02 فبراير . 8 دقائق قراءة . 698
يُحدث النمو الاجتماعي نقلة نوعية في الطفولة المتأخرة تكون تجلياتها في حياة الجماعة والتي من أهم خصائصها: حب الرئاسة، وعلاقات الصداقة.
يطغى على هذه الفترة جو من التعاون والمحاكاة اللذان لا يخلوان من المنافسة، حيث يتجه الطفل إلى اللعب الذي عن طريقه تتشكل الصداقات، كما أن سلوكه الاجتماعي يتصف بنوع من الثبات والتآلف ويتباهى بانتمائه إلى الجماعة، لذلك تدعى هذه المرحلة بـ "team". فهذه الظاهرة تعتبر طبيعية جداً في هذه المرحلة وتبدو بشكل واضح عند الذكور أكثر منها عند الإناث، كما أن القوانين التي تضعها هذه الجماعة هي التي تمايز بين فريق وآخر والتي تعتبر معيار لتعاطيه مع الآخرين. وعموماً إن الانتماء لفريق يؤدي أهدافاً هامة بالنسبة للطفل والمجتمع، فهو يضاعف من قدرة الطفل على اكتساب روح العمل الجماعي كون أن العلاقات الاجتماعية تزيد من شعوره بمسؤوليته الفردية والجماعية، وتساعده على اكتساب الكثير من الخبرات والمهارات الجديدة، وتمنحه القدرة على التكيّف والتأقلم بسلوكه، بما يتوافق مع الحياة الاجتماعية للآخرين وهو ما يعتبر هام جداً لما يسمى "التوافق الاجتماعي" (بشناق، 115)
“...إما أن ينمو دور القائد وإما دور التابع”
-
إن شدة تمسك الطفل بمبدأ الفريق غالباً ما تؤدي إلى تفضيل معاييرها على حساب معايير الأسرة، ويكون العكس صحيح عندما تتعارض جماعة الرفاق وقوانينها فيبدي انحيازاً إلى الموافقة على آراء والديه في حال كانا متقبلين له. علماً أن جماعة الرفاق تبقى دوماً مصدر رئيسي في تحديد نمو الطفل الاجتماعي، فمن خلال التفاعل سيقوم بتعلم الكثير عن طريق عملتي التعاون والتنافس. وهنا تظهر خصائص الطباع، فإما أن ينمو دور القائد وإما دور التابع، وتتعزز بذلك عملية الاستقلالية أو الارتباط[1].
من مظاهر نمو الطفل الاجتماعي قدرته على الضبط بحسب ما تعلمه من قيم اجتماعية وذلك بسبب احتكاكه بمجتمع الكبار، فتبدو واضحة جوانب من السلوك الاجتماعي والتي تعتبر من أهمها عملية "التطبيع الاجتماعي"، وتزداد ي في هذه المرحلة أيضاً حالة التعلق بالكبار وحب فكرة البطولة. (المرجع السابق، 119).
يتضح مما سبق أن هذه التبدلات في الناحية الاجتماعية تعد الطفل للخوض في عالم أرحب وهي: استعداد للنقلة نحو مرحلة المراهقة، لذا يجب على المربين أن يعيروا اهتماماً كبيراً لهذه التبدلات وأن يعوا تماماً ضرورة الحاجات الاجتماعية عند الطفل، من خلال بناء علاقات خاصة تعبر عن فرادة شخصيته التي تعده لبناء شخصية متكاملة[2] (زيدان، 205) .
نصل إلى النقطة المحورية لطرحنا السابق بأسره على ضوء فهمنا لخصوصية المرحلة والتي بناء عليها نستطيع أن نبني مجموعة من الأساليب والأسس التي تخدم المرشد الاجتماعي في عمله للمساعدة في تكوين شخصية ناضجة متكاملة وذلك عبر تبني المؤسسات الاجتماعية ما توصلت إليه النظريات العلمية في التربية والتوجيه ومنها نقترح البنود التالية: (مختار، 106 - 108 و Beirnaert ، 25-39).
أ. تعلم المهارات الجسمية الضرورية للألعاب الشائعة
هدف المسؤول الإرشادي (المرشد الاجتماعي) هو تحقيق حياةٍ نفسيةٍ متوافقةٍ تتم عبر الأنشطة التي يجب على كافة المشتركين أن يكون لهم نصيبٌ فيها بحيث لا يُستثنى أحدٌ من الذين يشملهم نشاطٌ ما. (التلي، 209).
يجب دائما اللعب معهم بألعابهم ومشاركتهم هواياتهم وتوجيههم بشكل غير مباشر خلال هذا اللعب، بالطبع فإن المرشد لا يستطيع القيام بدور الأهل بأن يشاركه اللعب يومياً، ولكن من خلال معرفته الشخصية يستطيع أن يبتكر ما هو ملائم لهم ومفضل. ومن أمثلة الألعاب التي يمكن اللعب فيها في هذا العمر: ألعاب القلم والورقة وألعاب التذكر وألعاب الفك والتركيب كالبازل، هذا بالإضافة إلى ما سبق ونوهنا إليه -أي- حبه لقراءة القصص أو سماعها.
ب. تعلم التعامل مع أقرانه من نفس السن
كلما أمكن إشراكه في الأنشطة الجماعية الهادفة، فمن الممكن أن يتم التعاون مع باقي النشاطات الاجتماعية، فذلك يعطي مساحة أوسع للعمل على تنمية الشخصية والفكر، وتكريس فكرة الانتماء للجماعة.
"....من المهم أن يقوم المرشد بتوعية جنسية على أساس علمي"
-
ت. تعلم دور جنس ملائم سواء كان ذكرياً أو أنثوياً
هنا عادة ينصح بفصل الذكور أو الإناث في نهاية هذه المرحلة إذ من المهم أن يقوم المرشد بتوعية جنسية على أساس علمي يماهي به بين ما يأخذونه في المدرسة ويتعلمونه في المحيط الاجتماعي. كما عليه تعزيز الهوية الجنسية من خلال طرح قصص الأبطال التي تخص الجنس المسؤول عنه. ولمعالجة الأوضاع الصحية في هذا المجال وأيضاً الأوضاع الخاطئة يجب إقامة ندوات بهذا الخصوص، ومن المفيد الاستعانة بأصحاب اختصاص يقدمون المزيد من الآراء المساعدة لتوطيد العلاقات الصحيحة. (التلي، 211).
ث. المساهمة في تنمية المفاهيم الضرورية للحياة اليومية والمهارات الأساسية في القراءة والكتابة
في بداية اللقاء أو خلاله من الضروري أن يقوم المرشد بالتواصل مع الأولاد بشكل شخصي من خلال السؤال، وكلما نمت الثقة كلما أدى ذلك إلى إمكانية التعامل بشكل أسري والولوج إلى بعض تفاصيل حياتهم واستعمال الدعابة. من المحبذ في كل لقاء أن يقوم بالعودة إلى اللقاء السابق ليحاول أن يتذكر معهم ولو بعض التفاصيل، وعليه عند الاستذكار أن يخترع وسائل إبداعية بالتعبير الجسدي، الارتباط الشرطي بين ما يصعب عليه حفظه، التمثيل الدرامي للتاريخ.
ج. تنمية الضمير والخلق والمعايير القيمية وبناء اتجاهات صحيحة نحو الذات ككائن نامي
للنشاط بابٌ واسعٌ نحو التجديد والابتكار وأكثر ما يرغب به الأولاد هو أن يحققوا ابتكارات ولو كانت صغيرة بالرغم من طموحاتهم الكبيرة، ولكن الهدف الأساسي الذي لا يجب أن يغيب عن فكر المرشد وتعليمه هو الهدف البنيان النفسي والاجتماعي السليم الذي يصل إلى شخص المرشد أيضاً. فالتنمية الإرشادية التي تتكامل مع مرحلة البلوغ والنضج هي إيصالهم للصداقة معهم واكتساب المعارف اللازمة.
ح. تحقيق الاستقلال الشخصي
والمرشد الناجح يربط رعايته بمحبته بعيداً عن قوله السلبي الذي يتضايق منه الأولاد عند استعمال كلمة (لا) لأكبر الأمور وأبسطها، بل أن تكون قاعدة أوغسطينوس: (أحبب وافعل ما تشاء) هي الملازمة للغة المرشد والتي تبني شخصية الطفل في تحمله للمسؤولية التي سيحتاجها أكثر عندما يكبر. وهي أكبر هدية يقدمها له.
يجب على المرشد أن يخترع ويبتكر مسؤوليات يفرقها على كل طفل، كل حسب موهبته أو حسب ما ينقصه بشرط أن يعزز استقلالية الطفل ويغلب الضعف الذي قد يوجد. بالتالي لا يجب أن يكون الاهتمام المحض هو عناية فحسب، أو أن يكون بشكل أوامر.
خ. تنمية اتجاهات سليمة نحو الجماعة والمؤسسات الاجتماعية
وذلك من خلال:
- تنظيم زيارات دورية لمؤسسات رعاية مجتمعية والتي قد لا يسمح محيط العائلة أن يكون الاشتراك دوري وبشكل متواظب.
- فمن الممكن الاستعاضة عن اللقاء داخل غرفة، بالمشاركة مع مجموعات أخرى من نوادي ثانية.
- ولزيارة المؤسسات الاجتماعية وخاصة في المناسبات والأعياد أهمية في تعميق هذا الارتباط مع الجسم الاجتماعي، وتفتح باب التعاون في المستقبل مع المؤسسات الخيرية العامة في المجتمع.
"..على مؤسسات الرعاية المجتمعية برمّتها أن تصير مَصحَّاً لأولادها"
-
ختاماً وبناءً على ما تقدّم تتبين الأهمية المركزية لهذه المرحلة من العمر وهو ما دعانا للخوض أكثر في تفاصيلها والتي قد لا تتفق من حيث التقسيم عند الدارسين لذات السنوات وإنما من حيث المضمون هناك تطابق شبه تام للخصائص والدور الإيجابي والسلبي وأهمية كل من نواحي النمو الجسمي والعقلي والأخلاقي والاجتماعي وآثارها على الأولاد في هذه الشريحة الواسعة.
دون أن نغفل أن ثمار هذا الإرشاد تظهر في الزمن اللاحق حيث يتنامى الإحساس بالانتماء الاجتماعي.
لهذا على مؤسسات الرعاية المجتمعية برمّتها أن تصير مَصحَّاً لأولادها في كافة أعمارهم تساعدهم على أن يشبّوا داخلها أكفاء في عملهم أصحاء نفسياً، والمساعدة بقدر الإمكان أيضاً على الصحة الجسدية، حينئذٍ يصيروا قادرين على تحمل المسؤولية في إطار دنياهم بما فيها من أفراح ومتاعب دون التعرض للخوف والقلق وضعف الثقة بالنفس ودون التوتر النفسي والتعاسة التي تُسبب تأثيراً سيئاً على صحتهم النفسية.
[1] وذلك ما يذكره العالم إريكسون في نظريته عن التطور النفسي الاجتماعي لدى الطفل في هذا العمر.
[2] يرتبط هذا مع ما نتائج أبحاث العالم كولبير حول النمو الخلقي.