11 يناير . 4 دقائق قراءة . 698
"نزوة حاكم"
في بلاد السلام كان هناك امرأة يلقبونها ب"أيقونة الجمال" كل من كان يمرّ جانب جسدها تفوح رائحة التاريخ داخل أحشائه، رائحة مبللة بالمجد والنضال.
امرأة، تغار من ملامحها عواصم البلدان أجمع!
امرأة، أنجبت من رحمها ثماني عشرة طائفة!
كانت تسعى إلى جمع اختلاف العالم تحت سماء واحدة، سماء الربّ المشرعة فوق روحها التي لم تعجز يوماً عن محاولة إنجاب الوحدة الوطنيّة التي كلما بدأ صوتها الضعيف بلفظ أبجدية أحرف اسمها الأولى يختنق في خضم دخان ونيران المطامع.
وتقول: "يريدون إجهاض حلمي
وأنا أصارع التقاليد وأحطمها، ألد الحلم الذي يرفضونه وأحلق في الآفاق دون قيود.
متحررة ثائرة صامدة وقوية"
امرأة الحريّة المدللة، التي يتصارع عليها العالم بين طالب للودّ وراغب بالمكوث داخل أحيائها التي تبعث في داخلك حنينا عتيقا بطعم الحريق، وبين طامع بالاعتداء والوحشية والقهر والغل الذي يكنه البعض لهذه العاصمة التي تختبئ في أحضان وطن متعب، والراغب بتشويه تفاصيلها وانتزاع السلام من داخل شوارعها وكتم أفواه الراقصين تحت سماء ليلها الطويل الذي لا يأبه بالرحيل من فوق صدرها.
دخل حاكم في ليلة مشؤمة إليها وأبحر في مخيلتها، أغواها بالسعادة الأبديّة ووعدها بأن تحلق لتعبر حدود الأوطان أجمع، جعلها تحلم بأنها سوف تصبح ملكة الأرض وتحكم في ما بعد السماء ربما،
لم تصدق!
ولكن أبناءها الصغار دفعوها إلى أحضانه، فلما استيقظت في اليوم التالي رأت نفسها تتأرجح تحت أصوات القذائف، رأت المتسولين لأول مرة في أزقتها جالسين على أرصفتها التي غدت باردة، رأت أناس يتضورون من أجل كسرة خبز، ولون الدم فوق جسدها يزرف باسم الدين...
لقد حلت اللعنة فعلا على مملكتها الصغيرة.
السياسة يا لها من لعبة خبيثة!
يصبح الوطن ضحية مصالحها يلفظ أنفاسه الأخيرة في خضم الفساد فوق جسد الرحمة...
يستنجد بأبناؤه فاذ بهم غارقين في هذه الدوامة.
لم تتجرأ على النظر في المرآة فهي تعلم أن ملامحها أصبحت باهتة، لقد تم الاعتداء على قدسيتها وأصبحت رهينة مصالح تافهة يتخبط ويقتل فوق جسدها آلاف المواطنين يوميا من أجل كرسيّ يحسبونه عرش الدنيا والآخرة، من ضلعها ولد ألف حزب يحمل شعار وينادي باسم الحرية المزيفة فبكت حينها، جلست على حدود الوطن تناجي السلام، كان هدفها الوحدة الوطنيّة لقد كانت تريد أن تقول للعواصم: إن الاختلاف إذا اتحدّ يوما سيصنع قوة الربّ في الأرض والسماء ولكنها استهزأت بنفسها، طوقت نفسها وضمت ذاكرتها وتنهدت تنهدها المفعم بالرصانة!
بيروت المرأة المغتصبة،
نزوة حاكم يحلم بامتلاك الدنيا شوه ملامحها البسيطة التي تخبئ داخلها ألف حنين وماضيا عريقا...
لم تفقد الأمل فهذا الاعتداء سيلد طفلا ثائرا وحضارة من رحم آلامها ستلد رغم أنف الحاقدين والمعتدين والمتجبرين، هذا عهدنا بك يا بيروت،
هذه ثقتنا بقوتك وتاريخك التي تشكل لنا جسرا للعبور إلى الانتصار الحقيقي، التي تشكل لنا نحن الذين لا نملك سوى أحضانك مخرج سلام وأمان من أفكارنا وتعبنا نحن الذين لا نستطيع أن نحيا وأن نكتب من دون جمال أنوثتك، من دون صخب لياليك وجنون شوارعك...
لن يستطيع جلادوك أن يسرقوا منك روحك التي تضج بالحياة لن يستطيعوا أن يرموك في مهبّ النسيان ستبقين أسطورة التاريخ...
قومي وانفضي غبار الأسى عن شوارعك، قومي واسمعي صوت أنين المتعبين، قومي يا بيروت فلم يعد في خارطة الزمن سوى القليل من الماضي البشع...
يا عصفورة الشجن، أيتها الجميلة في كل فصولك!
واستيقظت بيروت من سبات خرابها، ناشدة الحريّة والسلام على صوت المآذن مع تنهيدة الصباح وأجراس الكنائس دعوة للإيمان، هكذا هي بيروت!
أنثى ذات كبرياء رصين تنبثق رائحته من التاريخ.
لمى التقي.
٧/٦/٢٠٢٠