"حدث في صبيا" رحلة إنسانية مع الكاتبة "سعاد العريمي"

24 ديسمبر  .   5 دقائق قراءة  .    122

 

في مشهد أدبي ثري ومُفعم بالتأملات الإنسانية، تأخذنا الكاتبة الإماراتية سعاد العريمي في روايتها " حدث في صبيا " التي صدرت عام 2022 عن دار الساقي، و تُوجت الرواية بجائزة أفضل كتاب إماراتي لمؤلف إماراتي في معرض الشارقة الدولي للكتاب لعام 2023، إلى قلب التحديات التي تواجه الإنسان في مجتمعاتنا العربية، حيث تتقاطع تقاليد الماضي مع طموحات الحاضر. 

 حدث في صبيا، هي حكاية عن رحلة إنسانية موجعة، تشابكت خيوطها بين الظلم والقهر، وبين البحث عن الذات والمصير. تتناول الرواية قصة جوير الله، شاب يناضل لفهم هويته وسط صراعات مجتمعية ، بالتوازي مع معاناة أمه "رحمة" (الدهيماء) التي تواجه تحديات قاسية في ظل زواج قسري، زواج المسيار، ونبذ المجتمع. الأحداث تنقل القارئ إلى قلب مدينة "صبيا"، حيث تتداخل الشخصيات والرمزية مع قضايا اجتماعية كبرى مثل الطبقية، الهوية، وحقوق المرأة.

 

عن الرواية: 

تبدأ الرواية مع بطلتها "رحمة"، الطفلة ذات الأربعة عشر عامًا، التي وُلدت يتيمة الأم، جميلة السمار، بعينين خضراوين، ومصير معلق في قصر أبيها المليء بالزوجات والأطفال. ولدت رحمة من رحم القسوة، ونشأت في بيتٍ ضج بالسلطة والعادات المتوارثة. ولكن سرعان ما دفعتها مؤامرة خفية من أختها غير الشقيقة إلى الهروب من زواج قسري. ذلك الهروب لم يكن خلاصًا، بل بداية لتيه طويل عبر القرى والمدن، متسلحة فقط بالعصا التي أهداها لها عمها، وبكلمات مربيتها التي أمدتها بشجاعة خافتة.

في أولى محطاتها، تتخذ اسم "خفية"، وتعيش على هامش الحياة، تبيع الزهور نهارًا وتختبئ ليلًا. لكن المصير يتربص بها دائمًا، فتصبح ضحية لابتزاز رجل متسلط ينتهي بزواج مؤقت يُطفئ إنسانيتها. تُلقى بها هذه التجربة في دوامة الندم والبؤس، وتعيدها إلى تساؤل مؤلم عن جدوى هروبها الأول.

تصل إلى بيت "آل الراهيم"، حيث الجدة فاطمة، التي تتولى رعايتها رغم صدمتها عندما تكتشف حملها. تضع رحمة مولودها الذكر " جوير الله" ، دون رغبة أو حب، لكن الطفل يفتح أبواب رحمةً مغلقة في حياتها. ينشأ الطفل بين قلوب تحتضنه، من الممرضة ماريا، إلى صفية التي تشاركه الفكر والروح، لكنه يكبر متمردًا، باحثًا عن هويته، مشتتًا بين الأسرار التي أحاطت ولادته، والأم التي تخبئ عنه حقيقتها.

تنمو الحكاية في مدينة ذات عبق روحي، في فضاء يفيض بالتأمل والعرفان. رحلة الأم وابنها تتشابك مع الزمان والمكان، حيث يصبح البحث عن الجذور والصراع مع الذات محورًا لكل شيء.

 

الشخصيات المحورية ودورها في الرواية: 

جوير الله، الشاب الباحث عن ذاته الذي يواجه أسئلة حول أصله وانتمائه. يمر بصراعات معقدة ترتبط بعلاقته بأمه رحمة، وحبه الروحي لصفية، ومع معلمه الشيخ المهدي. يظهر كرمز للجيل الجديد الذي يحاول التحرر من القيود المجتمعية. اما صفية الله، حفيدة الجدة فاطمة ، تمثل الرفيقة الروحية لجوير الله، حيث تجمع بين الوعي، الحكمة، والحب. تُعد شخصية محورية تُلقي الضوء على العلاقة العميقة بين الروحانية والإنسانية، إذ تحاول باستمرار مساعدة جوير الله على التوازن بين طموحه الشخصي وواقع المجتمع،و تُعتبر رمزًا للأمل والدعم العاطفي، لكنها تواجه تحديات في فهم الاضطرابات النفسية لجوير الله. 

 

الام رحمة (الدهيماء) تمثل قضايا المرأة ومعاناتها في مجتمع يقيّد خياراتها. عاشت زواج المسيار مع عبد الرحمن بالحارث، مما يعكس استغلال النساء تحت غطاء العادات. كما تجسد قضية الزواج القسري وزواج القاصرات من خلال حكاية بدرية، وهي شخصية تبحث عن الخلاص وسط الظلم والنبذ. وتمثل ماريا الممرضة ،صوت الحكمة والنقد الخفي. تقدم لمحة عن واقع النساء اللواتي يخضعن للقهر، لكنها تُظهر أيضًا جانبًا إنسانيًا عبر تقديمها الدعم العاطفي لرحمة. وتتجسد شخصية الشيخ المهدي في السلطة الدينية والرمز المجتمعي الذي يفرض تقاليده على الآخرين . دوره يعكس صراعًا بين الروحانية والدين التقليدي، ويبرز تأثير القوى الدينية في التحكم بمصائر الأفراد، لا سيما النساء. 

 

قضايا المرأة كما عالجتها الرواية :

الرواية تقدم نقدًا لاذعًا للتقاليد التي تقيد النساء من خلال عرض قضايا مثل:  زواج المسيار الذي يبرز كوسيلة لاستغلال النساء دون التزام، كما يتضح من قصة الدهيماء وعبد الرحمن بالحارث.  والزواج القسري الذي واجهته شخصيات مثل بدريه، ما يعكس القهر الذي تعانيه النساء بسبب السلطة الذكورية. 

وكذلك نظرة المجتمع للمرأة، حيث تُعامل ككيان هامشي، يُحكم عليها من خلال ماضيها وجمالها. 

 

واختُتمت الرواية برسالة عميقة تعكس صراع الشخصيات مع ماضيها، والبحث عن الخلاص من القيود المجتمعية والروحانية. يُظهر خطاب جوير الله إلى صفية إدراكًا بأن الحب الحقيقي والتجلي الروحي يكمنان في القبول بالذات والتمسك بالأمل رغم كل الصعاب. الرسالة الأساسية تدعو القارئ إلى مواجهة الماضي والتقاليد الصارمة بشجاعة من أجل السلام الداخلي. 

 

الخاتمة 

رواية "حدث في صبيا" هي تحفة أدبية تقدم حكاية إنسانية مفعمة بالرمزية والعمق. من خلال شخصياتها المعقدة مثل جوير الله، صفية، ورحمة، تبرز الرواية قضايا الهوية، الظلم الاجتماعي، وقوة الروح الإنسانية. بأسلوبها الراقي ولغتها القوية، تُعد الرواية شهادة أدبية على التحديات التي تواجه الأفراد، خصوصًا النساء، في مجتمع تقليدي محافظ، ورسالة أمل للبحث عن النور حتى في أحلك الظروف.

 

نبذة عن المؤلفة:

سعاد العريمي، كاتبة وروائية إماراتية بارزة، وباحثة في علم الاجتماع، ولدت في مدينة العين. تعمل أستاذة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، حيث تشغل منصب رئيس قسم الحكومة والمجتمع. كما تولت منصب المستشار الثقافي في سفارة دولة الإمارات في واشنطن.

تمتلك العريمي سجلًا أدبيًا مميزًا يشمل أعمالًا قصصية وروائية فريدة. من أبرز مجموعاتها القصصية: "طفول"، "حقل غمران"، "رأس ذي يذن"، "ولم أكن يحيى ولن أكون زكريا". أما في مجال الرواية، فقد أصدرت أعمالًا مثل "آخر شوكة في مزرد الملك"، و"دريب الغاويات" التي حازت على جائزة أفضل كتاب إماراتي في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2014. وفي عام 2023، نالت رواية "حدث في صبيا" الجائزة نفسها، لتؤكد مكانتها كأحد الأصوات الأدبية الرائدة في الإمارات.

إلى جانب إنجازاتها الأدبية، قدمت العريمي إسهامات أكاديمية قيّمة في مجال علم الاجتماع، مثل كتاب "الجندر والتنمية: دور المرأة في التنمية الاقتصادية الرسمية والحصص السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة"، الذي يناقش دور المرأة الإماراتية في التنمية الاقتصادية. كما أصدرت دراسة تحليلية بعنوان دولة الإمارات العربية المتحدة: بين ترسيخ الهوية وتعزيز الانتماء. تتميز أعمالها بالجمع بين العمق الاجتماعي والتأملات الأدبية، مسلطة الضوء على قضايا المرأة والهوية، ومحاولة البحث عن التوازن بين الفرد والمجتمع.

معروفة بتناولها للقضايا الاجتماعية والثقافية من خلال أسلوب سردي عميق يجمع بين الرمزية والواقعية. في روايتها "حدث في صبيا"، تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الأفراد، لا سيما النساء، في مجتمع تقليدي محافظ، مع إبراز التحولات التي تطرأ على الهوية والثقافة في منطقة جازان. 

 

نبذة عن محافظة صبيا 

صبيا هي إحدى محافظات منطقة جازان في جنوب المملكة العربية السعودية، تُعرف بجمال طبيعتها وتنوعها الثقافي. تشتهر بمزارعها الخضراء وحقولها الغنية، مما يعكس بيئة ريفية مليئة بالتقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة. شكلت المدينة خلفية مثالية لأحداث الرواية، حيث استطاعت الكاتبة من خلالها تقديم صورة حيّة للواقع الاجتماعي والثقافي الذي يعيشه السكان.

 

 

 

عن "ملتقى الراويات"، كتابة الأستاذة داليا أبو العطا والدكتورة شيخة العويس

https://www.daralsaqi.com/uploads/books/image/Hadatha_Fi_Sabya_Front_Final.jpg

 

  0
  0
 0
مواضيع مشابهة

10 يناير  .  4 دقائق قراءة

  3
  2
 0

17 مارس  .  2 دقيقة قراءة

  1
  5
 1

21 يناير  .  1 دقيقة قراءة

  1
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال