21 فبراير . 7 دقائق قراءة . 1705
يحق للباحثة الموسيقية " الهام أبو السعود" بعد أن بلغت التسعين من عمرها أن تفخر بكونها أول مايسترو في سورية ، وبأنها الملحنة الوحيدة فيها ، حيث تفردت بالتلحين للأطفال واليافعين وتعليمهم الغناء ، وأكثر مايشعرها بالفخر أن ترى طلابها وقد أصبحوا عازفين ناجحين ومتميزين حتى أن أكثر من سبعين بالمئة من الموسيقيين السوريين كانوا تلاميذها.
قادت الفرق الغنائية (الكورال) والموسيقية في حفلات معهد اعداد المدرسين وحفلات طلاب المرحلتين الابتدائية والاعدادية منذ ستينات القرن الماضي حتى تقاعدها في التسعينات ، وساهمت في تأسيس "معهد صلحي الوادي للموسيقا" بدمشق حيث سميت إحدى قاعات المعهد باسمها تكريما لها .
في رصيدها مئتان وسبعون أغنية لحنتها للأطفال اختارت نصوصها من دواوين سليمان العيسى وشوقي بغدادي وصالح هواري ونجاة قصاب حسن وشعراء آخرين متوخية السهولة في الألفاظ والبحور الشعرية الرشيقة والخفيفة ، فتجلس ساعات وأياما إلى آلة البيانو في منزلها الأنيق وسط دمشق حتى تحصل على اللحن المطلوب . لحنت أغنيات بيئية توجيهية تعلم الطفل النظافة ومحاسن الاخلاق وحب البيئة كأغنية “بيئتي النظيفة” التي تجمع بين الغناء والتمثيل.
ألّفت كتابا تعليميا بعنوان " لغتي مع الأطفال" يعتبر مرجعا مهما لمدرسي مادة الموسيقا في كل المراحل المدرسية يضم كلمات ونوتات لسبعين أغنية مستفيدة من خبرتها في التدريس في معظم مدارس ومعاهد دمشق. ويفترض بالموسيقا حسب الملحنة السورية أن تدخل السرور إلى نفوس الأطفال ومكنوناتهم وعواطفهم فضلا عن أنها تساعدهم في ترسيخ المواد الدرسية لذلك كانت تعمل على تحويل درس الموسيقا إلى جو من المرح والفرح لكي يحب الطلاب الدرس ولاينفرون منه ، متأثرة بطريقة الفنان الألماني "كارل أورف" القائمة على تعليم الطفل الموسيقا عن طريق اللعب.
مثّلت سورية كملحنة في عدد من المؤتمرات العربية في تونس ومصر والكويت والجزائر والمغرب ، وجاء في شهادة التقدير التي تسلمتها 2013 من وزير الثقافة المصري الدكتور جابر عصفور:
"تتشرف دار الأوبرا المصرية بتكريم الأستاذة إلهام أبو السعود من سورية في مهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية الثالث والعشرين عرفانا بدورها المتميز في نشر ودعم الموسيقا والفن الأصيل في ربوع وطننا العربي مع خالص التمنيات بدوام العطاء الفني".
تقول الهام أبو السعود المولودة في دمشق 1931 : "الموسيقا هي حياتي.. فهي تمنحني الراحة النفسية عند سماعها لكونها تدخل قلبي وروحي ، فإذا كانت الموسيقا تساعد على الشفاء من بعض الأمراض وتساعد النبات على النمو فكيف يكون تأثيرها على الأطفال ، يجب أن نسمعهم مقطوعات تناسب أعمارهم و نغذيهم موسيقيا ونربي فيهم حب الاستماع وننمي ذائقتهم ليتشكل وعيهم الموسيقي و لكي يمتلكوا في المستقبل ثقافة موسيقية سواء بحسن الاستماع او بالتعرف على أهم الموسيقيين العرب والأجانب"..
وتأسف المايسترو أبو السعود أن يكون درس التربية الموسيقة مهملا في معظم المدارس ،وتحمّل المسؤولية في ذلك لإدارات المدارس التي لاتتابع أداء المعلمين أو تفرض عليهم تقديم معلومات مكرورة ومملة ، كما أن بعض مدرسي الموسيقا ليسوا مؤهلين لإيصال المعلومة بشكل جيد.
وتأسف كذلك للمستوى الهابط الذي وصلت اليه الأغنية العربية بعد أن افتقدت الموّال والكلمات المعبرة والألحان التي تطرب النفس ، رغم اننا نمتلك فولكلورا من الأغاني المميزة مثل : آه ياأسمر اللون – مرمر زماني- من الشباك لرميلك حالي – ياطيرة طيري ياحمامة .. وغيرها الكثير.
وتتوجه إلى الأهالي فتنصحهم بحماية أطفالهم من الأغاني الهابطة ، وتشجيعهم على السماع والتذوق وتعليمهم الأغاني والأناشيد منذ سن الروضة ، وعدم الاستهتار بمادة الموسيقا التي تعتبر مادة أساسية في المنهاج التدريسي ، وتجعل الطفل عندما يغني ويعزف مع الجماعة يشعر بالتعاطف مع زملائه كما أن الإيقاع يعلمه حب الانضباط والنظام.
لم يقف زواجها في سن صغيرة (16عاما) حائلا أمام طموحها الفني وساعدها في ذلك تفهم زوجها الذي كان يحترم موهبتها فساعدها على نيل الشهادة الثانوية وهي أم لطفل صغير، ولم يمانع إيفادها ببعثة إلى مصر لدراسة الموسيقا في (كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان) فتتلمذت على يد الفنانة القديرة "رتيبة الحفني" ، وفي إحدى المرات عزفت على العود في حضرة الموسيقار الكبير "محمد عبد الوهاب" فأعجب بعزفها وبثقافتها الموسيقية، وقال : "إنه لشيء مميز أن تعزف سيدة على آلة العود" ، وحاول المطرب الكبير إقناعها بالبقاء في مصر والعمل فيها بعد الدراسة لكنها رفضت لتمسكها بأسرتها ورغبتها في العودة الى بلدها .
وكانت الهام قد تعلمت العزف على العود في طفولتها من والدها الذي كان مولعا بالموسيقا ويجيد العزف والتلحين فكان يعلمها قواعد العزف وضرورة حفظ التدوين والنظريات الموسيقية التي ترسخت أكثر خلال دراستها في مدارس دمشق الابتدائية والإعدادية وهنا بدأت علاقتها مع البيانو الذي تعلمت العزف عليه في مدرسة "دوحة الأدب"، لتكمل بعد ذلك تعليمها الأكاديمي في مصر.
أما تجربتها في البحث الموسيقي فبدأت بعد تقاعدها مدفوعة بضرورة تسليط الضوء على تجارب المؤلفين الموسيقيين المعروفين في سورية والعالم ، فعملت على تقديم الدراسات والبحوث الموسيقية في مئات الندوات والمحاضرات داخل سورية وخارجها . وتم اختيارها للمشاركة كمبدعة في مهرجان المبدعات العربيات في العاصمة التونسية ، كما قدمت في الجزائر بحثا عن أنواع التأليف الموسيقي العربي.
وألقت مؤخرا محاضرة عن "فايزة أحمد" في المركز الثقافي العربي بدمشق تحدثت فيها عن أغاني المطربة السورية الراحلة ومشوار حياتها ومسيرتها الفنية ، وقبلها حاضرت عن عبد الوهاب وعبد الحليم وأم كلثوم وبصماتهم الخالدة في تاريخ الغناء العربي . وتتبع الهام ابو السعود في محاضراتها أسلوب تقديم مقاطع من الغناء الحي اضافة إلى مقاطع تسجيلية ومقاطع فيديو ، وتوظفها في الوقت المناسب بهدف امتاع الحضور وكسر الرتابة والملل لديهم واضفاء البهجة والأجواء الحميمية الجميلة على المحاضرة.
بالرغم من عمرها المتقدم تواكب المايسترو أبو السعود كل جديد وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ، وما زالت قادرة على العطاء إذ تكتب حاليا في مجلة "الحياة الموسيقية" ، وتطمح إلى تحقيق حلمها بأن تقود فرقة كورال خاصة بها وتدرب أفرادها على الأغاني التراثية التي تزخر بها سورية.
سلوى صالح
04 فبراير . 0 دقيقة قراءة