25 أغسطس . 2 دقيقة قراءة . 452
الجزء الأول:
ماتت الكاتبة... فتاه أبطال حكايتها في أروقة النهايات.
هذه خلاصة قراءتي لمسودة قصةٍ كانت تكتبها هديل قبل وفاتها.
فمَن هي هديل؟...
هديل أنثى خُلقتْ في محبرة، فكانتْ نقطة حبرٍ كونية، في عقلها نبعُ حكاياتٍ لا ينضب.
عرفتها خلال دراستها الجامعية، عندما زارتني للمرة الأولى في دار النشر، يسبقها عطرها وثقتها بنفسها، متأبطة ملفاً أحمر اللون فيه كتاباتها- لم يكن اختراع الكومبيوتر قد عُرف بعد. قدَّمته لي وعلى ثغرها ابتسامةَ الأقحوان، وفي عينيها... حقل قمح.
عشقتها... ولم أبح لها...
أنهتْ الماجستير تزامناً مع ولادة أول مجموعةٍ قصصية لها.
أقمتُ لها- برعاية دار النشر طبعاً- حفل توقيع لإطلاق كتاباتها وتعريف مجتمع الكتَّاب إليها. قبل ختام الحفل، طلبتُ يدها للزواج... فكانت هي عرس الأدب وعروسه.
أنجبت لي رامي الحبيب، نسخة مختلفة عنا كلانا، هو فارس العلوم بامتياز، أنهى دراسته الثانوية في لبنان، وحمل طموحه إلى بلاد الاغتراب.
أكتب هذا ودموع القلب تشارك دموع العين في التفجّع، فحبيبتي هديل أحبها الله فاستعادها... لا عجب، فهي ملاكٌ مكانها السماء.
ذات ليلةٍ من شهر نيسان/أبريل، وبعد سهرة عامرةٍ مع ولدي رامي العائد في إجازة إلى الوطن، زارتني في الحلم، كانت ترتدي الأبيض كما لو أنها ملاك. عاتبتني لأنني أهمل كتاباتها وأبطال حكاياتها! وقالت قبل أن تغيب عن ناظري: أبطال حكاياتي في عهدتكَ الآن...
استفقتُ وما زال عبير عطرها يتضوع في الغرفة... تلك الليلة تحديداً قررتُ أن أفتح اللابتوب خاصتها، وكانت تلك المرة الأولى التي أقحم فيها نفسي بخصوصياتها.
أشغلته وانتظرتُ... نورٌ ساطعٌ أضاء عتم الغرفة، ثم!... يا إلهي ما هذا!؟
وجه رجلٍ في الشاشة تنفس الصعداء وقال: أخيراً... كدتُ أموت اختناقاً.
نظر إليَّ وكأنه استهجن وجودي وقال: لكن!... مَن أنت؟
كادتْ المفاجأة تقضي عليَّ، كنتُ على وشك الموت رعباً... ربتَ رامي على كتفي وقال: اهدأ يا أبي... لا تخف... لقد سبق أن طورتُ اللابتوب لأمي...
أعطاني كوب ماءٍ وقال للرجل في الشاشة: حسناً يا عزيزي... مَن أنت؟
أجاب الشاب: بل مَن أنت؟... وأين هديل؟
شتمته وقلت: وما شأنكَ بزوجتي؟... مَن أنت؟
جلس الشاب على حافة الشاشة وقال بهدوء: اهدأ يا رجل... فهمتَ الموضوع بشكلٍ خاطئ، هديل كانت تكتب قصتي وتركتني في... المتاهة... أين هي؟
بكيتُ وأنا أقول: لقد توفيت...
صعق الشاب وأجاب: لا!... لا يمكن أن أصدق!... متى حصل ذلك؟
أجاب رامي: منذ ستة أشهر...
ضرب الشاب ورأسه وأجاب: وماذا سنفعل نحنُ في المتاهة؟... فكلنا ينتظر هديل لترسم له سبيل الوصول إلى النهاية!؟
نظرتُ إلى ولدي رامي وقلت: أصبحتُ عجوز خرف أليس كذلك؟... فهذا الشيء ليس إلا وهماً أراه وحدي؟
ربت رامي على رأسي وأجاب بحب: بل أنتَ في كامل قواكَ العقلية يا أبي، وهو فعلاً موجود وأنا أراه وأسمعه مثلك تماماً.
تابع رامي موجهاً كلامه للشاب في الشاشة: حسناً... هل يمكن أن تشرح لي ما هي هذه المتاهة؟... وما شأن أمي الحبيبة بها؟
ابتعد الشاب عن الشاشة أشار بيديه الاثنتين وقال انظر لترى...
تمددتْ الشاشة أمامنا كما لو أنها سجادة ضخمة، فبانت لنا عليها متاهة عملاقة، في داخلها بضعة أشخاص!
أكمل الشاب: نحن مجموعة أشخاصٍ كانت هديل تكتب حكاياتنا، ولكنها لم تنهيها... وإن لم تصل هذه القصة إلى خواتيمها، فلن يجد أي منا طريق الخروج مِن هنا... سندور في المتاهة إلى الأبد.
بعد حديثٍ غرائبي، بالكاد كنتُ أستوعبه، كان عليَّ أن أجد نهاية للقصة، كي يخرج الجميع من المتاهة. بشرط!... أن تكون النهاية أقرب ما تكون لأسلوب هديل وقناعاتها في وضع النهايات!
لم أفهم جدوى ذلك... ولم أفهم كل ما كان يحصل، لكنني أردتُ مساعدة رامي وهذا كل شيء.
وهكذا بدأنا…
17 سبتمبر . 1 دقيقة قراءة