22 فبراير . 3 دقائق قراءة . 682
حوارٌ ما بين عريشة وياسمينة
استفاقَ الصُّبْح، في حديقتي، فاستيقظت معه الحيرة الأولى الّتي تبدِّدها القهوة مع أوّلِ فنجان. في زاويتها عريشة، هي غنجةُ البيت وحياؤهُ. هي فتاته الخجولة المتورّدة خدودها حُمرَةً.وعلى كتفِ غرفتنا الزّجاجيّة، تستلقي ياسمينةٌ شاميّة، عروسُ الدّارِ ، بفستانٍ أبيضَ وعطرٍ فريد.
الصّبحُ يُعلّمُ الإنصات والتوغّل في الطّبيعة إلى ما وراء الطّبيعة. ودردشةُ العريشة مع الياسمينة، يستطيعُ سماعها القاصي والدّاني.
دغدغَتْ رائحةُ الياسمينة أنف العريشة، ففردَت هذه الأخيرة أوراقها الخضراء وأرضَعَت حبّات العنب حتّى ازدادت احمرارًا. استوت في جلستها ثمَّ ألقت نظرةً خاطفةً على الياسمينة، مُلقِيَةً عليها تحيّة الصّباح. ردّتْ ذات الرّداء الأبيض السّلام بسلامٍ لِخِفَّتهِ يطير في الهواء:
-تبدينَ مُتعبة، أيّتها الخضراء. تكبرين يومًا بعد يوم ويزداد حجمك حتى لتكادين تسدّينَ عين الشّمس.
-أحمالي تزيد وأولادي يكثرون وحُمرةُ خدودهم تمتصّ دمائي، أجابت العريشة.
-العطاءُ مُنهِكٌ، يستنزفُ الجسد ويتركه باهتًا دون ألوان.
رمقتِ العريشة جارتها بنظرةِ ازدراء، لكأنّها نسطاسُ أنيسِ فريحة في "إسمع يا رضا" وتطرّقت قائلةً:
-اُزهي بثوبكِ الاحتفاليّ الّذي يموت قريبًا ودَعيني أخيطُ الظِّلَّ قطبةً قطبة. قريبًا يستيقظُ أهل الدّار ويهرعون إلى أحضاني. يأتون بالقهوةِ فأسكرُ من رائحتها وأشاركهم طربَ احتسائها. قريبًا، يتفيَّؤون تحت أغصاني محاولين اصطياد أَشِعَّة الشّمس المتسلّلة. قريبًا، يصدحُ وديع الصّافي بين ربوعي لكأنّني مسرحٌ رومانيٌّ، يحتفي بأجمل اللّيالي والسهرات. هذا العطاء منهكٌ. أوافِقُكِ. لكنّه يحيي النُّفُوس الصدئة ويُشذّبُ الأرواح المشوّهة.
بعد إنصاتٍ طويل، رفعت الياسمينة رأسها والدّموع قد بلَّلت فستانها الأبيض وأجابت بانكسار ِخوريّةِ مارون عبُّود في "ليلة الغطاس":
-أنتِ في أرضكِ وبين أهلكِ وناسكِ. أمّا أنا فقد اقتلعوني من جذوري وزرعوني في أرضٍ ليست أرضي. لو كنتُ الآن في باحةِ دارٍ شاميّة، تُنعِشني حبّاتٌ متطايرة من بركة الماء المُزدانة بالورود والحبق، لكُنتُ بمثلِ زهوكِ لا بل أكثر. كنتُ سأشرب القهوة بفناجين بدويّة ما عَرِفَتْ التفرّنُج وأتمايل مع صباح فخري بقدوده الحلبيّة. أُشكُري الله أنّكِ مغروسة في تراب بلدك. فالعروسُ مهما تألّقَت تبقى غريبة.
07 يناير . 1 دقيقة قراءة
13 مارس . 14 دقيقة قراءة