غد أفضل

09 سبتمبر  .   3 دقائق قراءة  .    379

Image by Heather Plew from Pixabay

سأخلدُ للنوم على أملٍ بأن الغد سيكون أفضل.. 

بعدَ يومٍ مليء بالتعب وبضعُ يأس كانت هذه آخرُ جملةٍ تفوهَ بها، ومن ثُمّ أغمض عينيه ليفتحهما والهلعُ يملأ المكان! نظرَ عن يمينه ثمّ يساره دون أي استطاعة منه لتحريك جسده، نظر للأعلى وإذ بالركام يُغطيه، وتلك الصخرة لابثة فوقَ صدره تقطعُ أنفاسهُ بين حين وحين، حاولَ الإفلات من قبضةِ تلك الصخرة التي تشبثت بهِ وتمكنت من إبقائه بجانبها؛ رُبما هيّ أيضًا خائفة وتحتظنه لتطمئن..! كانَ يسمعُ ونين سيارات الإسعاف، ونحيب النساء، وأنين مختلط بين طفلٍ وكبير ذكور وإناث وهلع من هم فوق الأنقاض، يشتم رائحة البارود الملطخ بالدم يحاول نفضَ الترابِ من عينيه ويحاول أن يستوعبَ ما الذي حدث هُنا، وإذ بهِ فجأه اِعْتَلى صوته بالصراخ سارة سارة أنقذوا سارة...! صرخَ بحرقةٍ حتى أستهلكَ حِبالهُ الصوتية، حاولَ ثمَ حاول ثمَ حاول جاهدًا إزاحة الصخرة دون جدوى. أجهشَ بالبكاء مختلطًا بصراخٍ لا يُسمع وقلبهُ يردد ويُردد إسم سارة.. مرت نصفُ ساعةٍ تحتَ الركام وكانت نصفُ ساعةٍ تشبهُ نصفَ عُمرٍ منتهي، أشعةُ الشمس الحانية تتخلل بضعَ ثقوبٍ تسقطُ للداخل تنيرُ بضوءٍ خافت، حدقَ بالصخرة وبدأ يتحدثُ معها وكأنها روحٌ حية أمامه، وكانَ قلبهُ يخفقُ بحرارة ربما تكون قد طغت على حرارةِ المدافع التي هدمت كل شيء.. أيهَم: أيتها الرفيقة الثقيلة ما بالكِ لا تنفكين مني لم تمِّلي من رفقتي بعد ألّا تريدين أن تنزاحي.؟ لمَ أنتِ صامتة هكذا.! حسنًا حسنًا ربما أنتِ خجولة مثلُ سارة.. تذكرَ سارة ثُمّ ابتسمَ وقال: أتعلمينَ أيتها الرفيقة أشتقتُ لسارة كثيرًا يا تُرى ما حالها الآن.؟ تأملَ قليلًا بخدوش الصخرة ثمّ أكملَ قائلًا: بما أننا هُنا سأعتبر هذا المكان كسرداب منزلي وسأحكي لكِ قليلًا عن سارة ربما سيمضي الوقتُ أسرع بهذهِ الطريقة؛ لهذا أصغي إلي رُبما سأسردُ لكِ حكاية.. سارة جميلة وواسعة العينان وبؤبهما الأسود يسبحُ وسطَ بياضهما الشاهق الممتلئ بالخجل، سمارُ بشرتها الخفيف، لا لا أعتقدُ أن لونها كالقمح، آآآه يالا جمالها! ابتسامتها الدافئة تحيي الروح الذابلة وكأنها المطر، أتذكرُ حينَ التقيتها أول مرة، كانت ابنة أخِ جارنا سامح، كانَ شخصًا لطيفاً يمكثُ مع زوجته، وكانا يبلغان الكثير من العُمر ولكن لم يرزقهمها الله الأطفال، جاءت سارة لتكملَ دراستها الجامعية في نفسِ البلدة التي يمكثُ فيها عمها؛ لهذا استقرت هُنا، لمحتها لأولِ مرة وهي على الطرف الآخر من الشارع تداعبُ قطة وتبتسم كالأطفال؛ فهي لم تكبُر ما زالت روحها طفلة، شدت انتباهي ولم أستطع تجاوزها ابتسمت، وقلت في نفسي كُف عن الحماقة أيها الأبله! نزلتُ من السلالم لأراها في وجهي وهي في الإتجاه المعاكس لم تنتبه لي على ما يبدو أنها تقرأ حدثًا مهمًا في الروايةِ التي تمسكها بلهفةٍ في يديها، وارتطمت بي وسقطت كُتبها للأرض حينها تنبهت لوجودي وبصوتٍ مرتجفٍ خجل رقيق وناعم قالت: أنا آسفة لم أقصد هذا ونزلت للإرض تلتقطُ أنفاسها قبل كتبها. ابتسمتُ وقلبي يرجفُ من قوةِ ما شعرَ به، وقلت لا بأس أنا لم أكن منتبهًا أنا من توجب عليه الإعتذار .. إنتهى اللقاء الأول هنا، وعلمتُ لاحقًا أنها قريبةُ جارنا، وهنا طارَ قلبي من الفرح، كُنتُ أغادرُ المنزل في وقتِ خروجها للجامعة لكي أصادفها كُل صباح وأبتدئ صباحي بإشراقة وجهها، كانت لا تلقي التحية؛ فقد كانت خجولة لأبعد حد، وقررت في صباح يومٍ ما أن ألقي عليها التحية، وقلت صباح الخير نظرت للأرض وأجابت بصوت خافت: صباحٌ لطيف وغادرت! مرت الأيام وأنا أراها كل يوم إلى أن تجرأت وأختطفتها من يدها للحظات في جانبٍ من السلالم وأخبرتها بكل شجاعة بأنني أحبها؛ لأنني فعلًا أحببتها لبراءتها، لخجلها ولحبها للحياة، نظرتُ لعيناها وإذا بها تنتفضُ خجلًا لتفتحَ يدي وتفرُ هاربة بسرعة، حزنت حينها، وقررت أن أعتذرَ منها صباح اليوم التالي ولكنني لم أراها! لم تغادر في موعدها اليومي! انتطرت وانتظرت دون جدوى .. مرت أربعة أيام وأنا لا أراها وباتَ القلق يأكل روحي، وإذا بها تظهر في اليوم الخامس تاركة لي رسالة كتبت بها: عزيزي إنني لستُ كباقي الفتيات؛ فأبي علمني أن إحترام نفسي سيجعل الآخرين يحترمونني، وأنني إذا أردتُ شيئًا من أحد يجبُ عليا طرقُ الباب مباشرة وكذلك من أراد شيء مني وجبَ عليه طرق الباب فالخلسةُ من صفات السارق. أبي علمني الكثير من الأخلاق والآداب أبي رجل طيب ولا يأتي إلا بالشيء الطيب ولا أريد أن أكون سببًا في تلويث شيء يخصه لهذا إذا أردتَ شيئًا فلتأتي لوالدي. شعرتُ بصغري أمامها وبغبائي يااا لي من أحمق لماذا لم أفكر قبل أن أتهور؟ قررت حينها أن أفاتح أمي بالموضوع لأتقدمَ لخِطبة سارة وكانت أمي تحب هذه الفتاة وفرحت بقراري، وفعلًا تقدمتُ لخطبتها وتمت الخِطبة وسارة ستصبحُ لي بعدَ أسبوعين من اليوم ستصبحُ حلالي بعدَ حُبٍ استمرَ سنتين.. أريد الخروج أيتها الصخرة أرجووكِ أريد أن أرى س ا ر.... وفقد وعيهُ ليفتحَ عيناه والأجهزةُ الطبية تملأ الغرفة صرخ باسمها سارة ساارة...! وإذ بأمهِ تأتي نحوهُ وتبكي لتقول حمدًا لله على سلامتِك ليتني لم أغادر إلى منزل خالتك تلك الليلة ليتني كنتُ معكَ لكي لا أتركك بين الركام لوحدك، صرخَ بقوة أين ساارة لتجيبَ أمه سارة غادرت لمكانٍ أفضل من هُنا أدعي لها فروحها كانت طاهرة دائمًا.. شعرَ أيهَم بالصدمة وإذ بدموعهِ تملأ كفَ أمهِ. دموعٌ صامتة لا صوتَ للبكاء، تتعانقُ الدموع وكُسرت روحه من الداخل غادرَ المستشفى بعد أن تحسنَ قليلًا وطابَ جُرح جسده ولكن جرح روحه لازال ينزف أستبدَّ عليه الحُزن وذهبَ إلى البستان الذي كانا يلتقيان فيه، جمعَ الأزهار العطرية التي كانت تحبها سارة تمتم بكلامٍ غير مفهوم. ربما كانت سارة وحدها من تفهمه، تفجرَ في صدره الحُزن فجأه ونكسَ رأسه للأرض وأجهشَ بالبكاء كانَ حزنه اليوم مذاقه مختلف، أكثر مرارة وكأنه عُلقم، نظرَ للسماء وقال: يا الله أنتَ وحدك من تعلم ماذا كانت تعني لي سارة! وأنتَ من أخذتها ولا إعتراض على قدرك، ولكن أسألك القوة يا الله أرجو المغفرة لأنني أبكي على قضائك

  1
  2
 0
مواضيع مشابهة

12 يونيو  .  3 دقائق قراءة

  1
  2
 0

30 أكتوبر  .  6 دقائق قراءة

  2
  3
 0

28 سبتمبر  .  6 دقائق قراءة

  2
  5
 0

07 أكتوبر  .  6 دقائق قراءة

  4
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال