08 أكتوبر . 3 دقائق قراءة . 580
في المُتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، رأيتُ رَجلا مُنتفخَاً مُبطنٌ يَمشِي الخُيلاْء، يتنقلُ في أرْجاءِ المَتحفِ من زَاويةٍ الى أخرى، كأنهُ طّاووس، تبدو عَليهِ آثار النّعمَةِ والثّراءِ، يُرافقهُ حَارسَهُ الشّخصِيّ، بدتْ منْ مَلامِحهُ السَّذاجةِ والغَباءِ لكثرةِ تلفتهِ . لم أعرْ للأمرَ اهتماماً، ولم أدقق حقيقةً في مَلامحِ الرَّجلُ الطاووس، يبدو أنّهُ لفتَ انتباهِ زائريْ المُتحفِ خاصّةً الذّينَ يعرفونهُ جَيداً، أحسبُ الأمرَ كذلك فقط. كانتِ النّاسُ تنظرُ إليهِ وهو يزهو بنفسهِ، التفتُ تجاههُ مرةَ أخرَىَ. تساءلتُ" أين رَأيتُ الرّجلَ منْ قبل؟ في الَجانبِ الآخرِ المُوازيْ، كانتْ تقفُ مَجموْعَةً نِسَوةٌ، يبدو من الوَسامةِ أنّهنّ يُعرُبِياتٍ! كانَ الأمرُ كَذلكَ بالفعلِ، كنّ مُثقفاتٍ وعلىَ جانبٍ كبير مِنَ الشّهرةِ ، مابين شَاعِرة وَفنانة وَكاتبةٍ، وأكاديمية، لمْ يدعُهن الرّجلُ الطّاووسُ، ظلّ يُتابعُ تَحَرُكاتِهنَّ في المُتحفِ. لمْ يكترثنْ ويعبينَ بهِ، لكنَّ الصّحراوّيةَ السَّمراء، منْ بينهنْ رفعتْ فجأةً حِذاءَها وطرحتهُ، في إشارةِ تحذيرٍ قويةٍ إليه. فهم المقصدِ وتنحىَ جَانبا،ً وأدركَ أنّ الأمورَ لا تسيرُ لصَالحهِ، فيْ بلدٍ تطبقُ فيه الأنظمةِ القانونيةِ بشدةٍ على كلّ مُخالفٍ للنّظمِ الاجتماعية. ضَحِكنْ منهً وهو يَنصرِفُ منَ المَتحَفِ خائباً مُنكسِراً، ما كانَ ينبغي لهُ أنْ يضعً نفسهُ في موقفٍ مُحرِج، خَاصةً أمامَ حَارسهُ الشّخصِيَّ الذي يكنُ له احتراماً، وهو غيرَ جديرٌ بذلكَ الاحترام. انتهىَ الموقفُ المُريب بسلامٍ. فيْ أثناء خروجيْ من المُتحفِ تصادفتُ بدخولِ الكاتبةِ الأرمينية ماريا أغاغيان، لدىَ البابَ برفقةِ فتاة جَميلة، في العشرينيات من عمرها تقريبا، حَاولتُ تدَاركِ المَوقف لكيلا أتقابلَ مَعها، لأنّ الوقتْ لديْ غيرُ كافٍ للمُجامَلةِ والانتظار ـ يا الهي ـ رَبنا الذي في السَماء تبارك مَجدك الأعلى العظيم وملكوتكَ، بحقِ عبدكَ ونبيك يَسوعُ ، كيف أدبَرَ النّهَارِ، وأتىَ المَساءِ، قِنا مِنْ وقبةِ غَسقِ التّكلفِ وما تلىَ بمشيئتكَ. فكانَ ما منْ بد منْ لقاء الكاتبةِ والجلوس إليها مدة قصيرة، استأذنتها وانصرفتُ لشأنيْ، الحَقيقة أنّ الجلوسَ معها والاستماعِ الى حديثها الجَميل لا يملْ أبداً، حيث يمضي الوقتُ سَريعا ولا يشعر المَرءْ بمضيه، نظراً لما تمتلكه الكاتبة من درجةٍ عالية في الوجدانياتِ والثقافةٍ والأدب، مضافاً الى ما تتمتع به ذاتيا من أريحيةِ وجمال روح وخِفّة ظلّ وطرفةِ وابتسامة دائمة لا تفارق مُحياها. حتى في أحلك الظروف.
سياق المجرد : ترفض كل عليمِ الأديان السَّماويةِ، الاعتداء والسّطو علىَ َحُرياتِ وحُقوق الآخرين،
المالُ كلمة تحتاجُ الى منْ يدرك جيداً ويفهم معناها. ويفكر كثيراً في مآلاتها برويةٍ وحكمةٍ. من ضمن المُحتملِات الممكنةِ أن يضعَ المالُ نهايةً مؤسفةً لحياةِ مالكهِ. ومن الخطأ الاعتقادِ الدائمُ أنّ فيْ المَالَ سعادةٌ دائمة وحماية كاملةِ مِنَ الشيَخوخة والمَرض ومَشكلاتِ الحَياةِ.
ختاماَ : لو أنّ الرّجلَ الطاووس فكرَ مرةً، في الذهابَ الى جمهورية الصّحراء ـ مثلا " أقولُ مثلاً ـ من أجلِ الغواية، لانتفضتِ الأرَضَ من تَحتَ قدميه لابتلاعهِ، جزاءً بما تسولُ به نفسهِ، فالقراراتِ هنا فوريةٌ عاجلةً بلمح البصر، لا تأخذ وقتاً طويلاً أوتتمهل مع استبعادٍ كاملٍ للرشوةِ والواسطةِ . قدمت المرأة الصحراوية لمُتحفِ باريس صورةً نمطية وتعبيراً للانطباعية الذاتية في مواجهةِ مصدر الأذى. اعتماداً على منهج الموروثاتِ والعادات والتقاليد المحفوظة التي لا يمكن اندثارها وابتداعها والعبث بها. " فالصحراءً تنهشُ جَسد كل من يعتدي على إبائها وقدسيتها "