ .. أليست تلك ثقافة أيضاً؟!.
على سبيل المثال لا الحصر.. قرأت معلومات كثيرة وفي مجالات متنوعة ضمن كتب ومقالات د.أحمد خالد توفيق. عشت التاريخ ضمن روايات كثيرة نقلته بأمانة (حتى وإن كان الموضوع الرئيس عاطفياً أو بوليسياً مثلاً).
عديدة أيضاً هي الروايات التي تطرح معلومات رائعة في سياق قالب روائي بديع وشيق.
وبعيداً عن الجانب التثقيفي، تلعب الروايات دوراً لا يستهان به في تنمية الخيال وتغذية الفكر وتنشيط وتنظيم العقل، وقد تجعل _ من يجيد فهمها وقراءتها _ أكثر حكمة وترو في مواقف الحياة كونه قد عاش شيئاً منها بين صفحات الروايات. وهذا يتفق والفوائد العامة للقراءة مثل تقليل التوتر وتقوية الذاكرة وتعزيز مهارات التركيز والتعامل الصحيح مع النفس وتطويرها، إضافة إلى زيادة المعرفة بالناس واكتسابهم.
وهنا دعوني أوجه سؤالاً لأولئك "المتنمرين" .. ما أول كتاب قرأته في حياتك؟!
إن أغلب الإجابات ستكون قصص ومجلات الأطفال ثم الروايات.
أكاد أجزم أنه ما من قارئ مخضرم إلا وقد بنى علاقته مع الكتب إنطلاقاً من كتب ومجلات الأطفال مروراً بكتب أدب الناشئة .. ثم الروايات .. وصولاً إلى الكتب الثقافية الأخرى.
من المستحيل أن تجد قارئاً بدء حياته الأدبية فوراً بقراءة الكتب "الثقيلة" كما اسميها.
قررت تجربة لعبة بسيطة وظريفة ضمن صفحاتي على وسائل التواصل الاجتماعي، عبارة عن استطلاع سريع حول أهمية الرواية ودورها في بناء ثقافة القارئ ..
جاءت الإجابات كلها مؤيدة لأهمية الروايات .. صحيح أن عدد المشاركين قليل جداً .. وبالتالي فإن هذا الاستطلاع لا أهمية إحصائية له من الناحية العملية .. لكن يكفيني أن بين من شارك فيه عدد لا بأس به من القراء المخضرمين الذين عاشوا على مدى سنوات بين صفحات الكتب بأنواعها المختلفة.
وكي أنهي هذا السجال الذي قد يكون لا طائل منه .. أود أن أشير إلى نقطة هامة .. على حد تعبير المصريين .. يجب ألا " نسيب الحمار ونمسك في البردعة" ..
ففي النهاية الأولوية للقراءة بحد ذاتها لا سيما في هذا العصر حيث تراجعت القراءة أمام سطوة الإنترنت ووسائل التواصل التي أثرت بشكل كبير _ دون شك _ على جودة القراءة.
علينا أن نعتاد أولاً رفقة الكتاب والسطور وأن نختار مواضيع بسيطة محببة جذابة ومفيدة ثم ننتقل درجة أخرى لنصبح أكثر انتقائية للكتب .. وهذا التطور التدريجي للقارئ هام جداً سواء كنت تطبقه على نفسك أو على طفلك مثلاً.
ختاماً ..
اقرأ ..
اقرأ ما تحب ..
اقرأ أي شيء ..
اقرأ كل شيء ..
حتى قراءة الجريدة اليومية مفيدة ..
لا تخجل من قراءة الكتب الخفيفة والبسيطة أو كتب الشباب وأنت قد أصبحت رجلاً ناضجاً مثلاً .. لا تسمح لأحد بالتقليل من شأنك أو السخرية منك .. المهم أن تكوّن عادة .. أن تبني جسراً مع القراءة والكتب .. وبعد ذلك ارتق كما تشاء .. وتنوع .. وأبحر في كل المجالات .. شرط إعمال عقلك فيما تقرأ .. وألا تتبنى شيئاً دون فهم ودراسة وبحث وتمحيص .. حينها فقط تستحق لقب مثقف.
وأنت صديقي المتشدق بالثقافة .. "ثقافتك" لا تعني لي شيئاً طالما لم تكن قادرة على فتح أفق عقلك وجعلك قادراً على تقبل الاختلاف وتفهم الآخر.. لا معنى لها .. صفر!.
فلا تقل لي كم كتاباً قرأت .. بل كم سطراً فهمت.
end of text.