12 فبراير . 7 دقائق قراءة . 1177
تتجه المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نحو الاهتمام بدراسة
تاريخها القديم الذي أظهرت أولى الاكتشافات الأثرية والدراسات المبنية عليها أنه موغل
في القدم، وأن المملكة تزخر بموروث حضاري كبير ومتنوع عن تلك العصور القديمة حفظته
من الزوال تلك المواقع الأثرية عبر أرجاءها.
وعليه شهدت عملية البحث والتنقيب تقدما ملحوظًا خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث توزعت البعثات الأثرية المكونة من البحثين المختصين على مختلف المواقع لاستكشافها واستخراج مكنوناتها والتي بلغت في وقت ما ثلاثين بعثة بين وطنية ودولية، وهذا ما سيفتح آفاقًا كبيرة أمام الدراسات الأثرية في المملكة ويعد بمستقبل زاهر في هذا المجال.
أهم المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية:
ينتشر في مختلف أرجاء المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها عدد كبير من المواقع الأثرية المكتشفة حتى الآن والتي تعود للعصور القديمة وما قبل التاريخ، ولعل أشهرها: موقع آبار حمى (نجران)، وموقع ثاج، وموقع مدائن صالح (العلا)، وموقع تبوك، وموقع تيماء، وموقع الأخدود، وموقع دوسرية الجبيل، وموقع الفاو، وموقع واحة الإحساء وغيرها من المواقع التي جرى اكتشافها في أغلبها منذ القرن الماضي. إلا أن هذا لا يمثل سوى جزءًا صغيرًا مما تحتويه أرض المملكة من آثار لم يعثر عليها حتى الآن.
ويمكن القول إن عملية التنقيب هذه تسارعت أكثر خلال العشر سنوات الأخيرة فأثمرت عن كشفت آثار ومعلومات جديدة غاية في الأهمية غيرت الكثير من النتائج المتوصل إليها في السابق، وقلبت بعض الآراء والنظريات.
أهم الاكتشافات الأثرية الجديدة:
تكللت الجهود المكرسة للحفريات والتنقيب عن الآثار القديمة في المملكة عن الكشف عن عدة مواقع وآثار جديدة، ومن بين أهم الاكتشافات التي توصلت إليها البعثات الأثرية والتي أحدثت ضجة في الآونة الأخيرة هي آثار أقدام بشرية تعود للعصور القديمة بحيث يبلغ عمرها حوالي 120 ألف سنة، في بحيرة قديمة غرب صحراء النفوذ، تشير إلى أقدم وجود للإنسان ليس في المملكة فحسب بل في شبه الجزيرة العربية ككل، ويعتقد الباحثون أن تلك المجموعة البشرية إنما عبرت البحيرة إلى الضفة الأخرى بحثا عن الغذاء والتزود بالماء.
وفي نفس الموقع عثر كذلك على آثار حيوانات (الفيل)، إلى جانب العثور على أدوات حجرية وصناعة حجرية متقدمة (فؤوس وشظايا) تشبه تلك التي في افريقيا، وتُظهر نتائج الحفريات في هذا الموقع وفي غيره أن أرض المملكة وشبه الجزيرة عامة كانت قبل مئات السنين أكثر خضرة وأكثر رطوبة مما ساعد على استيطان الإنسان القديم فيها منذ وقت مبكر، بل ذهب بعض الباحثين للقول بأن السمة العامة لها كانت مراعي خضراء تتخللها أنهار وبحيرات وأنواع مختلفة من الحيوانات كانت مصدرا لغذاء الانسان آنذاك.
هذا كما أن إحدى البعثات الأثرية كانت قد توصلت إلى اكتشاف آخر وهو عبارة عن أحفورة لإصبع إنسان (الإصبع الوسطى) في موقع بمدينة تيماء عمرها حوالي 85 ألف سنة، ويعتبر هذا الاكتشاف دليلًا على أن الانسان القديم قد استوطن فعلا هناك منذ وقت مبكر. كما عُثر أيضا على ناب فيل بالقرب من مكان الإصبع، ومن المؤكد أن وجود مثل هذه الآثار الحيوانية يعطينا صورة عن التحولات البيئية التي مرت بها المنطقة.
ومن بين الاكتشافات المهمة أيضا في الآونة الأخيرة هي العثور على نقوش آرامية تمثل أقدم خط آرامي حتى الآن في مدينة الحجر تعود للألف الأول قبل الميلاد، ويشير الدكتور سلميان عبد الرحمن الذييب عضو في البعثة الاستكشافية في مواقع العلا إلى أن هذا النقش معاصر لمملكة سبأ التي تعتبر أقدم مملكة في شبه الجزيرة العربية هذا إن لم يكن أقدم منها.
هذا إلى جانب اكتشافات أخرى تتمثل أساسًا في البيوت، والأدوات، والمقابر، والطرق والمسالك التي سلكها الانسان القديم سواء في التجارة أو في هجراته من منطقة لأخرى.
أثر الاكتشافات الحديثة في فهم تاريخ المنطقة:
كان لهذه الاكتشافات انعكاساتها على النظرة العامة للتاريخ القديم في المملكة، فقد أثبتت التنقيبات والحفريات الأثرية أن عدة حضارات تعاقبت على أرضها وأن هذه البلاد كانت ملتقى حضارات عديدة كان لها تأثير كبير على تاريخ البشرية عامة في العصور القديمة.
وعلى صعيد آخر فإن اكتشاف شبكات للطرق والمسالك يمدنا بالمادة الكافية للتعرف على واقع العلاقات التي كانت بين مختلف الحضارات التي قامت في المنطقة وبينها وبين البلاد المجاورة، وعلى التأثير الحضاري المتبادل بينها.
آفاق الاستكشاف الأثري في المملكة العربية السعودية:
ورغم هذا الاهتمام الذي تحظى به البحوث الأثرية في المملكة والتقدم الذي أحرزته في أعمال الحفر والتنقيب إلا أنه لا يمكننا الانكار أن الدراسات الأثرية بها لا تزال في أول الطريق، وأنه لا يزال هناك الكثير من الغموض والحلقات المجهولة في تاريخ الحضارات التي تعاقبت على المنطقة.
ومن أمثلة ذلك أن هناك العديد من الأمم جاء ذكرها في المصادر على أنه عاشت في المملكة السعودية وشبه الجزيرة عامة لم يتم التوصل إليها بعد، ولم تتمكن البعثات الأثرية من العثور على آثارها حتى الآن، كمدينة ثمود التي نفت البحوث المبنية على الاكتشافات الحديثة وجودها في موقع الحجر كما كان شائعًا من قبل، ففي حين ينسبها بعض الباحثين إلى موقع الخربة –غير البعيد عنه- يذهب الدكتور سليمان عبد الرحمن الذييب إلى الاعتقاد بأنها قد تكون في مكان ما في وادي القرى وذلك استنادا إلى إشارات أخرى لم تثبت صحتها بعد.
ولهذا وفي كل مرة تفصح هذه البعثات عن نتائج أعمالها وتقاريرها يُنتظر أن تغيّر تلك النتائج الكثير من الاعتقادات والأحكام والدراسات السابقة، وعليه فأن استمرار أعمال الحفر والتنقيب سيحدث لا محال ثورة في مجال الدراسات الأثرية ليس فقط في المملكة السعودية وشبه الجزيرة العربية وإنما في العالم أجمع.
بقلم خليصة داوود
مراجع للاستزادة:
· مجلة أطلال الأعداد 27، 28، 30.
· سليمان عبد الرحمن الذييب، لقاء في "حوار مباشر" على قناة العربية، 29/ 01/ 2021.
· Les fouilles archéologiques dans l’Arabie Saoudite, the custodian of the two holy mosques culturel heritage program.
· Mada’in Salih, l’antique Hégra, campagnes 2016- 2017, orient et méditerranée.
27 أكتوبر . 0 دقيقة قراءة
18 فبراير . 10 دقائق قراءة