همس الحنين

25 يونيو  .   2 دقيقة قراءة  .    7

رسالة إلى آدم

 

 

عزيزي آدم...

صاحب الطيف الأجمل...

الغائب/ الحاضر... الذي هو في غيابه، أكثر حضوراً في روحي من

الجميع.

 

سبق أن زعمتُ- في رسالتي الأخيرة لك- أنها رسالتي الأخيرة.
لكن!... هو الحنين يا "رفيق الولدنة"، فالروح مسكونة بالأشواق لزمنٍ كنتُ فيه طفلة يافعة، لا هم لي سوى أن أراكَ تنتظرني في الشرفة المقابلة. لتأخذني إلى حلمٍ لا حرب فيه... ولا أصوات مدافع.

لعلك مثلي، ولعلك كمعظم معاصري الحرب الأهلية، قد اكتشفت أنها كانت لعبة أطفال بالنسبة لما نعيشه اليوم، من جميع أنواع البشاعات والموبقات، أولها الصواريخ الذكية، وليس آخرها المسيِّرات الانتحارية والتجسسية، التي تؤرق نوم الآمنين وتغتال براءة الأطفال.

ترى!... ما رأيكَ بكل ما يجري؟ هل تعتبر فلسطين قضيتكَ المركزية، أم أنك...؟

يا إلهي مرعب أن أفكر بذلك... أيعقل أنني أحفظ ذكرى رفيقٍ وأتمنى لقاءه، في حين نحن نقيضان في العقيدة الدينية والإنسانية والاجتماعية؟!

 

 

أسبوعين وأنا أهمل متابعة هذه الرسالة، فالمستجدات حدثٌ جلل!

كان العالم على شفا حربٍ عالمية نووية!

لكن الجميل في الموضوع أن حصون ما يسمى "إسرائيل"- الكائن المسخ- تُدك للمرة الأولى منذ تاريخ إنشائها المشؤوم. 
لا أريد حتى أن أفكر، بأنك يمكن أن تكون من تلك الفئة المناهضة لفكرة المقاومة وقتال العدو، النافخة في بوق السلام والتطبيع المخزي مع عدو الله والإنسانية!

 

لكن!...
ما لنا وللحديث عن الحرب، يكفينا أننا نعيشها منذ أن ولدنا.
فما أردتُ أن أبوح لك به في هذه الرسالة، هو حجم الألم الذي أعيشه ككل أبناء جيلي، بعد أن بلغنا من العمر عتياً، وتعتقنا في خوابي الوجع، في وطنٍ ما زال يتآمر علينا منذ أن لفظنا من أوساطه الإبداعية وميادينه العملية، لصالح أبناء الوساطات والأزلام وعبيد المال... إضافة إلى واحدة من عجائب هذا الزمن، ما يسمى المؤثرين والفاشينيستا (ز)!

هل غزا الشيب رأسك يا رفيقي؟ 

هل ضعف نظرك؟... لا يهم، المهم ألا نفقد البصيرة. وهل غير البصيرة من أوصلنا إلى كل هذا الوجع؟ 
أنا أنتمي لتلك الفئة التي تجسد مقولة إميل سيوران "الوعي لعنة مُزمنة، كارثة مَهولة، إنهُ منفانا الحقيقي، فالجهل وطن، والوعي منفى".

فهل أنتَ من هذا الجيل الذي عاصر الأصالة قبل أن تدخل تكنولوجيا الأجهزة الذكية، لتحول حياتنا إلى "تواصل افتراضي" تنتفي فيه كل قيِّم الرقي والاحترام والجمال والكمال!؟

يا لروعة كوننا جيلٌ لطخ أصابعه بحبر الأقلام الجافة، وقبَّل الورق أنامله. جيلٌ جالس الكتاب، وأمضى ساعاتٍ بين أقسام معرض الكتاب. نحن أبناء الأصالة، تعلمنا احترام الكبير ومحبة الصغير.
كان صوت فيروز نشيد صباحاتنا، أما قلوبنا فنبضت بالحب مع أم كلثوم، وكم غنينا مع عبد الحليم "وحياة قلبي وأفراحه" ونحن نجتاز المراحل التعليمية.

آهٍ... كم كنا ثائرين أثناء الدراسة، أورثتنا ثورتنا فكراً ناضجاً منذ حداثة أعمارنا، فآمنا بمقاومة المحتل، وبالثورة على وطن يعيش أبشع أنواع الخلافات والاختلافات. للأسف لم تنجح ثورتنا، فها أن الوطن قد تشرذم إلى محميات، والخلافات أصبحت عداوات، والاختلافات تحولت لتصبح طائفية مقيتة. 

 

آدم يا "رفيق الولدنة" هل تحمل منفاك في داخلك مثلي!؟
فالوعي المبكر نما في روحي، وتلقى اشتعالاته من حرائق دمي التي خضتها وأنا أسير على طريق الجلجلة، حاملة صليب معاناتي، أنوء تحت ثقل الحِمل.
شكلتني المعاناة، لا بل أعادت تشكيلي آلاف المرات، لتجعل مني امرأة معتقة الآلام، باذخة الحزن، تتناسل ثوراتي من مخاض أحلامي وآمالي وآلامي، لتجعل مني امرأة من أرقٍ وقلق. 

أراقص الحياة وأشتبك معها، أُرديها أرضاً كلما صفعتني، وإذا ما رمت أمامي أحجارها، تعثرتُ... لكنني سرعان ما أقف لأرشقها بالحجر.

لا أخفيك سراً يا رفيقي، مرّ العمر ولا عناوين ثابتة على خريطة أيامي، ولا بوصلتي فيها اتجاهات! لذا فقد أتعبتني محاولات ترويضها، والأحمال على كاهلي تتراكم جبالٌ فوقها جبال، وأنا روحٌ منهكة تحتها، أبحث عن زاوية أمانٍ وسلام لأعيش ما تبقى من أوجاع العمر.

 

 

عزيزي آدم...

صاحب الطيف الأجمل... 

لعلنا قبل اسدال الستارة عن مسرحية الحياة، نلتقي على قارعة صدفةٍ، وقد هيأت لنا 

متكأينِ من ورد... وقهوة لقاءٍ تنتظر مراهِقين بلغا خمسينهما، أو ربما ستينهما... أو ربما...

هل نلتقي يا رفيقي، أم............؟

 

  0
  0
 0
مواضيع مشابهة

01 يناير  .  2 دقيقة قراءة

  4
  11
 0

25 نوفمبر  .  1 دقيقة قراءة

  3
  10
 0

03 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  9
 0

31 ديسمبر  .  1 دقيقة قراءة

  3
  8
 0

04 نوفمبر  .  1 دقيقة قراءة

  0
  2
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال