25 فبراير . 3 دقائق قراءة . 856
في ذلك اليوم، حين بدأت الشمس تلملم ذيولها، مدّت لي يد العون فرحت ألملم نفسي المشتتة. رافقتها وجسدي إلى المكان الذي ينفث فيها روح الحياة، إلى ذلك الصرح الخالد الذي منه نناجي الربّ، إلى بيتٍ من بيوته... أفرغت بين راحتيه شؤوني وشجوني، وكلّمته، ناجيته، تضرّعت إليه وسلّمته ما هو أصلاً له... حينها، لم أشعر إلّا بأنفاسي تعبق في المكان وبكلماتي تتهادى على زوايا الجدران... تراها أوصلت إليه تلك اللوعة الحارقة في قلبي؟ تُرى نور صرحه حمل إليه حرارة صلواتي...؟
لملمت مجددًا ما جمعته في تلك الساعة وركبت سيارة والدي متّجهًا إلى البحر، علّى قربي منه ومن سمائه يضيئان في داخلي تلك الشمعة المترنّحة بين الظلام والنور...
ما إن اقتربت منه حتى أوقَفَتْ إشارةُ سيرٍ حمراء مسيرتي إليه... غريبٌ أمرها وقد اعتنقت لون الحبّ والقلب لتمنع التقدّم. غريبةٌ بجرأتها على هذا المارد... ولكن سامحتها هذه المرّة فقد تواطأت مع بائعِ وردٍ فقذفته إليّ حتى انتصب أمامي، برجلٍ واحدةٍ، متأبّطًا ما طاب له من ورودٍ أراد به كسب معيشته وإسعاد غيره... نظر إليّ، بحبٍّ كألوان وروده، وقال: "وردة؟"
تعجّبت لوجوده فأجبته:" شكرًا لك... فليس لدي من أقدّمها إليه..." وفكّرت: "أنا أيضًا قد جفّ مني الحبّ وتمسّك في أوصالي جبروت (اللاحب)"... وبنظرة عطفٍ منه كأنّه شعر بحزني وسمع أصداء نبضاتي المتعرّجة فأردف قائلًا:" لا بأس، فأنت أجمل وردة...!"... كيف لثلاث كلمات أن تشبك أوصال نفسٍ ضائعة... كيف لقوّة الكلمات أن ترتق ما فتقته أيامها السابقة... قلت في نفسي: "من يتكلّم، هل هو أنت يا الله وقد سمعتني والآن أسمعك؟! أشعر بك في ذلك النور المشعّ من عينيّ بائع الورد..." يا ربّ كم أنت جبّار في تواضعك، وكم نحن ضعفاء في تكبّرنا... كم أنت جميلٌ في كمالك، وكم نحن تائهون نبحث عن ذلك الجمال وقد زرعته في نفوسنا مذ أضاءت أمامنا طريق الحياة... بل أنت أيّها البائع أجمل وردة، أنت ومن جسّدته في كلماتك، أما أنا، كنتُ تائهًا حتى وجدتك... طبت وطابت الأرض التي منها قطفت هذه الورود...
12 فبراير . 7 دقائق قراءة