23 سبتمبر . 2 دقيقة قراءة . 624
حين ساد الصّمت بيننا في مرّات سابقة كان عليك أن تعلمي أنّ شيئا ما لم يكن على ما يرام .. ليس شيئا بسيطا يمكن تجاوزه بعد وقت قصير ، و ليس حدثا طارئا سهل نسيانه كما تنسى الأحداث الغير مهمّة في حياتنا . مولد الصّمت حتما هو علامة ارهاق فارقة و عنوان لحالة من الفوضى تجتاح الكيان فتبعثر السّكينة به و تبعث الحيرة مكانها … ليس حضور هذا الزّائر المقلق دليلا على فقدان الكلام فالكلّّ يعلم أنّ الكلام لا نهائيّ ومتجدّد و غزير المنسوب مادام رجع الصدى عذب أو غير مؤذ على أقلّ تقدير ... لكنّه دليل قويّ على غياب التفهّم و الإحتواء زمن الكلام . إنّهما السرّ الكامن خلف جمال كلّ كلام ، فبلاهما يصبح مجرّد ثرثرة مقرفة و لغو بلا نتيجة . إنّ الصّمت حلّّ لمنع التصادم أو تأجيله ما لم نبادر إلى عصيان يجتثّ كلّ أسبابه . سهل أن يتّهم كلانا الآخر بشحّ العواطف و تبلّد الإحساس و امتهان لغة الصّقيع ليضع نفسه على ربوة الأبرياء . لكنّ الحقيقة كلانا يعرفها . فكلانا مذنب و إن اختلفت المقادير . عن نفسي أقرّ بالتقصير و أعترف بكثرة أعطابي و عقدي . حتّى أني أستغرب من حالي كلما تداويت من بعضها و اكتشفت الكمّ الّذي كنت أعانيه منها . فيدفعني ذلك لمراجعات و إعادة تصويب . لكنّ العائق الأكبر أنك لا تبذلين مجهودا مناسبا للتخلّص ممّا يماثلها عندك . بل إني أراك تراكمين عليها أخرى فيصيبني الإحباط و تنتكس محاولات التداوي عندي . أهرب إلى الصمت من جديد و ابتلع لساني حتى لا يكون كلامي مؤذ فيكون صداه كلاما من لدنك أشدّ أذيّة .. لا أعرف حلّا سحريا أحادي الجانب يخرجنا من هذا النفق غير الصمت المقدس. ..
من رواية : ولادة صمت .ــ عامر علي ابراهيم