الالتراس المونديالي

Ola Shams

25 نوفمبر  .   4 دقائق قراءة  .    782

Image by Rosy - The world is worth thousands of pictures from Pixabay

كان انقطاعي عن الكتابة أمراً  لم أخطط له. حدث فجأة وجعلني أفقد احساسي بالأمور التي أمر بها يومياً. أصبحت أفكر بمشاعري قبل أن أشعر بها فتصبح باهتةً لا لون لها. إلى أن فاجأني فيضان من المشاعر تحرك داخلي وفاضت معه الذكريات التي ظننت أنها تتملكني وحدي. إلى أن اكتشفت أنني أتشارك مع الكثيرين ممن غمرتهم تلك الأحاسيس والذكريات. إنها الحياة التي تفاجئنا بما لم نتوقع أن يكون السبب لبعثنا واحيائنا. إنه المونديال يا سادة. 

 

لم أكن يوماً من هواة الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً. منذ وصولنا إلى هولندا وأنا أشعر أن حياتي مبنية حسب جدول تمارين فريق كرة القدم لأولادي. فمواعيدنا قبل موعد التدريب وبعد موعد المباراة الأسبوعية!  أصبحت أعاني من فوبيا كرة القدم. 

 

سابقاً عملت جاهدة لأحفظ أن رونالدو يلعب في ريال مدريد وميسي في برشلونة إلى أن انتقل كليهما من فريقه وعدت لنقطة الصفر من جديد. من الواضح جداً أن الفوتبول هو ليس ملعبي على الاطلاق. 

 

إلا في فترة المونديال. وكأن نسخة جديدة مني يتم تحميلها في جسدي لأصبح من عشاق كرة القدم واهتم بمواعيد المباريات والقنوات الناقلة حصريا للمونديال وأعود بأبحاثي على الشبكة العنكبوتية لأعرف تفاصيل تاريخية لقصص حدثت في المونديالات السابقة  واستمتع بحفظ ألقاب المنتخبات.

 

مونديال قطر ٢٠٢٢ أشعل الحماس فيّ من جديد. اعترف أنني من المتحيزين لقطر مهما كان التحيز صحيحاً أو خاطئاً. إلا أن حصول المونديال في قطر تحديداً جعل له طعماً مختلفاً بالنسبة لي. السبب يعود لانتمائي لقطر التي عشت بها عمراً يساوي ما عشته ببلدي سورية.

 

أشعر أن الكتابة عن المونديال هو مغامرة مشوقة بالنسبة لي. فأنا لا اتحدث عن نفسي فقط بل عن جيل بأكمله يشعر بنفس الحماس الذي اشعر به. الشعور بالانتماء للمونديال هو أمر لم أتوقعه أو لم أدرك وجوده حتى الآن! وهو أمر أثار استغراب أولادي بشدة. فأنا لا اكترث عادة بما يحصل في عالم الكرة. ليروا اليوم نسخة جديدة مني تطالب الحصول على كافة التفاصيل المتعلقة بالمونديال. 

 

تصورت أن الأمر له علاقة بمشاعري المفرطة تجاه الغربة والحنين لقطر ولسورية. إلا أن حديث لي مع صديقتي المغتربة أيضاً جعلني أدرك أننا نملك مشاعر متشابهة بخصوص المونديال. 

 

اكتشفت أن المونديال بالنسبة لنا هو تفاصيل صغيرة حملناها معاً عندما هاجرنا. هو مجموعة ذكريات لم نستطع الخلاص منها لأننا لم ندرك وجودها. 

 

أكواب الشاي وفناجين القهوة. أكواز الذرة المسلوقة والمشوية. صبارة باردة وصحون الفول النابت. شاشات كبيرة. زين الدين زيدان ولاعبي الفريق الإيطالي الوسماء. لانوازيت، المهر، بيت جبري، لاكازا، الكوخ وديو. دمشق القديمة، المالكي، مشروع دمر والمزة. هذه مجموعة ذكرياتنا معه!

 

هو حالة شعورية نعيشها من جديد في كل موسم مونديالي بما فيه من خيبات وانتصارات. هو حالة تجمعنا معاً، شيء يشبه نزار قباني وحاتم علي. لا يوجد الكثير الذي يجمع جيلنا سوية. على عكس ما يفرقنا، حيث يلمع أمامنا فننقض عليه بشراسة لنصبح أطرافاً لقضية واحدة. أعتقد أن المونديال هو الحالة الوحيدة التي تجمع الأضداد بطريقة محببة وممتعة ولطيفة. 

 

أشعر أننا الذين نعيش هذه الحالة ما نحن إلا الألتراس المونديالي (وهي كلمة لاتينية تعني المتطرفين، وتظهر بصورة مجموعات مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقه). فنحن نشجع المونديال لأن انتماءنا له وليس لبلد معين أو منتخب محدد. فنحن نشجع الجميع ونبدي اعجابنا واستياءنا على قدر فهمنا البسيط لقوانين اللعبة. نشجع منتخبات دولنا الجديدة التي أصبحت وطننا. ولكن ننحاز أولاً للفرق العربية التي استطاعت التأهل.

 

رؤية المونديال على شاشات التلفاز وهو يحصل في قطر أمر أشبه بدمج ذكرياتي بسورية مع ذكرياتي بقطر مع حاضري بهولندا. علاقة حب ثلاثية أعيش فيها كل يوم من أيام المونديال. لأحصل على مزيج غريب من المشاعر يشبه ما يكونني. فأنا مزيج من سورية وقطر وهولندا، فلا أستطيع اقتلاع أحدها والإبقاء على الأخريات دونها. فإما أن أبقى هكذا وإما فلن أكون.

 

المونديال كان له الفضل بإحياء مشاعري تجاه الكتابة وتجديد حماسة جروبات الواتس اب مع صديقات العمر ونحن نحلل المباريات التي لا نفقه منها شيئاً. وكان السبب بإعلان أولادي التمرد وبأنهم ابتداء من اليوم سيتابعون باقي مباريات كأس العالم في غرفهم بعيداً عني وعن استفساراتي اللا منطقية والتي لا تنتهي. 

 

 

  0
  1
 0
مواضيع مشابهة
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال