11 يناير .
3 دقائق قراءة .
257
(1)
تُحدّثه عن أخبار مدينتهم العتيقة
التي عرفوها يوم كان الدّهر رَطباً ومُزهِراً
ويوم كان صوت الموج يأتي بالأساطير
ويخبّئها بين فروع شجر الطرقات وخلف مقاعد المتنزَّهات
وفي بطن الخشب الغامق...
في البيوت التي يسكنها صوت "كوميتاس"
لتحتلّ في غفلة الليل
أو في ذروة الزحام
قلوبَهم التي تخاف أن تحبّ ولا تستطيع إلا أن تحبّ
***
تجمع في كفّها حصىً من طرقات المدينة
وتكتب عليها أسماءهم
تضع في الجيب السرّي لمحفظتها...
ندفةً من لحاء شجرة جلسوا تحتها في "ساحة الحطب"
وحفنةً من بقيّة الهواء الطيّب
وخيطاً من فستان الشّمس.
تسأل النهر عن الأصدقاء الذين تبدّدوا
تبحث بين النخيل الشابّ على طرفي النهر المخنوق/
عن أغاني محفورة في الجذوع أو أوراق مدفونة في التراب
تسأل العجائز عن تتمّات الأغاني المنسية
وتدوّنها في دفاترها
لتسجّلها على قبور الراحلين
وترسلها بريداً مستعجلاً للعطاش والجائعين في كلّ أنحاء المسكونة
(2)
ها هي تسافر بين ممالك العالم...
فتصطدم به على حافّة قارّة تنزاح عبر محيط اللوعة
يرقد في انتظار سفينة
-أو هكذا يُقال-
تهزّه من الكتف فلا يستفيق
تحكي له عن السهول الواسعة في أعلى الشرق
عن طريق أنطاكية والمدن الميتة
تذكّره بالسرو تحت القمر وأشجار السفرجل الصغيرة
وبالمجالس المعزولة في ليالي الصيف على بوابة البادية.
تسامره وهو راقد...
فتخبره بقصّة السعادة
وعن فرح الاكتفاء لأنها تحفظ جميع الأسماء
وعن الحزن العميق...
الذي يخترقه التوق اللذيذ،
الحلو كقطعة سكّر من عربة أمام باب المدرسة
وعن الندم الذي ليس كندم الأشقياء
وعن يدها التي تلفّها بأغنية لكي لا تنسى طعم اللقاء
وعن الرّيف المهجور
وعن الأسواق المهدَّمة فوق أشباحهم
وعن ساحات الأعراس المتروكة ولكنها تحتفظ بزغاريد الأمهات.
***
يستيقظ في نهاية الحكايات
ويقسم بالحيّ إلى أبد الآبدين
أنه رأى في المنام ضحكتها ككوكب الصبح
وأنّ المجرّة تحتفظ بكل شيء...
كل شيء...
وأنّ الفراق عَرَضٌ لا جوهر
وأنّ الدّمار أوّل العمران
وأنّ الشّتات بداية الاجتماع
وأنّ السّفر مبدأ العودة
وأنّ مستقرّ الضوء صِنوُ مولدِه
وأنّ الموت أكبر الأوهام