04 يونيو . 3 دقائق قراءة . 734
تقترن المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بمجموعة من المحفزات، مثل زر الاعجاب والوجوه المتنوعة بتعابيرها، ما يشبه محاولة لإعطاء نوع من المشاعر لدى الناشر والمتلقي، هذه المحفزات تشبه تجربة العالم الروسي إيفان بافلوف، في تجربته السلوكية على تدريب الكلب على إفراز اللعاب بمجرد سماع الجرس الذي يرمز إلى موعد الطعام، فهو فعل محفز يقابله نشاط سلوكي، كأن تكتب منشورا وتنتظر أحد أن يضغط زر الاعجاب لترضي ذاتك أو يحدث العكس، يتم تجاهل منشورك ليتولد في بعض الاحيان شعور، لا أحد يحبني ويهتم بما أقوله. أدوات تساعد في إدارة السلوك والتعبير عنه.
في رواية "الانمساخ"، يقدم لنا الكاتب التشيكي فرانز كافكا، شخصية غريغور سامسا، الشاب الذي يستيقظ يوما ليجد نفسه تحول إلى حشرة، لتبدأ معاناته مع محيطه، في كيفية تقبله بحالته الجديدة. أسباب ما حدث مع "سامسا" وتفسير نتائجه، له قراءات مختلفة، ما نريده، أن نسأل أنفسنا، هل يمكن أن تحولنا وسائل التواصل الاجتماعي إلى "حشرة"؟.
أحد التفسيرات لسبب التحول، أنه نتاج مجموعة من التراكمات لطريقة تعامل ونظرة المجتمع له، حيث يعامل كأنه "حشرة" لا قيمة له، فاستيقظ ليرى نفسه كما يراه الناس. وصف جسد "سامسا" ما بعد التحول، في طريقة تناوله الطعام وعدم قدرته على فتح الباب وصوته الغير مفهوم، يشبه في بعض الاحيان "أجسادنا" على المنصات الالكترونية. إما ينظر لنا على أننا "حشرة" في محيطنا، فتكون المنصات الالكترونية عامل مساعد على تحسن شكل الوجه أو إظهار موائد الطعام الجذابة، فنصبح كالهاربين من عالم يعاملنا مثل الحشرات، إلى مساحة يزيد فيها "إفراز اللعاب" في انتظار رسائل تمدح جمالنا بعد غربلته بأدوات الاعدادات. أو ندخل في مرحلة الاغتراب عن مجتمعنا، حيث شخصيتنا الافتراضية لا تتناسب مع الواقع، صورة لجسد قوامه متناسقة، تضعنا في حالة توتر ما لم نصل إلى مرحلته، فننظر إلى جسدنا، كأننا ننظر إلى تقسيمات بطن "سامسا" الذي يشبه الصرصار، فلا نتقبل ذاتنا. فأي تحول تدفعنا نحوه المنصات؟.
الكاتب البريطاني جورج أورويل، كتب رواية عن "مزرعة الحيوان"، حيونات تقرر التمرد على مالك المزرعة، فيطلق الخنزير " ميجور" شرارة الثورة ضد الاستبداد، ويتم التعاون بين الحيوانات الموجودة في مزرعة السيد "جونز" لطرده منها، وتستلم هي المسؤولية. بعد وفاة "ميجور" يبدأ الصراع على السلطة بين الخنزيرين "نابليون" و "سنوبول"، ليقوم "نابليون" بخداع الحيوانات وطرد منافسه، ليتحول إلى الحاكم الاوحد، فمن ثورة من أجل الحرية، إلى القمع والدكتاتورية. الصراع بين شركات التكنولوجيا، ومع المستخدمين، تشبه في بعض وجوهها ما حصل في "مزرعة الحيوان"، فإذا أخذنا مثالا، موقع ويكيبيديا، هو موقع مجاني وسهل الوصول فيه للمعلومات، ومتاح دون أي تكلفة، فيما يشبه التوجه اليساري أو الشيوعي، في طرف آخر لدينا مواقع تجارية مدفوعة للحصول على المنتج والخدمة وحتى المعلومة، ما يشبه اليمين والرأسمالية. تعبر الرواية عن مدى تأثير الدعاية والبروباغندا في تحديد المفاهيم، فالخنزير "نابليون" استعان بالخنزير "سكويلر" لمساعدته في إقناع الحيونات بكل خططه، فكان التحول من الحصول على المعلومات التي تفيد الجماعة، إلى الإحصائيات التي تخدم جهة واحدة، خوارزميات وبيانات تحدد ماذا نريد ونرغب.
أين نحن في المزرعة؟، تتجه المواقع إلى حذف الصور التي تعتبرها حسب تصنيفها وقيمها، أنها غير مناسبة. من يحدد خطاب الكراهية ومن يقرر ما هو الارهاب؟،
لا أحد سوى مجموعة من الخوارزميات تقرر، نشر صورة تعبر عن "مقاومة" في مجتمعك، هي لدى قيم الشركات تسمى "إرهاب". هل نحن في مرحلة، توجهنا فيها بداية مع الخنزير " ميجور" في دعوته للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث الحرية في التعبير، إلى حكم الخنزير"نابليون" في فرض قيود وحدود تناسب شركته هو، وليس كل المجتمعات.
"إن عالم القمع المنظم، منه والعشوائي، الذي يعيشه إنسان هذه العصر هو عالم لا يصلح للانسان ولا لنمو إنسانيته بل هو عالم يعمل على حيونة الانسان " ما ورد من توصيف للراحل ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الانسان"، يصلح لأن يكون خاتمة، تشبه الدعوة للحذر من عالم قد يعطينا مساحة في مكان، لكنه يسلبنا إنسانيتنا في أكثر من مكان. كنا نعتقد كلما ازدادت المعلومات ازدادت معرفتنا، لكننا قد نصل لمرحلة لا نعرف بها من نحن.