22 ديسمبر . 4 دقائق قراءة . 885
الغَيرةُ ،عندما أذكرها أعجبُ لها، وأتذكر أشياءَ كثيرة ومواقف. تمرُّ على الذَاكرةَ.
أترحمُ كثيراً على غَيَرةَ امرأة، في مُقابل غَيرَةَ رجلٍ ! واستغفرُ لأشياءَ تهتزُ لها المشاعرَ .
فغيرةُ المرأة تشتغلُ في الباطنَ، وتعلقُ نقمةَ سِيرتها علىَ ساريةَ حبالِ المشانقُ، فيأتيْ الانتقامُ سعياً علىَ قدميه منتشياً، لا يبالِ بالمسافاتِ البعيدةِ او المكائد.
أعجبُ من غَيرةُ الرَجلٍ ! الصالحُ الزاهدُ والطّالحُ التائبُ معاً !
تشتغلُ الغَيْرَةُ في الظاهرُ، وتحركُ جيوشَ الغلْ والعواطف خِفيةً، وتهدد القلوبَ والمشاعرَ، في أقوىَ تحديٍ وجسارة، للذواتِ، ولو بسوِء ظنْ.
؛ في الواقع عدّة مشاهد ومواقف في الحياةِ. مشهدُ لغَيَرةٍ محمودة، لمستْ جانبَ الورعِ، قامتْ في محرابِ الزهد، فأسرَّها الشَّيطانُ في نفسها، بأنْ المحرابِ سيسقطُ عليها في تلك اللحظة، فتنسلُّ من محرابها إلى خارجِهِ، لتنجوَ لكنها تتعثر بمئزرها الفضفاض، فتسقط، ولا تنجُ من الموتِ.
؛مشهد، لشخصياتٍ مسؤولة، تُغرر بأخرياتٍ، فتخرق القانونَ، وترتكبُ أموراُ مُخالفة للقيم، من أجل الظَفر بشيء تافهٍ، غير معلوم أصلاً، ما هي في الواقع إلا محاولة وضيعة، ووسيلة للوصول إلى شيء لا يُذكرْ، فتظفر بحفنة من ترابٍ .
؛ الغَيرةُ عمياءُ لا تعرفُ باب الشفقةِ والشفاعةَ، بيد أنها تحركُ أشياءَ كثيرة من حولنا. إذ ترفع، وتضع، وتبني وتردم، أشياءَ مهمةٍ وغيرها في هذا العالم المترامي الأطراف.
كـزلزالِ يضربَ قارةَ بأكملها، فيحصد الشَّجر، ولا يبقيَ حَجرا على حَجرٍ، فيطمس بعض المعالمَ والآثار.
مآربها العظمىَ، الحصول علىَ كل ما هو" نعم " فقط، ولا تعترفُ بشيء اسمهُ " لا" إلى أبداً ..
؛ أذكرُ أنّ عرابتيْ الفَضَّة " معلمتي " كانتْ تُعلمنِي في الدّير العُلوم والتربيةِ والأدبِ. كنتُ أراها مثلُ أمِّي لِكِبرِها. أُحبُها وأحترمها.
كانتْ تجلدُني كل يومٍ بأسبابها الخَاصةَ التي لا أعرفها. وبالغَيرةِ التيْ لا علمْ لي أيضاً بحُدودها،
، ذواتَ مراتٍ تسألني ثلاثة أيام، نفسِ السُّؤال! مَنْ هِيَ أجملَ امرأة في هذهِ الدُّنيا ؟
أقولُ : أميّ، فتجلدنيْ ! في اليومِ الثالث : قلتُ أنتِ، توقفتْ عن جلديْ. فـتنعتني بالغباءَ .
لكنها عَلمتني أشياء كثيرةٌ جداً، لم أتعلمهُا من غيرها في الحياةِ. الآن فقدتْ نصفَ سَمعها.
؛ رأيتُ علامةً مِن علاماتِ الغَيرَة، فيْ مَلامحَ وجهِ ذلك القسيس، الذي سألني في الطّريق، عنْ معلمي،
فأخبرتهُ أنهاَ الرَّاهبةُ جوان. علمتُ عندئذ كم كانتِ الغَيْرَةَ والحسدِ مؤلمة له.!
ـ كمن يقول : أغارُ عليك مِن نفسي ومني .................. ومنك ومِن مكانِك والزمانِ
لا أعرفُ شيئاُ أشد تحفزاً ومحركا لا أشياء أخرى في الحياةِ مثل الغَيرَة. . . . لله درها، فحسبْ،
حركتِ الجيوش لتهز العروش، كأنها السِنان تنهش الحناجرَ والأكباد، والجمرةُ تحرقُ القلوب.
؛ لا أقلل منْ حرف ذلكم، دابغُ الجلود، ونافخ الكير، والإسكافي صانع الأحذيةَ، الكل يقدم للناس ما يفيد في الحياةَ، رغم الروائح المزعجة المنبعثة من أشغالهم.
؛ ألوم المتنافسينَ بالغَيرَة المُدمرةَ، صانعو القنابلَ والمتفجراتِ، وعلاقة ذلك بقتلِ الناس.
؛ أحيانا أقول لله در الغَيرَة، لولاها ما تحركتِ الأشجار، في الطبيعةِ، ولا تراقصتِ الفراشاتِ في الحقولِ على تيجانِ الزهورِ، ولما جرى الماء في نحر النهر، و الشحر، ونسغ الورود.
لكنها الغَيرَة التيْ اهتزتِ لها الهامات، وتمايلت هفهفة الكاشح، وصهواتِ ترائب الأبدان.
لله در الغَيرَة، لولاها لما تنافستِ النّجوم والشموس والأقمار، في مجراتها بالضياء والنّور.
ولما تحركتِ الأقلامِ والألوانِ وألهبتْ ساحاتِ وعرصاتِ الكَتابةِ، بالقصص والصور والقصائد وخواطرَ الكِتاباتِ.
ولما تحركتِ السّفن والبوارجِ تفاخراً بعظِمتِها في البحار والمحيطاتِ.
ثم ولله درها، حركتْ نبض المشاعر والأحاسيس، و، وا معتصماه، فكانتْ آخر الهِباتِ العظيمةَ، والهَبّات التاريخيةِ، والمعجزاتِ.
تعزيتي المتأخرة، لجميعِ فَلاسفةِ العالمِ، بموتِ سُقراط حَكِيم الزّمان، فقد قتلهُ حنق وحماقةُ مَلكٍ؛ غَيرَةً منْ مكانتهِ العِلميةِ، لدَى النّاس.
ختاماً " تتحركُ الغَيرَة بشيء تمَّ حبهُ واختياره في النفسِ، دون دواعي لتقديم حجةٍ لذلك أو اعتذار ".