مثلث الغواية لإياد جميل محفوظ

09 فبراير  .   5 دقائق قراءة  .    699


جلسة: 26 يناير 2024 في مكتبة الصفا للفنون والتصميم

الرواية: مثلث الغواية 

المؤلف: إياد جميل محفوظ

عدد الصفحات: 160

تاريخ النشر: 2019

الطبعة: الأولى

دار النشر: دار الحوار للنشر والتوزيع

 

عن الكاتب:

 

إياد جميل محفوظ كاتب ومهندس ورياضي سابق من مواليد حلب عام 1956. أصدر عشرين كتاباً في القصة والرواية والتاريخ الاجتماعي لمدينة حلب. قدم لنا الكاتب عمله الروائي الأول الذي جاء بعد إنتاجات أدبية مميزة تخص القصة القصيرة على تنوع مواضيعها، وله أيضا مؤلفات تاريخية توثيقية ثمينة عن تاريخ حلب الشهباء وتاريخ حضارة سوريا إنسانياً ومعمارياً وأنثروبولوجيا. لعب مع نادي حلب الأهلي والمنتخب السوري لكرة السلة لسنوات طويلة ونال عدداً من الجوائز وشهادات التقدير في الأدب والرياضة.

 

مقدمة:

 

قدم الكاتب في روايته مثلث الغواية مدخلاً مباشراً لصلب ثيمة العمل الأدبي، مغامرة تحمل أبعاداً نفسية ومجتمعية يتداخل الواقع مع الخيال معطية نظرة تقدم انساقا ً ثقافياً فهي عبارة عن قصة حب مشاكسة تتسم بالخروج عن المألوف، من جرأة في الطرح خارج عن العرف والتقليد وأحداث غريبة عنوانها الرغبة والحب والصداقة والشبق، ثم اللغز الأكبر، الإنسان، الذي سيتمرد على نفسه ونشأته الأسرية وتكوينه المجتمعي. يقدم لنا العنوان مدخلا مباشرًا لصلب ثيمة العمل الأدبي، وتقدم لنا رواية مثلث الغواية بقلم الأديب السوري إياد جميل محفوظ مغامرة ذات أبعاد نفسية ومجتمعية، يتداخل واقعها في خيالها وهي تعطي نظرة تقدم أنساقًا ثقافية متشابكة، بسمات لغوية خاصة قدمت شخصيات استثنائية ضمن تقنية تعدد الرواة، والإحاطة الأنثروبولوجية بفلسفتها الأخلاقية الجديدة.

 

الشخصيات وأنساق ثقافية متشابكة:


تقدم لنا الرواية نظرة تحليلية لصيقة لأطياف المجتمع السوري الحلبي في حقبة ثمانينيات القرن الماضي، وتضيء لنا عاملًا حياديًا ضد الانحياز المسبق لفكر محاكمة الآخر، ولعل القارئ ذي العقل المحافظ، أو الشخصية التابعة لنمطية شائعة سوف يستهجن تطور الحبكة وسلوك الأفراد باعتلالهم وتأرجحهم الداخلي بين الخلل النفسي وجلد الذات المرتبط بنظرة المجتمع، والتي يفترض أنها تقدم المثالية السلوكية المفترضة. لكنها، ولا ريب تقدم فرصة للاستمتاع بالأحداث وبأسلوب المؤلف أيضًا في نقل مشاهد لحقبة زمنية خاصة، نفذَت لذاكرة محددة، من خلال توظيف لغة وصفية متكلفة، دمجت أنساقا ثقافية متناقضة ومتصارعة بدون توجه محدد. إنها رواية عن المراوغة، عن براثن الاعتلال النفسي
والوجودي المتعلق بالعاطفة والرغبة وعلاقتنا بالآخر الذي نرتبط به إنسانيًا بدافع الغيظ والنقمة على النموذج النمطي وثقافة الخوف والملل والمألوف. اللغة جميلة موشحة بتعابير مزركشة، وجود الحي أعطى الرواية فضاء مدينة حلب وبعضا من تفاصيلها، وكذلك التواصل الروحي والترابط المجتمعي وأثره على الفرد بين مدينتين مهمتين، عروس الشمال حلب وأيقونة البحر المتوسط اللاذقية وربط الفترة الزمنية ببعدها المكاني. 

استعار الكاتب من مهنته كمهندس مثلث متساوي الأضلاع وهو أهم أداة في الهندسة ومن جانب آخر رمز السلطة العليا، ليبني  عالم  روايته بثلاثة شخصيات رئيسية هي  أضلاع  المثلث، مشكلين ثلاث زوايا  اجتمعت في كل شخصية وهي الحياة الاجتماعية  والنفسية والجنسية.  فكانت  تنسج حكاياتها من عالم مريض  وموروث اجتماعي (فترة الخمسينات والثمانيات) مسقطا إياه على سلوك وعلاقات  الذكر بالذكر (نبيل وغالب) وكذلك  علاقتهما مع  لميس الأنثى  وأيضاً علاقة لميس مع نفسها  كأنثى، مركزا  على أثر التراكم الثقافي المجتمعي وأثره على الفرد  وانعكاسه على تفاصيل الحياةوالأشخاص ."علاقة الجسد  مع كل شخصية "  تأثير التربية الجنسية " مقلا بتفاصيل الأمكنة . لم نفرق في السرد بين الأنثى والذكر، فالشخصيات وكأنها مسجونة ضمن خط مرسوم بالمسطرة منزوعة حريتها وحركتها.    

 

جماليات هذا لعمل الروائي:

 

ما تطرحه الرواية جمالياً من حيث الموضوع هو إضاءة خاصة تظهر أن الفرق ببن الذكر والأنثى ليس بيولوجياً ولا أخلاقيًا بقدر ما هو تركيب مؤسساتي ُيميز إنسانيًا، إنها رواية تكشف قدرتنا على الالتفاف حول المفاهيم المجتمعية المشروعة والتشرذم النفسي لتلبية جموح رغباتنا، حين تغدو المرأة مقابلة للرجل مكانة وقرارا وتمردًا وخطيئةً إن جاز التعبير. إن تناول الرواية   للمحور النفسي أقصى عنها عامل تحيز الجنوسة المعتاد في نمط الروايات التي توسم بالملامح الروائية الواقعية والتي تتحدث عن الخيانة والرغبة والحب والتعلق، الا في هوامش سرد الراوي المتكلم حين تغدو الجنوسة اللغوية (كتركيبة معرفية) غير كاملة ولا سيما عندما تتعلق بشخصية لميس على سبيل المثال التي لم نستطع أن نألف من خلال تركيبها النفسي والفني، لحظة انحسار المؤلف المتوقعة في النسيج الروائي كسمة عامة خلال توظيف تقنية (تعدد الرواة). فاللغة قيدت مساحات الشخصية من خلال انسياب واحد، مفردات متكررة، صوت الكاتب الداخلي الذي أعاق نمو الشخصيات الغريبة المعطوبة التي أرادها لها الكاتب أن تصدم القارئ وتثير عامل الغرابة والاستهجان فنجح في ذلك. فالمناجاة الداخلية للشخصيات التي تستعرض مع المتلقي أفكارها ضمن نموذج تعدد الرواة، اتضحت ضمن قوالب غير مألوفة في العلن، لكنها نماذج يتحفظ عليها المجتمع أو يثير غباره حولها ويحيك معها علاقة أخلاقية افتراضية تصنيفية.

 

مدخل أنثروبولوجي:

 

سمحت لنا الرواية بتقديم نظرة تشكيك نقدي فاحص من خلال ميزة تعدد الرواة، بين متكلم وعليم. وقد وفق الكاتب من خلال شخصيتي نبيل وغالب أكثر من شخصية لميس، ولعل الصعوبة في الروايات ذات المنظور الأنثربولوجي أنها دائما تخضع لنوع من الفلسفة اللاكانية، الخاصة بوعي المتلقي، فما نراه ويثير اهتمامنا هو من خلال منظور ما يعني الآخر فكراً وعاطفةً ووجوداً. فالثقافة هي المكون الأساسي في النظام الاجتماعي المتمثل بالذات كفرد ثم بالمجتمع فيغدو الفرد نتاجًا ثقافيًا معينًا لا يمكن فيها تجاوز محلية النظام وآلياته، ويغدو اختلافه خروجًا عن كل سرب. ولذلك فإن ما يصل القارئ هو البحث الدائم عن أجوبة لأسئلة أزلية عن علاقة الرجل والمرأة الجدلية فماذا لو كانت هذه العلاقة العشقية بين رجلين صديقين وامرأة جذابة مختلفة في مثلث غرائبي تجاذبه أقطاب متغيرة؟ 

 

فردريك جيمسون ومصطلح سجن اللغة:

 

سنجد في ثيمة الرواية طيفًا يذكرنا بفكر مختلف، كمقاربة تشابه ما قدمه فردريك جيمسون في كتابه "سجن اللغة" توجها عن النقد الثقافي والماركسية. وبعزلنا مصطلح الماركسية بكل اسقاطاتها السياسية وعلاقتها بتطور الأدب والمجتمع فإننا ندلف لنافذة تطل على الكاتب والإطار اللاواعي الذي ينتج من خلاله النص الأدبي والذي يوجهها من منظور جمالي بحت من حيث النمو والمعايير كدعوة للانعزال الفردي عن الواقع العام. فيغدو  إطار  الرواية الأدبي نموذجًا لهذا الانعزال كموضوع إبداعي فردي يقدم نظرة معاكسة لأيديولوجية رفض المجتمع الأعم والانتماء للمجتمعات المصغرة بقوانينها الخاصة للغاية.
إن أي دراسة أنثروبولوجية وإثنية هي مدخل لأي دراسة ثقافية ولذلك تقدم لنا هذه الرواية بلغة خطابها (المحددة) ذات الاتجاه الواحد و بثبات أسلوبها وصياغتها اللغوية التابعة لقاموس  قصدي. إنها حالةً أشبه بالسجن حدّد سماتَه لها الكاتبُ باقتدار، كفرصة لفهم الاختلاف ولحقن أنفسنا بالتعارض اللازم لنستطيع مقارنة أنفسنا بالآخرين ولنفهم مدى اختلاف إيديولوجياتنا وأفكارنا وعواطفنا في أزمات الخيانات الكبيرة وشرعية هدم العلاقات الإنسانية بسبب دوافع الحب المشبوه والرغبة الصارخة والانحلال الأخلاقي من وجهة نظر المجتمع والخلل النفسي الخفي ورفض قيود المجتمع جميعها بدون استثناء في أي زمكان محتمل وموثّق.

 

خاتمة:


مثلث الغواية عمل مختلف عما ألفناه، تخرج من إطار الرؤية العامة للروايات القصيرة لتندمج في فضاءات الذائقة الفردية للقراء على اختلاف مشاربهم المثيرة للجدل. 

 

كتابة: كنانة عيسى

تحرير: سهام جبريل ومايا أبوظهر

 

  1
  0
 0
مواضيع مشابهة

04 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  8
 0

23 أكتوبر  .  6 دقائق قراءة

  1
  1
 0

09 سبتمبر  .  1 دقيقة قراءة

  0
  0
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال