الميتافيرس .. حقبة انقراض الانسان العضوي

16 فبراير  .   6 دقائق قراءة  .    711

METAVERSE ILLUSTRATED IMAGE

 

 

منذر ابو حلتم

 

في تطور يشبه كثيرا ما نشاهده في اكثر افلام الخيال العلمي خيالا وميتافيزيقية ..نشهد اليوم ظهور التقنية الجديدة والتي تبدو حتى الان غامضة وغير مفهومة بالنسبة للكثيرين والمسماة ( ميتافيرس ) .. 

فما هو الميتافيرس  ؟ وكيف سيؤثر على حياة البشر ؟ وهل هو تقنية  حديثة وجدت فجأة ام هو تطور تدريجي تم التمهيد له منذ زمن طويل ؟ وهل يمكن ربط ظهور هذا الميتافيرس بما نراه حولنا في عالمنا الواقعي الحقيقي من اوبئة وامراض وحروب وتدهور اقتصادي يشمل كافة دول العالم ؟  

نعود للسؤال الاهم .. كيف سيؤثر الميتافيرس على حياة البشر وسلوكياتهم التي تمس صميم حياتهم ووجودهم ككائنات ذكية تعيش في هذا العالم ؟

للاجابة على هذا التساؤل لا بد لنا من العوده قليلا للواقع .. والقاء نظرة على اثر وسائل وتقنيات التواصل الاجتماعي ومنها ( الفيسبوك وتويتر وانستجرام وسناب شات وتوك توك الخ ) .. فهل كان لهذه التقنيات تأثير على الحياة الاجتماعية للبشر ..وعلى سلوكهم الاجتماعي بغض النظر عن اعمارهم وجنسهم وتواجدهم الجغرافي ؟

لا يختلف اثنان على الاقرار بحجم تأثير وسائل التواصل والذي قلب موازين السلوك البشري بحيث اصبح التواصل الافتراضي عبر هذه المنصات هو البديل عن اي تواصل مادي حقيقي بين البشر .. ليمتد هذا التأثير ليشمل كافة نواحي الحياة .. فهذه المنصات لم تعد مجرد وسيلة للاتصال او التسلية بل اصبحت اساسيات للعمل والتسويق والتجارة والتعليم والاعلام .. وامتد سوق العمل بها لتتحول هذه المنصات الى مؤسسات عملاقة تتجاوز قيمتها السوقية تريليونات الدولارات .. بحيث اصبحت القوة الاقتصادية للفيسبوك مثلا اكثر قوة من كافة حقول النفط المنتجة في العالم العربي مثلا ..

واصبح هذا الجهاز السحري ( الهاتف المحمول )  الذي تفوق على مصباح علاء الدين في متناول كل انسان سواء كان طفلا ام عجوزا .. متعلما ام جاهلا .. متدينا ام منحرفا .. فهو يتيح لكل انسان ما يريده .. ولهذا اصبح مألوفا جدا ان تشاهد البشر في الاماكن العامة والخاصة وقد شخصوا بابصارهم الى شاشات هواتفهم الذكية مستغرقين في عوالمهم الخاصة منعزلين وزاهدين في العالم الحقيقي الواقعي ... منجذبين الى عالم يظهرون فيه انفسهم بالصورة التي يحبون .. عالم كل من فيه مثالي .. لا تشكل في حواجز الحدود الجغرافية او اللغوية حاجزا امام تواصل مفتوح بلا حدود ...

عمليا .. اصبح الجميع مدمنا على هذه الوسائط حيث تشير الاحصائيات الى  ما يلي :

  • 4.48  مليارات شخص يستخدمون وسائل التواصل (بحسب إحصائيات يوليو/تموز 2021)، ويشكل عدد مستخدمي وسائل التواصل حاليا نسبة 56.8% من سكان العالم.
  • 520 مليون مستخدم جديد انضموا إلى استخدام وسائل التواصل في الـ 12 شهرا الأخيرة من يوليو/تموز 2012.
  • تشير تلك الأرقام إلى أن أكثر من 9 من كل 10 مستخدمين للإنترنت يستخدمون الآن وسائل التواصل.
  • يملك الشخص العادي حسابات على أكثر من 9 شبكات تواصل مختلفة.
  • يستخدم الشخص العادي أو يزور بنشاط ما متوسطه 6.6 منصات وسائط مختلفة كل شهر، ويقضي ما يقرب من ساعتين و30 دقيقة باستخدام وسائل التواصل يوميا.
  • %91 من مستخدمي وسائل التواصل يصلون إليها عبر أجهزتهم الجوالة.
  • على فرض أن الناس ينامون ما بين 7 و8 ساعات يوميا، فإن الأرقام الأخيرة تشير إلى أنهم يمضون نحو 15% من حياة اليقظة يستخدمون وسائل التواصل.
  • يمضي العالم أكثر من 10 مليارات ساعة يوميا يستخدم وسائل التواصل، وهذا يعادل نحو 1.2 مليون سنة من عمر الوجود البشري.

هذه المعلومات تشكل دليلا واضحا على مدى تأثير هذه الوسائط على البشر وحياتهم وبشكل مباشر ..حيث يمكن القول بثقة انه خلال العقدين الاخيرين تم ربط معظم البشر بهذه المنصات التي تقدم خدماتها ( المجانية ) للناس واعدة المشتركين بدخول عوالم تتسم بالحرية والتحرر من كل القيود عالم يمارس فيه الجميع احلامهم وطموحاتهم التي عجزوا عن تحقيقها في حياتهم الحقيقية الواقعية .. عالم اختلط فيه الحابل بالنابل وامتزج فيه الحقيقي بالوهم .. بحيث اصبح الانسان يعيش حياتين يتصارع فيهما بين واقع يربطه بعالم قد لا يكون بمثالية وجمال الواقع الافتراضي الذي يصبخ اكثر واقعية يوما بعد يوم ... اصبح الاغلبية عبيدا لهذا الاله الجديد الذي يمنح العوالم الجديدة للبشر .. عالم يعرف من يديره كل شيء عنك .. يعرف حركاتك وسكناتك .. اهتماماتك .. اقاربك .. معارفك .. هواياتك .. افكارك .. صورك وصور كل من تعرف .. ولكن كل هذه السطوة الدكتاتورية ليست بالمثالية التي يتصورها البعض .. فهي تتيج لك الحرية مالم تتجاوز خطوطهم الحمراء وسياساتهم التي يفرضونها .. والتي ان تجاوزتها سوف تعاقب بالتجميد او الحذف ( الاعدام الافتراضي ) في عالم اصبح يكاد يصبح  اكثر اهمية لدى البعض من حياتهم الواقعية ...

 

حسنا .. ماذا عن الميتافيرس ؟ وما علاقته بكل ما سبق ؟

 

الميتافيرس عمليا هو المرحلة القادمة من كل ما سبق ..وهي الخطوة الاكثر خطورة واهمية ..فبعد ان تم انجاز الخطوة الاولى عبر ربط معظم البشرية بحبال تقنيات التواصل الاجتماعي بحيث اصبح من الصعب تخيل الحياة بدونها خاصة وانها تعمقت وتغلغلت في كافة مناحي الحية تعليميا واعلاميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا .. تجيء الخطوة الجديدة ( الميتافيرس ) لتجعل البشر جزءا اساسيا من العالم البديل الافتراضي .. !

عالم يتحول فيه الافتراضي الى حقيقي ملموس .. يعيش الانسان بداخله حرفيا .. حتى الان كان التفاعل والتواصل مع العالم الافتراضي يتم عبر شاشات الهواتف الذكية او شاشات الكمبيوتر وكانك تشاهد التلفاز مثلا .. اما في عالم الميتافيرس فانت تدخل هذا العالم .. تتجول فيه .. تلتقي باناس اخرين تحاورهم وتتفاعل معهم ... دون الحاجة الى شاشات الهاتف او الكمبيوتر وباستخدام نظارات الواقع الافتراض ثلاثي الابعاد وسماعات الواقع الافتراضي ايضا .. واستخدام قفازات تتيح لك لمس الاشياء وحملها والاحساس بها ..  في الحياة الواقعية نحن نبني معارفنا وتواصلنا مع الحياة باستخدام حواس التواصل الاساسية وهي البصر باستخدام العين والسمع باستخدام الاذن واللمس باستخدام الايدي بما تحتويه من اعصاب اللمس والاحساس ... في عالم الميتافيرس يتم ربط حواسك هذه بنظارات وسماعات وقفازات تتيح لك التعامل مع الواقع الافتراضي كواقع حقيقي تماما تعيش انت فيه  .. تراه حولك وتسمعه وتلمسه ..

اذن الميتافيرس هو عالم افتراضي ثلاثي الابعاد يتيح لك ان تعيش في عالم اخر وحياة اخرى .. حياة تختار فيها انت شكلك وجنسك ولونك وملابسك .. وتبني علاقاتك وبيتك وعملك ومكتبك .. قد يبدو هذا جنونيا بالنسبة للبعض وخياليا وبعيدا  عن الواقع .. الا ان الامر اصبح جديا .. هناك الان سوق للعقارات مثلا في عالم الميتافيرس بحيث اصبح سعر الشقة هناك اعلى من سعر شقة في الحياة الحقيقية .. وهناك بنوك حقيقية افتتحت لها فروعا هناك .. يعمل فيها موظفون حقيقيون .. 

حتى الان يبدو الامر مسليا ومثيرا .. وقد يعتبره البعض نوعا من الترفيه .. لكن الامر ليس للتسلية اطلاقا .. فمؤسسة مثل الفيسبوك حين تغير اسمها الى ( ميتا فيرس ) وتضخ المليارات للاستثمار في تطوير هذا العالم وتصنيع ادواته .. وظهور عوالم اخرى منافسه .. حيث اعلنت مايكروسوفت وجوجل عن البدأ بالاستثمار في هذا المجال .. ناهيك عن الاعلان الصيني عن عوالم اخرى يتم انشاؤها ايضا .. كل هذا يؤكد ان الموضوع ليس للتسلية ..

 

ماذا بعد  ؟

 

اذن هل الميتافيرس هو الجنة الموعودة ؟ وهل هي صدفة ان يأتي الاعلان عنه بعد سنوات من رعب العالم من وباء كورونا  الذي اغلق الكوكب .. وجمد الاقتصاد والحياة وحول العالم مجبرا الى التوجه لتكنولوجيا التواصل من اجل العمل والتعليم والتجارة وكل ما يتعلق بالنشاط البشري ؟

وفي وقت نرى فيه العالم الحقيقي يعج بالحروب والاوبئة والكساد والبطالة .. والمشاكل الاجتماعية وانهيار الاسر والعزوف عن الزواج كطريقة تقليدية لانشاء الاسرة التي كانت تشكل نواة المجتمع .. عالم تراجع فيه التعليم والمعرفة والثقافة .. عالم يفقد بتسارع مخيف كل القيم والعادات وحتى القناعات الدينية والعقائدية .. عالم يتسم بالخوف والقلق والافق المجهول ... يجيء الميتافيرس ليفتح عالما جديدا بديلا وحياة بديلة ..

قد يبدو الامر منطقيا بل وجميلا  لدى البعض ولكن لنعرف ان الامر يجري التمهيد له منذ سنوات .. فالهواتف الذكية وشاشات الكمبيوتر ستختفي خلال سنوات قليلة جدا لتحل مكانها نظارات الواقع الافتراضي والسماعات الذكية التي يجري تطويرها بحيث ستصبح قريبا وكانها نظارات عادية او عدسات يمكن ان توضع داخل العين ..

وخلال زمن ليس طويلا سيعيش جزء كبير من البشر في العالم البديل خاصة اذا توفر لهم العمل هناك .. حيث سيمارسون حياتهم الاجتماعية بعيدا عن سلبيات الحياة الحقيقية .. وشيئا فشيئا ستنقطع علاقتهم بالواقع الحقيقي بحيث يصبح مجرد تواجد لأجساد عضوية مرتبطة باجهزة العالم الافتراضي في مشاهد تشبه كثيرا فيلم الخيال العلمي الشهير ( المصفوفه ) مع بعض الاختلاف في التقنية فقط ..

يمكننا ان نتصور ضمن سياق التطور المتصاعد انه ستطرح بعد سنوات تساؤلات حول مشكلة هذه الاجساد العضوية المكونة من لحوم وشحوم والتي تحتاج الى طعام وشراب وتحتاج الى صيانه وعلاج  وللتخلص من الفضلات ..والتي اصبحت تشكل عبئا على اصحابها ...ستظهر نظريات وافكار للاستغناء عن هذه الاجساد .. فهي اجساد مهمتها فقط تزويد الدماغ بحاجته من الطاقة والاكسجين للعمل كي يبقى متصلا بالعالم البديل .. فماذا لو وجدنا طريقة لتزويد الدماغ بما يحتاجه دون الحاجة لهذه الاجساد العضوية المعرضة للامراض وللشيخوخه والفناء ؟ ماذا لو تم تزويد الدماغ بما يحتاجه دون الحاجة لجسد عضوي يتكون من شحوم ولحوم وسوائل وفضلات ؟ .. بالتاكيد سيرحب الكثيرون بالفكرة ... ولو سافرنا في الزمن اكثر .. قد نجد من يطرح فكرة استبدال الدماغ ذاته بدماغ الكتروني يمكن نقل كل افكارك ومشاعرك واحاسيسك اليه .. فما الحاجة لدماغ يتكون من خلايا عضوية قابلة للفساد والامراض اذا توفر البديل الذي يتسع لنفس الافكار .. لكنك هنا لن تحتاج للنظارات والسماعات والقفازات لانك ستكون مرتبطا مباشرة بالعالم الجديد .. وجزءا اساسيا منه ..

قد يبدو كل هذا وهما اقرب للجنون .. لكن كل هذا قد بدأ فعليا ..واصبج الميتافيرس واقعا .. وهي مسألة وقت فقط قبل ان يستبدل كل فرد هاتفه النقال بنظارات الواقع الافتراضي ليعيش حياته الاخرى هناك  في عالم يتحكم فيه من انشأوه ليضعوا قوانينهم  في عالم جديد تماما لا نعرف عنه الكثير .. وليترك جسده هنا .. هذا الجسد الذي سيتم الاستغناء عنه بالتدريج بحجج كثيرة منها على سبيل المثال .. الامراض والاوبئة .. مشكلة الغذاء العالمي .. مشاكل البيئة والتلوث .. والكساد والانهيار الاقتصادي .. وغيرها .. اما من يرفض ذلك ويقاومه فسيجد نفسه بعد سنوات قليلة منعزلا عن العالم الجديد .. وقد يضطر للحياة في زمن العصور الحجربة خين تخلو الحياة الواقعية من كل ما نعرفه من ادوات للحياة كالعملة ووسائل التواصل والتعليم والحياة التي كنا نعرفها ...

  4
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال