01 أكتوبر . 7 دقائق قراءة . 951
في المبدأ، قد يكون من الصعب على أي شخص أن يكون في علاقة متوترة مع أحد الوالدين منذ طفولته؛ فمن الطبيعي أن يولّد ذلك المشاكل النفسية لديه؛ فيشعر بعدم الأمان وفقدان الثقة بالنفس والآخرين، ومن الممكن أن يجرّه ذلك إلى الخجل والانطوائية، وربما المقارنة بينه وبين الآخَرين؛ مما يعقد تفكيره باحثًا عن حلول لخلق علاقة سليمة مع والديه، أو لتحويلها إلى علاقة صداقة بدلًا من أن تشوبها العداوة.
في كثير من الأحيان، يبقى مشهد الطفولة عالقًا في ذهنك، ومحفورًا في ذاكرتك التي تحمل في داخلها بداية درس مهم من كل المشاكل التي حصلت معك سابقًا.
كنت في العاشرة من العمر تقريبًا، عندما شاهدت والدتي تمشي برشاقة إلى غرفة جلوس جدتي التي كانت تحيك الصوف في كرسيها الهزاز، بالكاد رفعتْ عينيها لتنظر إلى أمي التي كانت تبتسم وتحاول أن تحدثها. كنت قد غرقتُ بهدوءٍ في كرسي جدّي الجلدي الضخم، آملةً أنها ستقدّم إليها مشروب كوكاكولا بارد كما يحدث أحيانًا في منزل جدتي. بدلًا من ذلك، سمعتُ جدتي تقول بحزم لأمي التي كانت ترتدي ملابس أنيقة:
"تنورتك ضيقة جدًّا".
في الحال تغير سلوك والدتي بالكامل، وأصبح جوّ الجلسة متوتّراً ومربِكًا، بعد أن كان منفتِحًا ومشرقًا. فجأة! رأيتُ أمي في موضع البنت، وليس موضع الأم!!
وشعرتُ بضعفها وعجزها عن الرد، وكل ما أعرفه الآن عن ذلك الضعف الذي اعتراها فجأة هو أنه حاجة ماسّة منها إلى الحصول على القبول من لدنّ أمها.
أتذكر أنني شعرت بالغضب تجاه جدتي، من دون أن أفهم السبب تمامًا... لقد ساد الهدوء والدتي من دون أن تحرّك ساكنًا... أما أنا فلست متأكدةً من أنني رأيت تلك التنورة مرة أخرى.
:تصفح أيضًا
معنى تطابق عقارب الساعة في علم النفس
قد يكون من الصّعب أنْ يكون الكلام نظريًّا، غير معتمِد على التجربة والممارسة؛ لذا، إليكم تجربتي مع والدتي، التي عملتُ على تحسين علاقتي بها من خلال هذه الخطوات البسيطة:
بلمح البصر، مرّت مدة ثلاثين عامًا وأنا اليوم في منتصف الأربعينيات من عمري، أسير في القاعة المركزية الطويلة المحاذية لغرفة نوم والديّ، ويمكنني رؤية والدتي جالسة بهدوء على كرسيها الخاص. كنت أرتدي ملابسي المعتادة، الجينز والسترة والأحذية الثقيلة، التي صرتُ أرتديها بسبب انتقالنا إلى منطقة جبليّة للاستمتاع بالمشي لمسافات طويلة حول الممرات الجبلية المحيطة، وكانت هذه إضافة جديدة إلى خزانة ملابسي المريحة إلى حدٍّ ما.
بمجرد وصولي إلى والدتي، علقَت بهدوء ولكن بوضوح:
"هذه الأحذية لا تبدو وكأنها شيء مما اعتدتي ارتداءه ".
كان هذا النقد المحدَّد والواضح أكثر ذكاءً من نقد جدتي. وعلى الرغم من ذلك، شعرتُ بغصّة في أحشائي، وأصبحتُ مرتبكةً، ولست متأكدة مما إذا كنتُ حساسة للغاية أو أنّي بالغتُ في التأثر. كل ما فعلتُه أنني ضحكت، وهذا هو أسلوبي الدفاعي المفضل؛ فقلت لها: "يا أمي، لقد أصبحتُ امرأة جبليّة تمامًا الآن، لأنني لم أعد أعيش في مدينة منبسطة على أية حال". إلّا أن كلامي لم يبدُ مسلّيًا لها، واستمرت في العبوس؛ فقد كانت تنتظر سنوات حتى أرتدي ملابس أكثر ملاءَمة...
باختصار، حتى لو لم يعجبني انتقاد أمي لي، حاولت تمريره بأقل الخسائر الممكنة، من دون نقاش أو جدال، بتعليق بسيط منّي أو بمزحة صغيرة، لعلَّ الفرق بيني وبينها يتلاشى...
مرة أخرى سريعًا، ولكن الآن بعد أسابيع قليلة من تلك المحادثة المحددة، كنت أرتدي ملابسي نفسها لهذا اليوم، وحين وصلتُ إلى الحذاء، سمعتُ صوتًا مخزيًا، عالياً وواضحًا. إنّه صوتي هذه المرّة وليس صوت والدتي، وقال الصوت:
"تبدين غبيّةً وأنت ترتدين ذلك، أنتِ قصيرة وتحتاجين إلى ارتداء كعبٍ عالٍ. كيف لا يمكنك أن تهتمّي بمظهرك جيّدًا؟".
وانهمرت الدموع من عيني. على الرغم من أنني أمضيت سنوات في العلاج في محاولة لفهم مدى تعقيد العلاقة بيني وبين أمي، إلا أن كلماتها ما زالت قادرةً على اختبار قلقي. كرهتُ أن حاجتي إلى الموافقة لا تزال قوية، لكن هذا الحاجز العاطفي لم يرتفع بالكامل حتى الآن بيني وبينها.
لحسن الحظ، عاد المشهد بين أمّي وجّدتي إلى ذاكرتي أيضًا، وقررت في الوقت والمكان نفسه أنه كان عليّ محاربة هذا الصوت الناقد داخل رأسي.
شددتُ الأحذية على قدميّ، وربطتُهما بإحكام. لكن للأسف، كافحت لبقيّة اليوم. بدا الأمر سخيفًا بالنسبة إليّ، لكنني كنت أعرف أيضًا أنّ الفوز بهذا الصّراع مهم.
يمكن أن تمتلئ سنوات مراهقة الابنة بصراخ: "أنا أكرهك"، أو "أنتِ أسوأ أمّ في العالم" في محاولة للتباعد. لكن عندما تسير الأمور على ما يرام، من الممكن إعادة التفاوض على هذه الروابط، وغفران الكلمات المُسيئة، وتدخل الأم والابنة مرحلة صحية أخرى، مختلفتَين لكن بقدْرٍ متساوٍ من المحبة المُتبادَلة.
مع ذلك، بالنسبة إلى البعض، لم يكتمل هذا الاختلاف تمامًا ولا تزال العلاقة "ضبابية"، ويسودها عدم القبول؛ إذ يمكن أن تكافح الطفلة البالغة من أجل تكوين هويتها الخاصة بعيدًا عن أحد الوالدين. في حين يمكنها بدلًا من ذلك، أن تراسل والدتها عدة مرات في اليوم، من دون التفكير كثيرًا في هذه العادة؛ في تلك الحالة هي تشاركها في كل ما تفعله تقريبًا؛ وشيئًا فشيئًا تتقبّلان بعضهما البعض.
جميعنا نمرّ بمراحل ضبابية مع أحد آبائنا، وقد يصل بنا الأمر إلى اتساع الهوّة بيننا وبينهم. هذا الأمر أكثر من طبيعيّ، لكن من غير الطبيعيّ أن تستمرّ العلاقةُ متوترة بهذا الشكل... يجبُ أن نبادر إلى إصلاح ما أفسدته الظروف أو الفوارق، ونسعى إلى تحويل علاقتنا بآبائنا إلى علاقة صداقة حقيقية، قائمة على الاحترام المتبادَل والقبول، حتى ولو سادها الاختلاف في الآراء.
أنتِ تختارين حقيقة حياتك، وكيفية عيشها بالطرُق المعتدلة والصحية، وما عليكِ أن تفعليه هو أن تخبري والدتك بما تعتقدين أنها يمكن أن تقبله فقط... لكنّ الأسوأ من ذلك، أن تشعري بالذنب نتيجة أية مشاعر قد تحملها تجاه العلاقة. لكن بدلًا من ذلك يمكنكِ أن تحملي الشكر والامتنان.
وعلى الرغم من أنكِ تشعرين بالعجز؛ إلّا أنّك بإمكانكِ البدء في التغيير، وهذا يتطلب الممارسة والشغف، كما يتطلب دعمًا من الآخَرين الذين سيساعدونك في التعرف إلى أيّ نمط غير صحي لتَفاديه؛ وشيئًا فشيئًا قد تدركي أن والدتك ربما لم تشعر بالارتياح قطّ، تجاه استقلالها وأفعالها التي طالما ظنّتْ أنها تحبها.
تصفح أيضًا عبرمرداد:
تجاهلي الرجل تحصلي عليه ويتعلق بك
جميعنا نمرُّ بمشاكل مع أحَد آبائنا، وجميعنا نعاني من عدم تقبّلهم لنا كما نحن، ومن توتّر العلاقة معهم في مرحلة ما من مراحل حياتنا... وأحيانًا نصل إلى طرُق مسدودة في سبيل اللجوء إلى حل يحسّن علاقتنا بهم. ولكنْ، هل فكّرتم حقًّا في حلول ناجحة؟ إليكم بعضًا منها:
تأليف مارغريت راثرفورد، دوكتوراه في علم نفس، وكاتبة في مجال الرعاية الصحّية النفسية
ترجمة صفاء الشيخ بتصرّف لصالح فريق مرداد
28 أبريل . 10 دقائق قراءة