08 يناير . 7 دقائق قراءة . 1621
يرجع مصطلح اللاعنف إلى حركة غاندي، والتي تعني هنا التواصل مع الآخر دون الإساءة له.
والتواصل اللاعنفي بحسب روزنبرغ هو "اللغة والتفاعلات التي تعزز قدرتنا على العطاء برحمة ودفع الرغبة لدى الآخرين ليقوموا بنفس الشيء".
إن التعاطف في قلب هذه العملية التواصلية التي أطلقت في السبعينات، وهو نقطة مشتركة مع المقاربة المعتمدة على الشخص في علم نفس "كارل روجرز" والذي كان "مارشال روزنبرغ" أحد تلامذته.
يعتمد روزنبرغ أيضاً على أعمال الاقتصادي التشيلي "مانفريج ماكس-نيف"، الذي حلل الحاجات الإنسانية.
فالتواصل اللاعنفي، لغة تساعدنا على الاتصال بأنفسنا وبالآخرين لفهم كل من الآخر، ونكتشف الطرق التي نستطيع بطبيعية وبطيب خاطر أن نساهم بها في رفاه كل واحد منا.
يرتكز التواصل اللاعنفي على عدة ركائز:
· كل الناس يرغبون بالحصول على إشباع لحاجاتهم
· البشر يلبّون الاحتياجات من خلال العلاقات المتبادلة، نحن نبني علاقات طيبة عندما نحقق هذه الحاجات من خلال التعاون وليس من خلال السلوك العدواني
· كل إنسان لديه موارد جديرة بالتقدير (قدرات، كفاءات)، تتجلى لنا عندما نتواصل معها من خلال التعاطف
· وراء كل سلوك حاجة وجميع الإجراءات هي محاولات لتلبية الاحتياجات
· كل حاجة تفيد الحياة
· لا توجد حاجات سلبية
· كل البشر لديهم القدرة على التعاطف
· البشر يتمتعون بالعطاء
· البشر يتغيرون
· الاختيار داخلي
· الطريق الأكثر مباشرة إلى السلام هو من خلال التواصل مع الذات.
يهدف التواصل اللاعنفي إلى:
· بناء علاقات مشبعة (باعثة على الرضا) والحفاظ عليها
· إشباع حاجاتنا من دون إلحاق الأذى
· تغيير التواصل المؤلم وقلب الصراعات.
بالنسبة لروزنبرغ، إن هدف التواصل اللاعنفي هو: ”العمل على تنمية نوعية من العلاقات تسمح بتلبية حاجات كل واحد للآخر، مندفعاً فقط بحيوية قلبه والفرح بالقيام بذلك“.
إن ما يحمل إلينا الفرح الأكبر، هو ما يربطنا بالحياة بالمساهمة في سعادتنا وسعادة الآخرين، ومن جهة ثانية، فإن الروحانية والحب يتجليان أكثر من خلال أفعالنا ومشاعرنا.
يطرح مايكل ناغلر، في كتابه "البحث عن مستقبل لاعنفي سؤالاً هاماً، "كيف يمكننا تجاوز دورات العنف التي فتنت مجتمعنا البشري في حين لا نزال نعيش فيها؟"
ويؤكد ناغلر على أن بناء السلام، هو مهارة مكتسبة وفن، على حد سواء، والعثور على هذا الفن، يتطلب تحولا في النظرة. عمل إبداعي- ممارسة ما يدعى بـ "الخيال الأخلاقي". ويجب أن يبزغ هذا الخيال مع ذلك، من وبالتحدث إلى الواقع الصعب لشؤون الإنسان. كما يجب أن يكون لباني السلام قدم واحدة في الواقع، وقدم واحدة في بعد ما هو موجود.
لقد انطلق روزنبرغ بمنهجه من سؤالين أساسيين:
v ما الذي يتسبب في فصلنا عن طبيعتنا الشفوقة الرحيمة، ويجعلنا نتصرف بعنف واستغلال؟
v ما الذي يبقينا على صلة بتلك الطبيعة الشفوقة الرحيمة، رغم تعرضنا لأشد الظروف مشقة وقسوة؟
يعتمد هذا المنهج على مكونات أربعة:
1/. الملاحظة: في البداية نحن نلاحظ ما يحدث فعلياً في الموقف: ما يحدث في داخلنا/ما نقوله أو نفعله/ ما يقوله أو يفعله الآخرون.
هل هو يجعلنا نشعر بمشاعر أفضل ويثري حياتنا ويجعلها أكثر قيمة وجمالاً أم لا؟ والسر هنا، أن نكون قادرين على صياغة هذه الملاحظة والتعبير عنها بدون إصدار أي حكم أو تقييم
في الخطوة الأولى نخبر الآخر عن الملاحظة والإدراك والموقف الذي نقصده. ونفرق هنا بين الملاحظة الخالصة والملاحظة المخلوطة مع التقييم.
يقول جيدو كريشنامورتي "إن الملاحظة من غير تقييم هي أسمى صورة للذكاء الإنساني“
2/. الشعور أو الإحساس: نميز هنا بين المشاعر والأحاسيس من جهة والأفكار أو المعتقدات من جهة أخرى. الشعور أو الاحساس بالوقت الراهن، الخطوة الثانية نحن نعبر عن ماذا أشعر أو ماذا أحس في الوقت الراهن وليست أفكار
إن مشاعرنا محدودة متل نغمات البوق كما يقول عنها Rollo MAY المحلل النفسي، وهذا ما أكده Paul Ekman في الدراسة المسيحية الدولية التي قام بها عام 2015، حيث يجمع المختصون حول العالم على أن مشاعر الفرح الحزن الغضب الخوف والاشمئزاز هي أكثر ما اتفق عليه الباحثون.
3/. الحاجات: تتوضح أهمية الحاجات انطلاقاُ من ركائز أساسية في التواصل اللاعنفي مثل:
· أن جميع البشر يتشاركون نفس الاحتياجات
· أن عالمنا يقدم الموارد الكافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للجميع
· أن المشاعر تشير إلى تلبية الاحتياجات أو عدم تلبيتها
· نحن كبشر لدينا دائماً حاجات مستمرة ومتعددة في الوقت نفسه
· لا يمكن للحاجات إلا أن تكون لنا نحن (حاجاتنا نحن)
· لدى كل واحد منا هرم من الحاجات، سواء كان ذلك عن وعي أو بشكل لا واعٍ
· الحاجة التي تبدو لنا الأهم هي التي تلح وتحقق ذاتها
· نميز بين الحاجات الشخصية والجسدية والاجتماعية كما أننا نحن البشر مرتبطون ببعضنا في حاجاتنا الاجتماعية
· بعد إشباع حاجاتنا تحل محلها حاجة أخرى.
في كتابها "البحث في الطبيعة البشرية“، أشارت البيولوجية ماري كلارك إلى أن جميع الكائنات البشرية تكافح من أجل ثلاثة أمور تتجاوز الغذاء واللباس والمأوى وهي:
1ـ الترابط (بمعنى القبول غير المشروط من قبل الكائنات البشرية الأخرى)
2ـ الاستقلالية (أو حرية السلوك الفردي)
3ـ المغزى (بمعنى إدراك الغاية في الحياة).
من المهم التمييز بين الحاجة والاستراتيجية أو الوسيلة التي تلبي هذه الحاجة. فغالباً ما لا نعرف ما هي الحاجة غير المحققة الآن.
إن الوضوح المتعلق بحاجاتنا يجعلنا قادرين على توجيه طلب محدد للآخر، موجه نحو تحقيق حاجتنا.
تتصف الحاجات بأنها مستقلة عن الزمان والمكان والشخص. ودائماً عندما تكون لدينا صورة محددة من تحقيق حاجة ما، تكون لدينا الرغبة أو الاستراتيجية في الرأس.
4/. الطلب: إن أهم ما يساعدنا على التمييز بين الطلب والتطلب: انفتاحنا على سماع الـ "لا" على ما نطلبه، عندما تأتي الـ(لا) من الطرف الاخر وتكون انفعالاتنا عالية جداً بعد سماعها، هذا يعني أن هذا تطلب وليس طلب انساني.
هناك خمس نقاط تساعدنا على صياغة الطلب بشكل جيد بالتواصل التعاطفي:
1-أن يكون واضحاً ومباشراً بعيداً عن الغموض مثال: هل من الممكن أن تكون جدّياً!!! هذا طلب غير واضح ولا يعرف الاخر بماذا يجيب
2-أن يكون محدد بشكل فعل أو تصرف معين يستطيع الأخر القيام به
3- أن يكون واقعي
4-قابل للتنفيذ
5-مصاغ بشكل ايجابي، كلما كان طلبنا مصاغ بشكل سلبي يحفز الاخر على الرد بشكل سلبي.