كتاب مواقد الحرف والذات للمؤلف عبود سلمان حول فن الخط العربي والخطاط عبد الباسط النهار

Aboud Salman

07 يناير  .   1 دقيقة قراءة  .    1053

عبد الباسط البيرم الفنان الرائد

  (قصبة سورية متألقة عالميا في المهجر والشتات ) 

 الفنان التقليدي لجماليات الخط العربي

 (عبد الباسط بن ابراهيم النهار )

 في حوار هام مع المع فناني الخط العربي في سوريا والمهجر والعالم الاسلامي

 حوارية عبود سلمان / سوريا ...   

بعض من محتوى الكتاب:

س24- في لوحتك تقاطعات كثيرة تسبح في فضاء اللوحة (العمل) من دائرة وشكل آنية ومربعات وأقواس ونوافذ للروح قد تأتي على المتلقي بعوالم أخرى . لماذا كل هذا الحشد الجميل من خطوط الثلث – الذي هو من أصعب أنواع الخطوط – والنسخ والديواني والجلي ديواني؟  ج- لما كان الخط هندسة روحانية تجسدها قصبة الكاتب ، فلا بد لهذه الهندسة أن تقدم تلك التقاطعات والأشكال الجمالية ونوافذ الروح –كما وصفتها- كي تطل على عالم آخر أكثر نقاء وتألقا وطهرا ؛ وإذا كان الثلث أصعب أنواع الخطوط وأكثرها استعصاء على الخطاط ، فإن تطويعه لابد أن يأتي بنتيجة مبهرة خاصة إذا ما أحسن الخطاط التشكيلة التركيبية في اللوحة . فالثلث منه المرسل ومنه المتداخل ومنه المتراكب ... وهو رمز الأصالة والعظمة والكبرياء في دقة حروفه وإيحاءاتها المليئة بالأسرار . فالعين ترمز للعلو والكبرياء ، والحاء للحب والجمال والرشاقة ، والميم توحي بأنوثة خاضعة كلها حياء وتواضع ! والألف يرمز للتوحيد والصرامة كأنه حد السيف ؛ وهو مقياس الحروف الأخرى والفيصل بينها ... وهكذا . أما النسخ فيذكرك مباشرة بكتابة القرآن الكريم ، ولا تكتمل قواعده إلا بالتشكيل المتميز الذي يعطيه رونقه وشكله النهائي المتكامل. أما الديواني ثم الديواني الجلي ، فهما أقل وطأة وأخف وزنا لكنهما مهمان أيضا ويمكن تشكيل الكثير من لمسات الجمال والأشكال الهندسية المؤثرة منهما.  س25- هل أنت شاعر؟ وكيف تعرفنا على بداياتك في هذا الاتجاه؟ ومن ساهم في ذلك في تربة أيامك المصانة على إبداعاتك الحنونة؟  ج- كل إنسان شاعر بطبيعته ، لكن الذي من الله عليه بقرض الشعر وجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه هو المحظوظ الذي يستطيع أن يقول ما يحسه هو أو يحس به الآخرون ، مهما اختلفت المواضـيع والمناسبات . كنت أحفظ الشعر وأحبه منذ صغري ، واعتادت أذني على إيقاع تفعيلات البحور الشعرية قبل أن أعرفها ، لكن بداياتي مع الشعر العربي كانت في المرحلة الثانوية حينما كان أستاذنا في اللغة العربي "عبد العزيز الحاج حسين" يقيم مباريات شعرية بين طلاب الفصل ، الأمر الذي يدفعني مع زميلي الشاعر محمد نوري رديف العلي إلى سهر الليالي في حفظ قصائد كاملة ، أو مقاطع من قصائد وذلك استعدادا لهذه المباريات ، وبالتالي فلم يستطع أحد أن يهزمنا ، إذ كنا نسجل الكثير من النقاط على طلاب الفصل بأكمله دون أن نخسر أنا ونوري أية نقطة. وهكذا فالفضل بعد الله يعود للأستاذ عبد العزيز وللأخ نوري في تعلقي بالشعر . لكن الأخ نوري العلي كان سباقا في هذا المجال لتأثره بشقيقه الشاعر الأستاذ مصطفى رديف العلي في مراحل مبكرة من حياته.   س26- تقرض الشعر وأنت الخطاط الفنان ؛ كيف ترسم لوحتك الشعرية على إيقاع روحانية كتابتك؟ وما مدى معاناتك مع ذلك ؟ وكيف تعرفه للقارئ؟  ج- لاشك أن قراءة كتب الشعر –لاسيما المخطوطات اليدوية منها – تدفع الخطاط إلى الوقوف عند كل من شكل الكتابة ومضمونها . فالشكل يستحق التأمل لأنه هو الحرف العربي الآسر الذي كتبه الرواد الذين اختاروا لمخطوطاتهم روائع المعلقات وقصائد المديح والابتهال والوصف والغزل ... فبها يكبر الحرف وكاتبه الذي يسمـو   محلقا في فضاء الروح ورقة المعنى وإعجاز التعبير والتصوير! ومن هنا فإن الخطاط الدارس لهذه المخطوطات لابد أن يتفاعل معها ويتأثر بها ، ويحفظ الكثير منها بإيقاعات الوزن العروضي العربي المتميز ، فيجد نفسه عاشقا للشعر ، تختلج في نفسه معان تبحث عن صياغة تولد معها اللوحة الشعرية على لسانه تلقائيا ، فتتلقـفها يده لترسم معانيها وحروفها ما تلذ الأعين العاشقة لكل ما هو جميل شكلا ، وما تشتهيه الأنفس من طيب المعاني وسحر الإيحاء وبراعة التصوير ، ناهيك عن أن ملكة الشعر غالبا ما تكون في دم الشاعر هبة من الله لا تكتسب بمؤثرات خارجية صماء بقدر ما تكون غرسا ينمو ويثمر بمعاناة يعيشها الشاعر تطرح عصارة أحاسيسه ومشاعره صادقة نقية لا يدنسها تصنع ولا يمسخها تلوث ولا يلوثها نفاق ! ومن آخر ما قلت قصيدة مطلعها :  أعلـل نفسي بالأمـاني حزينـة وأجرع كأس الصبر كيما أشيـب وجرح غريب الدار هل بلسم له؟ وجرح غريب الدين كيف يطيب؟ تساءلت يا نفسي أمن ذلـة هوى بذاك المرجى فـارس ونسيـب؟ عزيز تداعـت نائبـات زمـانه عليـه فأحنت ظهـره المتعـذب تعز على عيـني دموع رجولـة بها راحت الأعـداء في تعيـب أراني لوحدي في وجوه غريبـة وحولي حـال للنفــاق مريـب أمن بعد عز ذل في المجد فارس كبت بجواد الغار فيـه حروب؟ تهاوى بأمواج الرحيل وغربـة تفـتـت أكبـاد الألـى وتذيـب فهل بعد ذل من شمـوخ يردني عزيزا ويمحي دمعـة ونحيـب؟ فوالهفي كم حاسد ضاق مجلسي وكم دنـس واش حقـير ومذنب!   س27- تتراقص الحروف فوق بعضها لتحدثنا الكلمات عن معاني تلك القوافي والحكم والأمثال والكلام الحسـن ؛ إلى متى تبقى أسير هذا الشوق العظيم ؟ وكيف تتلون مع كل هذه الجزالة المتموسقة على ذلك؟  ج- لوحاتي جميعها تحمل رسائل معنوية إضافة للتراكيب الفنية ، ذلك أن القارئ أو المشاهد لها يشعر بعظمة تلك الآيات والأحاديث والحكم والأمثال كلما كانت اللوحة متقنة ومخرجة بطريقة لافتة ومتميزة. كما أن تداخل الكلمات والحروف ببعضها يثير لديك الرغبة في معرفة مدلولاتها ومغزاها ، وهذا ما يبعث على التأمل والدراسة للغوص في مكنونات الكلمات وفهم ما ترمي إليه بعد أن أودع فيها الخطاط خلاصة عقله وانفعالاته وأنفاسه وأشواقه ، وبعد أن عدل كثيرا ، وغير طويلا من الشكل والتركيب ، حتى جاء العمل بهذا الشكل النهائي الذي تراه وتحسه ويكاد يلامس خلجات الفؤاد ، ويتسلل إلى داخل الروح والنفس متخطيا كل الحواجز ، فلا تملك إلا أن تقول : ما شاء الله ، الله أكبر ، إن هذا لشيء عجاب !!  س28- هل يمكننا أن ننحت خطوطك المتشكلة في فضاء الفراغ ككتل نحتية مجسدة ؟ وهل يصلح الخط العربي أو الحرف العربي للنحت الفني "المجسم" ؟  ج- الخط العربي يصلح لكل شيء يعطيه قدره ويحافظ على هيبته ووقاره ، فبهذا الحرف يتزين الذهب الذي يزين بدوره الجميلات ، وبهذا الحرف يحفر الرخام والخشب والبلاستيك والزجاج والجلد ... فيترك أثرا فنيا ساحرا كلوحات مغردة بارزة ، أو كزخارف ومعلقات تزين بها القباب والمحاريب والمآذن والقصور والمتاحف ، لا يضره   أين وضع وكيف ، طالما أوصل لنا الرسالة الفنية الجمالية المجسمة نحتا ظاهرا لا غبار عليه. ولا أستطيع أن أتصور قصرا أو متحفا أو بناء محترما يخلو من لمسة الخط العربي وبركته بقلائد لوحاته النضيدة على الجدران التي تسعد بها سعادة العاشق بلقاء حبيبه !   س29- تتحدث الإنجليزية بطلاقة أهلها ، وتعرف شكسبير ومسرحياته ؛ ماذا استفادت تجربتك الإبداعية من ذلك؟ وكيف أفادت هذه العوالم روحية جمال الخط العربي؟  ج- اللغة الإنجليزية كانت هوايتي وعشقي ، وكنت أعرف منها الشيء الكثير قبل دراستها في المدرسة على يد شقيقي الأكبر الخطاط والأديب الدكتور خليل ، وشقيقي الأستاذ جميل الذي درس اللغة الإنجليزية ونال الإجازة فيها قبلي بسنوات. وكان الدكتور خليل والأستاذ جميل مولعين بترجمة القصص والروايات والمسرحيات من اللغة الإنجليزية إلى العربية ، مما شجعني على قراءتها في اللغتين العربية والإنجليزية ، وكان جميل يملي علي ما يترجمه شفويا فأكتبه له باللغة العربية ، وهذا مما زاد من حصيلتي اللغوية وتعلقي باللغة الإنجليزية . فكثير من القصص الإنجليزية كانت مشوقة بالنسبة لعمري آنذاك. فمنها الملاحم والأساطير اليونانية القديمة ، ومنها قصص الهنود الحمر ، وبعض القصص القصيرة ... ولكن القفزة النوعية الكبرى في علاقتي مع اللغة الإنجليزية كانت مع أعمال العبقري الإنجليزي الشاعر المسرحي الفيلسوف الفذ وليم شكسبير ، فما أن قرأت ودرست مسرحياته – مأساة كانت أو ملهاة – حتى سحرني وقعها ومضمونها وفلسفتها وعمق الأفكار والإسقاطات وعبقرية اللغة وسحر البيان فيها ! كنت أحس أن شكسبير لابد أن يكون قد قرأ القرآن الكريم أو الحديث الشريف واطلع على الأدب العربي (لاسيما الشعر المتقدم) فخرج بهذه الحصيلة الهائلة من الحكمة والتحليل النفسي لشخوصه ، والفلسفة المتعمقة والنظرة الثاقبة لمكنونات النفس البشرية من خير عميم وشر داهم ذميم . ويكفي أن تلقي نظرة فاحصة على تصويره وتحليله لشخصية اليهودي "شايلوك" في مسرحية "تاجر البندقية" لترى عظمة هذا الإنسان الذي طالما وقفت مذهولا مبهورا أمام أقول له على ألسنة شخصياته . وجزى الله الدكتور خليل والأستاذ جميل خير الجزاء حينما كنت أراهما يختاران مقاطع من أقوال شكسبير ويكتبانها إعجابا بها. وأذكر من ذلك قول شكسبير في مسرحية "الملك لير" : " إذا صفحت الذنوب بالذهب ، تكسرت دونها حراب العدالة ! وإذا ما دثرت بأسمال بالية ، صرعتها قصبة في يد قزم !!" وهذا يذكرني بقول شاعرنا العربي :  إن الغني إذا تكــلم بالخطا قالوا أصبت وصدقوا ما قالا وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم أخطأت يا هذا وقلت ضلالا إن الدراهم في الأماكن كلها تكسو الرجال مهابة وجمالا فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالا  كنت بدوري أختار أقوالا لشكسبير وأكتبها في لوحات خطية جميلة ، فأعلق منها في داري وأهدي بعضها لزملائي الذين كانوا يبدون إعجابا وإكبارا بها خطا ومعنى .   لقد عمقت دراستي للغة الإنجليزية اطلاعي على الأدب الإنجليزي والأدب العالمي ، وعلى فهم نفسية الإنسان الغربي وطريقة تفكيره ونظرته إلى مجتمعاتنا وتراثنا وحضارتنا. وبعد الجامعة عملت مترجما مع قوات الطوارئ الدولية في مرتفعات الجولان ، وهذا أعطاني زخما لغويا جديدا وفتح لي آفاقا من المعرفة ما كنت لأصل إليها لولا هذه التجربة الفريدة والغنية. وفي التسعينات من القرن العشرين هاجرت إلى كنـدا والتقيت بخليط من الأشخاص والحضارات ، واطلعت على آداب وفنون ، ورأيت عادات وتقاليد زادت رصيدي المعرفي وأغنت ذخيرتي العلمية والفكرية واللغوية ، وهذا فضل من الله ومنة أحمده عليها سبحانه .   30- تخالط في لوحاتك ما بين العمارة الزخرفية من أقواس وأعمدة وزخارف ونقوش ، وما بين جماليات خطك العربي الخالص من كل هموم ؛ إلى متى هذا التزاوج الأزلي في فنونك الذهبية؟  ج- هذا تزاوج أزلي موروث منذ عرف العرب الإسلام ، فأول المساجد بناء عرفت المحاريب والأقواس والأعمدة ، ثم الزخارف التي لا يكاد يخلو منها مسجد أو قصر أو بناء مشيد. أضف إلى ذلك اهتمام الخطاطين بنقوش وزخارف القرآن الكريم وتذهيبه بطرق تأسر الألباب . فمع الإمكانات البسيطة المتاحة لهم في القرون الأولى، إلا أن كتابة القرآن ونقشه جاءت معجزة تسجل لهؤلاء المجاهدين الكبار . إذا، فهناك ارتباط وثيق لا ينفصل بين إتقان قاعدة الحرف العربي وجمالية إخراجه ، وبين إدخال النقوش والزخارف في كتابة اللوحات الفنية ، وهذا ما يسعدني ويريح نفسي كون الزخرفة ارتبطت بالخط العربي في تراثنا الأصيل، وإن كانت بعض الزخارف تشكل لوحات مستقلة بذاتها في بعض المساجد أو القصور ، لاسيما في السقوف والنوافذ والقباب والمآذن، إلا أن معظم صانعيها هم من الخطاطين المشهود لهم.   س31- تنظر باحترام إلى تاريخ الخطاطين الرواد الأقدمين. أي من هذه الأسماء الخالدة تنظم بتقدير ؟ وكيف تعد لنا بعض مبدعي هذا الفن الجميل الذي يرنو إليه المحبون؟  ج- رواد الخط العربي كثر ، وكلهم ممن كرس وقته وجهده وخدم هذا الفن بدمه وعرقه وسهر الليالي وتعب من أجل أجيال وأجيال لن تنسى فضلهم وتضحياتهم. ويكفي أن عبقرية الفنان العربي المسلم صبت كل ما حباها الله من إبداع في هذا الفن تحديدا وهو الفن المرتبط أصلا بفنون العمارة والزخرفة ، فجاءت نتاجات كل ذلك آية للناظرين، وتحفة رائعة للمتأملين ، وتاريخا حافلا للدارسين ومرجعا ومادة غنية للتلاميذ وطلبة العلم والمعرفة. وكثير من رواد الخط العربي كانوا من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - الذين كانوا يكتبون القرآن الكريم ورسائل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن كبار الخطاطين الحسن البصري رحمه الله ... وعبد الملك بن مروان الذي اخترع الخط (المنسوب) الذي تتساوى فيه نسب الطول والعرض والارتفاع ، وأعظم مصحف عمل في عهده كما يقول الباحث أحمد زايد هو على يد الخطاط خالد بن الهيـاج. ثم جاء الخطاط قطبة المحرر في أول خلافة أبي العباس ، أول الخلفاء العباسيين ، ومعه معاصره الضحاك بن عجلان الشامي ، ثم إسحاق بن حماد الشامي في خلافة المنصور.وكان الوزير أحمد بن خالد الأحول (من وزراء المأمون) خطاطا بارعا إذ طور خطي الجليل والثلث. ثم جاء الوزير أبو علي بن مقلة في خلافة المقتدر بالله العباسي حيث أوصل الكثير من قواعد الخط إلى درجة الكمال.   ثم بعد ذلك كان لابن البواب (أبي الحسن علي بن هلال) الفضل الأكبر في صقل الحرف العربي وإعطائه شكله الجديد المتعارف عليه الآن ، وعلى يديه تتلمذ الكثيرون. ومن كبار الخطاطين الأتراك حمد الله الأماسي (ابن الشيخ) المتوفى سنة 936هـ ، وحافظ عثمان المتوفى أوائل القرن الثالث عشر الهجري ، ومصطفى نظيف ، ومحمد عزت ، ومحمد شفيق ، ومصطفى عزت ، والمبدع مصطفى راقم ، وعبد الله الزهدي الذي كان يكتب كسوة الكعبة في عهد الخديوي إسماعيل ، ويعتبر الزهدي الأب الروحي للخط في مصر، والشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي ، وهو آخر العمالقة الأتراك في مصر. جاء بعدهم من مصر محمد مؤنس ، ومصطفى غزلان ، والشيخ علي بدوي ، وسيد إبراهيم ومحمد علي المكاوي ، ومحمد رضوان، وقبل هؤلاء يأتي أستاذ الخط الكوفي يوسف أحمد ، ثم محمد عبد القادر ، وعبد الرزاق محمد سالم... ومن سوريا حسني البابا الدمشقي ، وبدوي الديراني ، والصابوني والرفاعي... وغيرهم الكثير الكثير.   س32- يتطهر الخطاط قبل البدء ، وقد يدخل حالة خاصة حتى يبدأ العمل. ماذا تفعل حتى تبدأ عملك الفني ؟ وما هي طقوس ذلك ؟ وهل هي لازمة للتنفيذ ؟ أم أن ذلك يدخل في صلب جماليات الحالة؟  ج- هذا وصف جميل ودقيق حقا ، فولادة كل لوحة فنية يسبقها مخاض ذهني وعصبي شديد . فأنا أحترم عملي وأقدر لوحاتي وأنظر لها بإكبار ، ولذلك تراني أستعد قبل العمل بها استعداد العريس ليلة عرسه. وكثيرا ما ينتابني شعور بالرهبة قبل بدء العمل لأن صورة اللوحة تكون واضحة في مخيلتي ، وأتساءل : هل ستتمكن جوارحي من إظهارها كما أريد ؟ أم أن خللا ما سيقع ؟ أم أنني سألغي المشروع برمته لو كانت النتيجة غير مرضية ولا مقنعة؟ هذه أسئلة بديهية تراودني كلما شرعت في كتابة إحدى لوحاتي ... لكن بفضل الله سرعان ما تتبخر كل هذه المخاوف وتنجلي كل تلك الهواجس بمجرد البدء بالعمل ، طاهر البدن والروح ، مقبلا بلهفة وشوق ، ومتحرقا لرؤية عملي وقد أبصر النور سليما معافى.   س33- بماذا تنصح الخطاطين الجدد من أبناء جيلنا الذي ينظر إليك كمعلم ناصح ، وخطاط جليل مبدع ، وذو تاريخ مذهب على اللوحة والخطوط والألوان؟  ج- هناك قول ينسب إلى سيدنا علي –كرم الله وجهه – وهو: "الخط قوامه في كثرة المشق ، ودوامه على دين الإسلام." فنصيحتي لهؤلاء الشباب أن يكثروا من الكتابة والتدريب والتعلم ، ومن مجالسة أساتذة الخط وسماع آرائهم وانتقاداتهم وتوجيهاتهم ، وأن لا يطلقوا على أنفسهم لقب "خطـاط" إلا إذا أجازهم أحد كبار الخطاطين المشهود لهم في الساحة الإسلامية. وعليهم بالتواضع والابتعاد عن الاعتداد بالنفس ، وأن يتقبلوا النقد من أية جهة كانت وأن يطلعوا على نتاج الخطاطين القدامى ويقرؤوا عن تاريخ الخط وتطوره وأعلامه ، وأن يكونوا أمناء في نقل كتابات من سبقوهم ويذكروا اسم صاحب اللوحة الأصلية المنقولة تحت كتابتهم ولا ينسبوها إلى أنفسهم ، فهذه سرقة ممجوجة لا يرضاها الله ولا الناس ! وأن لا يحكموا على مستوى أي خطاط إلا من خلال آخر أعماله وليس أولها !! والأهم من ذلك فإنني أتمنى على جيل الشباب أن لا يعبث بقاعدة الحرف العربي المتفق عليها ، وأن لا يحاول أن يلوي ذراع الحرف الأصيل بحجة الحداثة والتشكيل والتطوير والخروج بجديـد ، ذلك أن قاعدة الحرف العربي المعروفة  يجب أن تكون لها قدسية محرمة على المتطفلين الذين لا يقدرون معنى الأصالة ، فهذا خط أحمر يجب عدم تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف. كما أنصحهم بالتواصل والتناصح وتبادل الخبرات ، وأن يعرفوا الفضل لأهله ، لاسيما الكبار منهم ، ولا يتخذوا من أسلوب التهجم الجارح طريقا للوصول للشهرة ، وأن لا ينسوا أن ما يتوفر لهم من كتب ومراجع ووسائل وأدوات وأحبار وورق مصقول اليوم لم يكن أكثره متوفرا في أيامنا الخوالي. ووالله إني لأذكر أني رأيت أخي الدكتور خليل يخط لوحة كتب فيها "سفريات وادي الفرات" بالألوان الزيتية – أبيض على أسود – عام 1966 ويملأ حروفها بالصبغ الزيتي بعود كبريت لعدم توفر فراشي الخط لديه !! وليتذكر الشباب قول الشاعر : ملأى السنابل تنحني برؤوسها والفارغات رؤوسهن شوامخ وعليهم تقع مسؤولية كبيرة في جعل الذوق العام للناس يرقى إلى مستوى فهم قيمة هذا الفن وتثمين دوره ومحاولة فهم تعبيراته وودلالاته ، ذلك أن إهمال الكثيرين لهذا الفن وعدم اكتراثهم به يرجع أساسا إلى جهلهم بأهمية تراثهم وعدم تقييمهم للخط العربي كموروث حضاري راق تجب المحافظة عليه وإبراز دوره في الحفاظ على أصالتنا وثقافتنا وهويتنا العربية ، وهو - إلى جانب الزخرفة والعمارة – رمز لحضارة هذه الأمة وتألقها أمام ما تفخر به الأمم من فن وتراث ، بل إن خطنا العربي بفنه وأصالته وقواعده يضاهي ويتفوق على تلك الفنون مهما علا شأنها. فإذا ما أهمل الخط والخطاطون فإن ذلك ليس لعيب في الخط وأهله ، وإنما لقصر ثقافة ونظر من يقيمون تراثهم ، ولا يعرفون قيمة هذا الكنز العظيم ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، خاصة إذا كانوا من المهزومين أمام حضارة الغرب المادية والمنبهرين بها المتنكرين لما شيده الآباء والأجداد عزا وكرامة ومجدا يبقى تاجا ووساما على هامة الزمن مهما كان الظرف رديئا أو الأيام حزينة على سالف العصور الذهبية لهذه الأمة.   س34- ما هي قصة مشاركتك في بعض الكتب الفنية التي تصدر عن الخط العربي في مصر ؟ وكيف تعرف لنا خطابات الباحث الجمالي وأستاذ الخط العربي الكبير فوزي سالم عفيفي إليك؟  ج- نشرت بعض كتاباتي في كتب للخط في الكويت والأردن ومصر ، إلا أن الأستاذ فوزي سالم عفيفي ، وهو من كبار الباحثين والمؤلفين والنقاد في مجال الخط العربي في مصر والعالم العربي، أبدى اهتماما كبيرا في تبني ونشر لوحات لي في مؤلفاته ، وهذا شرف عظيم أن يشهد لي أحد رموز الخط والبحث والتأليف ، ومؤسس العديد من مدارس تحسين الخط العربي ، ومؤلف لسلسلات طويلة وغنية عن الخط وتاريخه وأعلامه وقواعده ، وقد ألبسني وسام شرف كبير حينما قارن طريقتي في الكتابة بخط المرحوم حسني البابا الدمشقي وعلى نفس طريقته .   س35- رهائن الصمت تعمل فيك بتصاعد أحداث الأمس . ماذا على صعيد الحالة الداخلية لإبداعاتك ، هل تشاركها في ذلك؟  ج?- الحالة الداخلية هي البيئة التي تحتضن الإبداع ، وأحداث الأمس واليوم هي التي تصوغ العمل الفني لتعطيه شكله وشخصيته من خلال انعكاس تلك الحالة والأحداث على تفكير الفنان أو الشاعر . فالإناء لا ينضح إلا بما فيه. وأنا أؤمن بأن صوت الانفعالات داخل الإنسان هي أقوى بكثير من صوتها خارجه. لأنها هي الأتون الذي يصهر المادة الإبداعية ، فلا تخرج من صدره وعقله إلا ذهبا خالصا لا شائبة فيه. وهذا على الأقل بنظر  صاحبها الذي طرحت معاناته وانفعالاته هذا النتاج الفكري النفسي الوجداني من قلب الشعور الواعي المتأمل الدارس العارف تماما لما يؤديه ويقوم به.   س36- على صعيد العائلة التي كونتها وعلى صعيد الأولاد ، هل تجد منهم من سوف يكمل المشوار ؟ وما هي ملاحظاتك عن وراثة الخط العربي في رموزه الآسرة والتي قد تتشابه أحيانا؟  ج- في رأيي فإن تبني أسرة ما لفن من الفنون لابد أن ينعكس على التركيبة الشخصية والنفسية لأفراد هذه الأسرة. أما تميز هؤلاء الأفراد بحب وتعلم وإتقان فن الخط العربي تحديدا فهو من أهم عوامل السمو بالنفس البشرية والارتقاء بها إلى درجات من الصفاء والذوق الرفيع والرشاقة والاتزان وحب الحكمة والجمال ، فما من حرف من الحروف إلا ويعكس جانبا أخلاقيا جماليا معبرا في شخصية الكاتب والمحب لهذا الفن. حتى أن علماء النفس قالوا بأن أصابع معظم الخطاطين والعاملين بمجال الزخرفة والنقش منذ صغرهم تكون مستقيمة وجميلة ومتناسقة عندما يكبرون ، وقد تأكدت من صدق نظريتهم هذه بنفسي ! فهل تصدق ذلك ؟! أما أولادي –فرغم جمال خطهم- إلا أن اهتمامهم بإتقان قواعده وكشف أسراره ليس كافيا لنقول أنهم قد يتابعون المشوار. لكن يبقى ما تحمله الأيام في علم الله سبحانه. وأتمنى عليهم أن لا يكونوا أقل اهتماما بهذا الفن لأن هذه أصبحت سمة العائلة عموما ، وأنا متفائل من أن المستقبل سيكون مرضيا لنا ولهم إن شاء الله.   س37- ما مدى مصداقية مقولة "لا فن بلا أخلاق ، ولا أخلاق بلا فن" ؟ وكيف تعرف هذه المقولة على تاريخ الخط العربي ؟  ج- أما الجزء الثاني من المقولة فلعلي قد أجبت عنه في سؤالكم السابق. وأما القول بأن لافن بلا أخلاق ، فهذا ما يجيب عنه الواقع الذي نعيشه . ابحث عن الفنانين من مختلف المشارب والثقافات والانتماءات والمدارس الفنية والأدبية ، فإذا لم يكن هذا الشخص يجسد قيمة أخلاقية عالية ، فلن يجد من يلتفت إليه أو يعيره أدنى اهتمام. وبالتالي فلن يرقى إلى قمة المجد ويكسب احترام الناس وثقتهم وهو في حضيض أخلاقي أو مسلكي مخز ، ولعلك توافقني الرأي بأن من خلق ليزحف لا يمكن له أن يطير!   س38- قد تنظر إلى تاريخ من يكتبون الخط العربي في اللوحة التشكيلية الحديثة وخاصة على مساحة الوطن العربي بأنهم الراقصون على "مقوقعات" مكتوفي الأيدي ، وكحالة من الهروب المنظم بعشوائية الحالات . بماذا تعرف ذلك ؟ وهل لك وجهة نظر في ذلك ؟ وكيف يمكننا حماية قواعد الخط العربي من هؤلاء المرتزقة باسم الحرف العربي ؟ وهل حرصت يوما على أن تنظر إلى لوحة واحدة من هذا الاتجاه ؟  ج- طالما نظرت إلى أعمال يهرب أصحابها من الخط الكلاسيكي التقليدي السهل الممتنع ، متحررين من أصول القاعدة ، ضاربين بعرض الحائط الأصالة وثبات قواعد الخط الراسخة رسوخ مبادئنا وأخلاقياتنا وقيمنا وتراثنا العريق ... فترى الواحد من هؤلاء يتأرجح بين التطفل على الخط والتخبط في مساحات الألوان العبثية ...   فلا عمله رسم تشكيلي بعيد عن عالم الخط وأصوله ، ولا هو لوحة خطية ذات جذور متأصلة يمكن للناقد أن يصفها بميزان المخطوط ويطبق عليها ما تعارف عليه الخطاطون من مقاييس جمالية ومعايير فنية وفق ميزان الخط الذي ينطلق أساسا من حجم النقطة قياسا برأس القلم الذي يكتب فيه الحرف. وذلك هو الهروب العشوائي لحالة من العجز يقـتل فيه هؤلاء المهزومون ذوق المشاهد عبر ذاك الخليط العجيب من حداثة مصطنعة تقف هزيلة مرتعشـة أمام عظمة فننا الراسخ الذي ما نالت منه كل معاول الهدم وعبر قرون تتابعت فيها علينا شتى أشكال الغزو والتغريب ومحاولات تشويه ماضينا العريق الذي نقل فيه العرب علومهم وفنونهم وحضارتهم إلى الأمم المختلفة شرقا وغربا ، وشمالا وجنوبا... فكيف لا تحزنني محاولات بعض السذج ممن يتصورون أنهم فنانو حداثة وإبداع كسر وتلويث ومسخ أصل هذه العلوم والفنون وهو الحرف العربي ! فإذا كان الآخرون قد سبقونا بأشواط في ميادين التصنيع والعلوم والتكنولوجيا والحضارة المادية الخالية من القيم الإنسانية الأخلاقية والروحية ، فلدينا ما يميزنا على الأقل من ناحية الهوية الثقافية والتاريخ المشرق الذي لو عدنا إلى عزته وتمسكنا بأسباب سيادتنا للأمم في الماضي، فإن أمجادنا لا بد أن تعود إلينا من جديد لنأخذ مكاننا في أعلى درجة من سلم ترتيب الأمم ، بدل أن نكون أمة مهمشة تعيش على فتات ما يرميه لها الأجنبي متنكرة لتراثها وفنونها ولرموز هذه الفنون ومعانيها وروادها ... فهل يعقل أن يبقى الخط العربي وهو أعظم فن روحي مادي ثقافي عريق عرفته أمة من الأمم ، أن يبقى دون ولي أمر يرعاه ويرعى أهله والحفظة عليه والأمناء على ماضيه المشرف وحاضره المهدد ومستقبله الذي لا يعلم ما ينتظره إلا الله إذا بقي هذا الإهمال وبقيت هذه اللامبالاة الرسمية من قبل أصحاب القرار ؟! فمنذ وفاة آخر شيخ للخطاطين – المرحوم حامد الآمدي – في أوائل الثمانينات من القرن العشرين لم يتم تشكيل أية هيئة أو إعلان أية جهة أو مؤسسة رسمية عربية أو إسلامية تكون مرجعا أعلى للخط العربي تحيي ما اندثر منه ، وتتبنى ماديا ومعنويا الخطاطين البارعين ، وتنشئ المعاهد والكليات لتدريسه والعناية به ونشره وتقديمه للعالم بأحسن حلة وعلى أعلى مستوى من الاهتمام ، واستعادة كل ما سرق من لوحات ومخطوطات وتحف وأوان وخزف وأدوات ونقوش وأحجار على مر سنين الاستعمار ، ومن قبله حملات الغزو الصليبي وغيره على الوطن العربي والعالم الإسلامي .   س39- عن تاريخ الخط العربي في الميادين ، كيف تعرف تجارب الإخوة: الدكتور خليل بيرم والأستاذ جميل بيرم والمبدع الفنان نوري العلي ومصطفى العلي ، والإخوة الساعي –مؤيد ومهند وخالد- وآخرين مثل عبد الله الحسني وأسد السوادي وآل عامر العامر ... ؟ وآخرين قد لا تعرف الكثير عنهم ، ولكني أريد منك كلمة قد تفيد ، فهم بشوق لسماع أخبارك ومشاهدة أعمالك !  ج- الحديث عن تاريخ الخط العربي في الميادين حديث ذو شجون ... فوالدي رحمه الله كان خطاطا ، وخالي سعيد الحسن الحمادي الناصيف كان عاشقا للخط أيضا ، وملالي الميادين – عليهم رحمة الله أحياء وأمواتا - كانوا جميعا من ذوي الخط الجميل الأنيق . وكتبة السرايا ومعلمو مدرسة علي بن أبي طالب منذ عهد قديم كانوا من المبدعين في الخط والمهتمين به اهتماما كبيرا ، لكن الأب الروحي للخط العربي المعاصر في الميادين هو بنظري الدكتور خليل البيرم بلا منازع ، فهو أول من كتب الخط على أصوله حبا به لا لغاية مادية أبدا ، وهو الذي حبب الناس في الخط وقدمه على أنه أحد أهم الفنون التي يجب على أهلنا في الميادين أن يفتحوا عيونهم عليه ! والعجيب في ما قدمه الدكتور خليل هو بدايته الأصيلة على خطى قدامى الخطاطين من حيث استخدام القصبة والمحبرة في الخط ، وأذكر اهتمامه بخطي الثلث والكوفي ، وهما أصعب أنواع الخط ، علاوة على إتقـانه لبقيـة   أنواع الخط بالطبع. وقد كتب يوما لوحة كوفية جميلة خصص جائزة لمن يتمكن من قراءتها بعد أن صورها له الفنان العبقري المصور الأستاذ نجـم طعمـة (وهو خطاط ورسام كبير أيضا). وتم توزيع صور تلك اللوحة على المدارس فكانت حديث أهل البلد في الستينات ، وقد كتبت على سطرين متماثلين ، وهي عبارة عن قول ينسب للخليفة الرابع كرم الله وجهه: اعمل لدنياك كأنك تعـيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا والحديث عن الدكتور خليل يحتاج إلى جلسات كثيرة. فهو أستاذي الأول ، ومنه تعلمت الصبر والتأني والتأدب مع الخط واقتران الخط الحسن بالخلق الحسن. وعلى خطاه سار أخي الأستاذ جميل ، الذي تعب كثيرا وجاهد واندفع بحماس منقطع النظير لإتقان قواعد الخط واقتناء كتب الخط ومتابعة أخبار الخطاطين. وقد علم جميل الخط للعديد من زملائه بشكل مباشر أو غير مباشر ، منهم الفنان محمد توفيق الشاكر ، والأستاذ عبد الغفور الحاج اربيع ، والمرحوم الشاعر عبد الكريم صالح العبد الموسى ، والفنان المبدع حمادي السلطان ، والشاعر الكبير مصطفى رديف العلي . وللكثير من تلامذته من الجيل الثاني بعد ذلك . وكذلك الحال بالنسبة لأخي إسماعيل البيرم الذي كان خطه كله رائعا قويا جميلا واثقا أنيقا ، وخاصة عندما يكتب الديواني والرقعة . أضف إلى ذلك أخي المهندس وليد الذي عشق هذا الفن صغيرا وأبدع به كبيرا لاسيما الخط الديواني . أما أخي المهندس صلاح الدين فحدث عن خطه ولا حرج ! أما محمد نوري العلي فقد كان لصحبتي الطويلة معه تأثير كبير في تعلمه للخط لاسيما وأنه شاعر ورسام، فهو ليس ببعيد عن ميدان الخط وفرسانه. وأما أسد السوادي فيعجبني فيه تواضعه مع شدة حرصه على إتقان قواعد الخط وتقديره العالي لما بذله جيلنا من جهد وتضحيات. وأتوقع له مكانة مشرفة بين الخطاطين إذا ما تابع دون كلل أو ملل. ولكوني مغترب لحوالي ربع قرن عن بلدتي الميادين، فيعز علي عدم معرفتي بالجيل الجديد الذين أحترمهم وأتمنى أن يقدروا ما بذله السابقون ، وما عانوا وهيـؤوا من أرضية خصبة زرعت في عقول الناس ووجدانهم أهمية هذا الفن وضرورته. وإن نجاح أي أخ من هؤلاء هو شرف لنا نعتز به ونشجعه ونعتبره وساما على صدورنا ، ويكفي اهتمامهم بفن الخط مفخرة لنا ولهم ولبلدنا ، ذلك أنه من يقتحم خضم هذا البحر المتلاطم الأمواج لابد أن يكون بحارا متمرسا ، وسباحا ماهرا ، وغواصا متسلحا بنفس عميق ومعدات توصله إلى كنوز ذلك البحر الدفينة الكامنة في أقصى قيعانه ، و تعيده إلى شاطئ النجاة. ولشدما يعجبني الخطاط الذي يقدر جهدنا ولا يتسرع في الحكم على ما كتبناه منذ عقود ، بل ينظر لآخر أعمالنا ليكون حكمه منصفا . وكوني لست ابن مدينة مشهورة كبرى في سوريـا فهذا لا يعني أن أبنـاء المدن الكبرى قد سبقونا ، بل لقد أثبتنا للعالم بشهادات أساتذة كبار بأننا نتبوأ مكانا مرموقا بين كبار الخطاطين على اتساع رقعة العالم الإسلامي، وأضع أمامكم شهادات ثلاث من العمالقة وهم : الخطاط العراقي الكبير الأستاذ يوسف ذنون ، والأستاذ المصري الكبير فوزي سالم عفيفي، والخطاط الباكستاني الكبير العجوز المخضرم عبد الله محمد إسماعيل.   س40- ذاكرتك خصبة عن بلدتك –الميادين- بتاريخها وحضارتها وإنسانها الجميل ، كيف تحتفظ بكل هذا الخزان العاطفي الذي ينثر ورودا على الآخرين من مودتك ؟!     ج- حقا إن الميادين تستحق أن نحفر حبها في ذاكرتنا تاريخا وحضارة وحاضرا، كما يحق للإنسان المياديني أن يفخر ببلده وأن يفخر به بلده. وإنني – يشهد الله – لا أجد ذاتي ولا ترتاح روحي إلا لذكرها ومجالسة أهلها والحديث عن شجونها وأحلامها الوردية الجميلة. فالمخزون العاطفي عن الميادين وأهلها هو الذي يلفنا ويحتضننا بحلوه ومره . إن أهل بلدي ينثرون ورود المودة والمحبة والنجاح حيث حلوا. وهذا ما لمسته في الغربة من خلال لقائي بالكثيرين منهم، فكيف لا نعرف الفضل ونرده لأهله ومستحقيه؟! لاسيما وأن مبدعي الميادين ومثقفيها ومفكريها قد شغلوا مناصب حساسة داخل بلادهم وخارجها. وأثبتوا جدارة وتفوقا على أقرانهم ، فكانوا خير رسل لخير بلد حيثما حلوا.   س41- توفي "حلمي حباب" ، ورحـل قبله خطاطون أفذاذ ، وتركوا للخط العربي بصمات وشواهد منارة خالدة ... كيف تقف على ذكرى الراحلين من مبدعي هذا الفن الجميل والصعب؟  ج- رحم الله الخطاط حلمي حباب صاحب الحرف السلس القوي الجميل ، وصاحب البصمة المتميزة في مسيرة الخط. ولأن طوته يد القدر ، وأصبح ماضيا فينا، إلا أن أعماله ستبقى في ذاكرة الأجيال كما بقيت أعمال من سبقوه في لقاء ربهم. الخـط يبقى زمـانا بعد كاتبـه وصاحب الخط تحت الأرض مدفون وأذكر هنا ما فعله رئيس الخطاطين التركي الحاج أحمد كامل الذي حفر رخامة (شاهد) قبره بيده قبل موته ، وترك سنة الوفاة فارغة ، ولما توفي - رحمه الله - حفر تلامذته سنة وفاته ووضعوا الشاهد الرخامي الذي كتبه بيده على ضريحه عند رأسه !! وكم من الخطاطين توفي قبل أن يكمل حلما أو مشروعا كان يراوده ، أو شرع بالعمل به فعاجلته يد المنية قبل أن يكمل ما بدأ به ، كحال الخطاط الفذ هاشم محمد البغدادي الذي لقي الله وهو في الثانية والخمسين من عمره بعد أن كان كل حلمه أن يكمل كتابة القرآن الكريم بخط يده ، وليته فعل ذلك قبل وفاته ، إذا لأتحفنا بنسخة فريدة في كتابة القرآن الكريم لا مثيل لها ، ولكن ما العمل والموت يقف بالمرصاد لكل عظيم حتى يقول لنا ولهم أن لا عظيم إلا رب العرش العظيم ، ولا خالد إلا خالق الموت والخلود ، ورب كل شيء ومليكه سبحانه ؟! إنني أنظر لخطي ولوحاتي ولسان حالي يقول: هل سيذكرني الناس بالخير والدعاء بعد رحيلي؟ فيأتي الجواب عاجلا: " إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا " ، وهذا هو عزائي وراحة نفسي وقرة عيني في الدنيا والآخرة !   س42- تخلو المناهج التربوية في جميع وزارات التربية والثقافة من جماليات أسس الخط العربي ، وإن وجدت أحيانا فتوجد بخطوط رديئة ؛ كيف نحمي أبناءنا من هذا الانحدار الخطير ؟  ج- للأسف، فإلى الآن لم يقتنع القائمون على مناهج وزارات التربية في وطننا العربي بأهمية تدريس قواعد الخط العربي للتلاميذ حسب أصولها وعلى أيدي العارفين بهذه القواعد ، ووفق خطط مدروسة متدرجة لجميع مراحل الدراسـة الابتدائيـة والإعداديـة والثانـوية . وكما ذكرت في سؤالـك فإنهـا إن وجدت فهي منـاهج خجولة    ومتواضعة وهزيلة لا تلبي الحاجات الأساسية للطلاب ، ولا تنمي حب الخط العربي تحديدا لا لدى الطالب ولا لدى ولي أمره ، بل إن تعليم الكتابة الأجنبية كالإنجليزية تلاقي من الاهتمات وتكريس الكتب والدفاتر المخصصة لها أكثر بكثير مما يحظى به الخط العربي من اهتمام مادي أو معنوي. وهنا أكرر قناعتي بأن الخط العربي لا ولي أمر له ولا مرجعية تحميه وتعطيه حقه من الرعاية والاهتمام محافظة عليه، مشجعة على تعلمه ونشر قواعده بين العامة والخاصة. فلو أرادت جهة رسمية ما – تربوية أو ثقافية – أن تتبنى خطة عمل ، فلا بد أن تكون هناك جدية حقيقية وتخطيط مسبق ، ومتخصصون متفرغون ، وميزانية تغطي كل ما تحتاج إليه هذه العملية مهما بلغت متطلباتها . ولنكن صريحين ، فلا إنجاز دون تشجيع وجدية ومثابرة ودعم لا محدود واهتمام على أعلى مستوى ... فلا يمكن أن أتصور أن خطاطا مشهودا له لا يستطيع أن يطعم أولاده خبزا من مهنة الخط !! أليست هذه بالمأساة الحقيقية ؟! لا أدري لماذا تقتل هذه الأمة مبدعيها وتهمشهم حتى ينتهي بهم المطاف إما لسؤال الناس تسولا أو للموت فقرا وقهرا أو للجنون الحتمي مصيرا !! لماذا يعاني معظم خطاطي العصر من الفاقة ؟ ولماذا يعمل كثير منهم بمهن أخرى غير الخط حتى يسد رمقه ويستر عياله ؟! أليست هي الكارثة بعينها أضعها أمام التاريخ ليراها أصحاب اتخاذ القرار والمنصفون ؟! أليس من يمتهن الخط اليوم حسبه الكفاف لا الغنى ويرضيه القليل ؟ ألأنه مجرد "خطاط" لا أكثر ولا أقل ؟!!! لقد ذكرت لكم أن سادة الخط العربي في العصور الغابرة كانوا وزراء ومقربين وتحت أيديهم خزائن الدولة حتى أبدعت أيديهم ما تراه اليوم من آيات عمرانية خطية زخرفية إعجازية نفخر بها أمام الشعوب. فهل تتصور أن قبة الصخرة المشرفة مثلا قد كلف بناؤها الذي أشرف على نفقاته الوزير الأموي الأمين "الرجاء بن حيوة" والتي استغرق تشييدها سبع سنوات كاملة، قد كلف بناؤها خراج مصر كاملا لسبع سنين ونيف؟! وأن كل الخطاطين والمهندسين الذين عملوا فيها قد صرف عليهم بسخاء وجرى تفريغهم كليا للعمل ، وتم إكرامهم من قبل الخليفة بعد انتهاء العمل تكريما أغناهم وحفظ لهم مكانتهم وشرفهم بين الناس ، ناهيك عن التكريم العظيم الذي نالوه عبر القرون من كل من شهد لهم ودعا لهم وسار على خطاهم ! فماذا كانت النتيجة ؟ أن قبة الصخرة ومعها المسجـد الأقصى -شرفه الله- اصبحا آية من الجمال ورمزا للمسلمين في شتى أنحاء المعمورة وارتبط ذكرهما بما أبدعته أيادي الخطاطين والنقاشين والمعماريين الأمينة تلك ، فماذا ينقصنا اليوم لإبداع المزيد من هذه الأعمال الإنسانية الخالدة ؟!   س43- كيف تشرح لنا حسب وجهة نظرك جماليات الخط الثلث والفارسي ؟ ولماذا تتموسق خطوط الديواني والجلي ديواني ؟ ولماذا يكتب الرقعة ؟ وهل من إحصاء لعدد الخطوط الكوفية؟  ج- بعد فتح مصر على يد السلطان العثماني سليم ، أخذ الأتراك خط الثلث عن المصريين الذين كانوا قد تأثروا كثيرا بفناني الأندلس الذين نزحوا إلى مصر بعد سقوط الأندلس ، وجود الأتراك خطي الثلث والنسخ حتى أبدعوا فيهما. كان الأتراك يكتبون الخط الفارسي البهلوي قبل ذلك إلى جانب الخط الأوردي والرومي ؛ وفي عهد السلطان سليم شهد الخط العربي عصره الذهبي وبلغ ذروة مجده وقمة تطوره وازدهاره ، وتبارى الخطاطون في إثبات براعتهم بتشجيع من أعلى سلطة في الخلافة بعد أن استدعى السلطان سليم الخطاطين من مصر وفارس ، فبلغوا بالخط إلى أقصى درجات الكمال ، فاخترعوا الديواني لكل ما يصدر من كتابات من ديوان الدولة ، والهمايوني (جلي الديواني) لكتابة عناوين الكتب الديوانية السلطانية والمراسلات ؛ واعتمدوا الفارسي لكتابة القصائد والبطاقات. أما خط الرقعة   فكان دارجا لكتابة المواضيع والشؤون اليومية العادية في دواوين الدولة ووزاراتها المختلفة ، وفي المدارس بمراحلها الدراسية . أما الخط الكوفي فقد عد الخطاطون أكثر من سبعين نوعا له ، منها ما هو قديم لم يعد يكتب به اليوم كالذي كان في صدر الإسلام ، إلى أنواع الكوفي الأموي الذي طوره الخطاط قطبة المحرر حتى اخترع بعد ذلك خطي الطومار والجليل. ولكل عصر من العصور أنواع متميزة من الخط الكوفي –نسبة إلى الكوفة- فهناك الكوفي الأموي ، والعباسي ، والفاطمي ، والأيوبي ، والمملوكي ، والأندلسي ، والسلجوقي ، والمكي ، والمدني ، والمصري ، والشامي ... وكلها تتفرع إلى أنواع كثيرة أخرى.   س44- تستخدم التكوين المتوازن على حركية الخط وجمالياته ؛ لتحدث الإيقـاع الذاتي لقوة جمال الخط العربي . إلى متى تبقى الأشياء فيك صارمة وتقليدية ؟ وما مقدار أهمية الأسس الأولى لجماليات روحية الخط العربي ؟  ج- اسمح لي أن أشكرك على انتقائك لكلمات وصفية جميلة معبرة تدل على تقديرك العالي –كفنان ذي ذوق رفيع- لما تراه من تكوين خطي متوازن جميل ذي إيقاع مؤثر يلامس خلجات النفس الرقيقة الشاعرية المتفهمة لما وراء حركة الحرف وانسيابه وتداخل تراكيبه وحسن تكوينه ورشاقته. هل رأيت الجمهور يقف مصفقا لمطرب كلما أجاد وأنهى مقطعا من أغنية ، أو شاعر ألقى بيتا بطريقة تثير الإعجاب والاستحسان؟ كذلك الأمر بالنسبة للخطاط المتمكن ، فإنه يستحق أكثر من هذا التصفيق والإعجاب كلما أجاد في كتابة حرف أو أنهى كلمة أو لوحة بطريقة تسلب الألباب وتحبس أنفاس المتذوقين والمحبين ! إن الصرامة والأسلوب التقليدي المحافظ للخط واحترام أصوله هي السر في عظمة كل من الخط والخطاط معا . تلك هي المبادئ والأسس الراسخة التي أعطت ومازالت تعطي للخط روحانيته وجماله وقوته ، وهيبته وتأثيره ... ولو ترك الحبل على الغارب لكل من أمسك قصبة ليكتب ما يشاء دون رقابة صارمة وقيود متحكمة للحفاظ على الأصالة وعدم كسر القاعدة الحرفية ، إذا لأصبح الأمر فوضى ، ولقتل هذا الفن ودفن منذ زمن بعيد على أيدي العابثين والمتطفلين والمتسلقين لهذا الهرم العظيم دون دراية بماهيته ودون إعداد أو عدة أو تحضير أو علم أو إلمام أو حتى مسؤولية ! فتكون النتيجة الطبيعية هي بقاء هذا الهرم راسخا عنيدا شامخا ، وسقوط هؤلاء المساكين إلى الهاوية !!   س45- هل تعرف نتاجات من يكتبون حديثا في سوريا ويفوزون بجوائز تقديرية ، كخطوط عبيدة النبكي ومحمود القاضي من دير الزور ، وعدنان الشيخ عثمان وفاروق حداد وآخرين ؟  ج- سمعت بأكثر هؤلاء الإخوة ، ولكن بعدي عنهم في المهجر حال دون تواصلي مع أي منهم . وإن الجوائز التي ينالها هؤلاء الإخوة هي مفخرة لنا جميعا. كما أنني لم أطلع على كتابات أي منهم ، ولعل الأيام تجمعنا قريبا –بإذن الله- فيكون لنا حديث واتصال خدمة لهدف سامٍ واحدٍ نلتقي عليه جميعا وهو الخط.   لكنني كنت على اتصال مع الرعيل الأول من شيوخ الخطاطين وخاصة في مدينة حلب التي أحبها كثيرا ، من أمثال الصابوني والرفاعي والمولوي. كما عملت خلال فترة دراستي الجامعية (74-78) مع الرسام العالمي جاك إبراهيم الذي كنت أكتب له بخطي على ما يرسم من لوحات وصور وأغلفة وجداريات غاية في الروعة.   س46- ماذا عن خط الطغراء ؟ وكيف تعرفه لنا جميعا ؟ ولماذا كان هذا الخط سلطانيا ؟ وما إشكالية هذه المقولة؟  ج- خط الطغراء من الخطوط المظلومة المنسية التي غطاها غبار الإهمال والنسيان. حتى إنك لترى الكثيرين لا يعرفون شكله وإذا ما رأوه لا يعرفون اسمه. ولعل الأيام الذهبية لهذا الخط كانت إبان الخلافة العثمانية حينما اعتمده السلاطين العثمانيون رسميا لتواقيعهم وضربوه على الليرة الذهبية العثمانية المتداولة حتى أيامنا هذه. وطالما زين هذا الخط النحـور لأن مكانه الطبيعي المتميز هو ليرة الذهب على صدر حسنـاء تقدره وتفخر به. وكان بعض السلاطين العثمانيين يكتبه بخط يده ويعتمده ختما للدولة كما فعل السلطان محمود خان الثاني. وكان الخطاطون المعاصرون لهؤلاء السلاطين ينقلون هذه الأختام الطغرائية في لوحات كبيرة تزين دواوين الخلفاء. ونادرا ما ترى لوحة بخط الطغراء داخل المساجد الكبيرة المشهورة في العالم الإسلامي نظرا لطغيان خطي الثلث والكوفي في هذه الناحية ، ولصعوبة قراءة الطغراء من قبل العامة من ناحية أخرى.   س47- كيف تعرف جماليات الخط العربي مع المرأة ؟ ولماذا تغيب / الخطاطة / المبدعة عن هذا الفن الذي قد يناسبها كثيرا ، وقد ينسجم معها في أشكال شتى ، من طبيعتها إلى طبيعة التكوين الجمالي للخط ولها ؟  ج- باعتقادي فإن المرأة هي أكثر من يقدر جمالية الخط العربي وحلاوة تراكيبه لأنها تلامس عواطفها وأناقتها، ولأن المرأة بطبعها محبة للمسة الفنية الجميلة المرتبة الزخرفية المبدعة ، فهذا جزء من تركيبة شخصيتها ، وإن حركة الحروف المتداخلة والزخارف المتكررة تلتقي حتما مع انفعالات المرأة وأحاسيسها القـلقة غالبا والحذرة أحيانا ، ولكنها تبقى متفائلة حالمة تعيش على إيقاع المعنى أكثر من عيشها على واقع الشكل وإن كان جذابا ينال إعجابها وتقديرها. ولعل تهيب المرأة من دراسة قواعد الخط وضبط صورته، واحتكار الرجال لكتابة لوحات المساجد والقصور ومراسلات الخلفاء والملوك والأمراء والولاة ، وعدم التشجيع من ناحية أخرى ، كل هذا أدى إلى ابتعاد المرأة عن خوض غمار هذا الفن على مر العصور إلا من حالات نادرة جدا كالخطاطة التركية القديرة أسماء عبرت –رحمها الله- التي نافست العظماء من خطاطي عصرها وتفوقت عليهم !! ومازالت خطوطها تشهد بروعة الأداء وقمة الإتقان وروح الإخلاص الذي وصلت إليه هذه المرأة الخطاطة. ومنهن الخطاطة القديرة زينب شهدة ست الدار التي كانت أستاذة الخطاط العملاق ياقوت المستعصمي المسمى بقبلة الكتاب!! ومن هنا فإنني أحمل المرأة اليوم جزءا من المسؤولية عن هذا التقصير الظاهر في مجال الخط كتابة ونقدا. علما بأنني أعتقد أنه إذا ما أتيحت لها فرص حقيقية مقترنة بتشجيع واهتمام رسمي عالٍ ، فإنها لن تكون أقل من الرجل في هذا المجال، لاسيما إذا ما تفرغت للعمل بغطاء مادي سخي كافٍ ومقنع. وأنا أناشد وزارات الثقافة والتربية تحديدا تخصيص معاهد وكليات لتخريج الخطاطين من الجنسين ، ومنح أعلى الشهادات في هذا المضمار ، وفتـح    المجال للشباب للعمل والإبداع وإثبات الذات وتفريغ تلك الطاقـات الكامنة خدمة لبلادنا الحبيبة، وحفاظا على تراثنا الغالي العتيد !   س48- متى وكيف يكرم الخطاط ؟  ج- يكرم الخطاط فقط عندما يكرم الخط نفسه ! إذ لا يمكن أن نتحدث عن تكريم للخطاط ونحن نرى إهمال الخاصة والعامة له على كل صعيد ! فإذا ما شهدنا نهضة خطية حقيقية ، وتقديرا يليق بهذا الفن العظيم ، فإننا نعتبر ذلك هو التكريم الحقيقي لنا وللخط ولمتذوقيه وعاشقيه .  مازلت أذكر بعض أساتذتي الأفاضل ( كالأستاذ محمد الحمش والأستاذ عبد القادر الدهش والأستاذ حيدر الضيف ) عندما كانوا يطلبون مني في درس الخط أن أكتب بيت شعر أو حكمة يعطوني إياها مكتوبة ومشكلة على ورقة ، ويسطرون لي لوح الفصل بالطباشير حيث أقوم بكتابة ذلك السطر بخ

  1
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال