01 يناير . 6 دقائق قراءة . 819
ذكرنا في مقالات أخرى ضمن سلسلة مقالات التربية وتحقيق الذات أنّ هدف التربية تنمية الشخصية بواسطة مواد تتّصف بالسعة والعمق، وأنّ محور العملية التربوية انتقل من المادّة إلى الفرد. هذا يعني أنّ على كل معلّم أن يكون مطّلعاً على مبادئ علمَي النفس والاجتماع، بما في ذلك الإرشاد النفسي، لكي يعرف كيف يفسّر سلوك الأفراد ويعمل على تغييره نحو الأفضل، وكيف يأخذ هذه العوامل في الاعتبار لدى وضع مخطط لتعليمه. فللعوامل النفسية والاجتماعية أثر كبير في التربية. وبما أنّ هناك حاجات مشتركة بين كل الأفراد وحاجات مشتركة بين بعض الأفراد وحاجات محض فردية، كان على المعلم أن يعرف هذه الحاجات من أجل تصميم برامجه وطرق تعليمه. وإذا كانت الإدارة التربوية تخطط برامجها في ضوء الحاجات المشتركة، يبقى على المعلم أن يكتشف الحاجات الأخرى. لكن عليه أن يعرف، في الوقت نفسه، أنّ إشباع بعض رغبات التلاميذ ليس بالأمر المرغوب في ظروف معينة، وأنّ إشباع بعضها الآخر، كالغش في الامتحان أو التخلّف عن حضور الصف، ليس جائزاً على الإطلاق. كذلك، على المربّين عدم تحقيق رغبات المتّكلين عليهم تحقيقاً فورياً إذا كان الإرجاء أفضل. فبعض الحرمان وبعض الكبت وبعض الإرجاء أُمورٌ مرغوبة أحياناً من أجل تربية حس النظام والاستقلال والمسؤولية والنضج لدى الأولاد. هكذا تبدو التربية، في أحد جوانبها الرئيسية، إشباعاً لبعض الرغبات وحدّاً من رغبات أخرى.
إنّ عامل التشويق ضروري جداً للتعلم الناجح. ونظراً إلى اختلاف الأفراد، كان على المعلم أن يبتكر، إلى عناصر التشويق العامّة، عناصر خاصة بكل فرد، يلجأ إليها على قدر المستطاع وفي حدود الوقت المتاح ومن دون إثارة ملل التلاميذ أو إعطائهم أي انطباع بأنه يعامل بعضهم معاملة خاصة. لكن من الضروري جداً إتاحة سبل النجاح للكل لأن هذا يوفّر لهم حوافز للمتابعة برغبة واندفاع. ومن المهم أن يتولى المعلم مساعدة كل تلميذ على تكوين أهداف لا بحجم طموحه فقط، إذ قد يكون طموحه غير واقعي، بل بحجم مقدرته أيضاً. ويواجه المعلم تحدياً دائماً، هو مساعدة التلاميذ على تحويل حاجاتهم الواجبة الى حاجات نفسية، أي، كما قلنا مراراً، تحويل الواجبات المفروضة إلى رغبات نابعة من الذات.
وبما أنّ على التعليم أن يراعي الناحية النفسية، كان لزاماً على كل معلم، مهما كان موضوع تعليمه، أن يَدرس، بين المواد التي تؤهّله للتعليم، تطور الإنسان الجسدي والعقلي والنفسي في مراحل النمو المختلفة. لذلك كان لزاماً عليه أن يحرص على عدم إرهاق المتعلمين بالتجريدات الذهنية. ففي تعليم الحقائق الموضوعية والقيم والمواقف، لا بد من البدء بالحالات الفردية والنماذج الحسية، وإعطاء المتعلم الفرصة كي يصل بنفسه إلى القواعد والمبادئ العامة. وهذا ينطبق على تعليم القيم. هنا أيضاً، على المعلم مواجهةُ التلاميذ بحالات كثيرة، وإعطاؤهم مجال التوصل إلى القيم الملائمة بأنفسهم. ولا يجوز أن يستغل سلطته أو تعلق التلاميذ به أو اللجوء إلى الترغيب والترهيب لفرض قيمه عليهم. وما يصح على القيم يصح على المواقف. ولئن كان "الصحيح" في مجال الحقائق الموضوعية أو المعارف واحداً، فالصحيح في مجال القيم والمواقف واسع النطاق. لكن سعة النطاق لا تعني أبداً أن كل القيم والمواقف، مهما كانت، سواء. فالسرقة والغش والكذب أمور سيّئة في ذاتها. ويجب إرشاد المتعلمين كي يصلوا إلى القاعدة الذهبية في الأخلاق والسلوك، وهي ألاّ نفعل للآخرين ما لا نريد أن يفعله الآخرون لنا، وأن نتصرف على أساس أنّ تصرفنا يصلح لأن يكون قاعدة عامة.
في تعليمها المعارف والقيم والمواقف، تكون المدرسة قد درّبت التلميذ على ما هو مطلوب منه في كل دَور يؤديه. لكن على المدرسة أن تعلّم أيضاً ما هو وراء الأدوار، أي الإنسان. فلا الدور أو الوظيفة، ولا مجموع الأدوار والوظائف التي يؤديها الفرد، تَختصر شخصيته. فالمشاعر النبيلة وتذوق الجمال في الفن والطبيعة والتأمل في أصل الحياة ومعناها ومصيرها أمور لا تنتمي إلى الأدوار. وقد يؤدي الفرد أدواره على وجه حسن بعيداً عن هذه الأمور، لكن لا شك أنه يؤديها على وجه أحسن إذا كانت هذه جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. لذلك كان على المدرسة أن تعلِّم ما هو وراء الأدوار أيضاً. إنّ مهمّة التربية عدم الاكتفاء بإعداد التلميذ لكي يصير طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو أي شيء آخر، إذ المطلوب، كما قال الفيلسوف خوسيه أورتيغا إي غاسيت، هو الإنسان وراء هذه الاختصاصات والأدوار جميعاً. وهذه النصيحة تنسجم مع الحكمة السقراطية: "اعرفْ نفسك". وليس بعيداً أن تكون معرفة الآخرين لنا أفضل من معرفتنا لذواتنا أحياناً، خصوصاً إذا كانت هذه المعرفة منزَّهة عن المنفعة والهوى. والإخفاق في معرفة الذات يعرقل نمو الشخصية، أي يقف عائقاً في سبيل تحقيق هدف التربية الأساسي. وعلى المعلم أن يُصدِر أحكاماً دقيقة في مساعدته التلميذ على معرفة ذاته، وأن يقدّمها إليه بروح المحبة والمسؤولية. وإذا اكتشف لدى التلميذ عوائق، جسدية أو عقلية أو نفسية أو اجتماعية، وجب إعلام الإدارة المدرسية وتقديم المساعدة الشخصية في حدود ما هو مطلوب ومقبول. وإذا كان الحل مستحيلاً، فعلى المعلم أن يجعل التلميذ يدرك أنّ هناك محدوديات لا يمكن تَجاوُزها، وأن يرشده إلى مجالات التعويض، ويجعله يعي أنّ محدودياته لا تُفقِده شيئاً من قيمته الإنسانية.
ذكرنا في مقالات أخرى ضمن سلسلة مقالات التربية وتحقيق الذات أنّ هدف التربية تنمية الشخصية بواسطة مواد تتّصف بالسعة والعمق، وأنّ محور العملية التربوية انتقل من المادّة إلى الفرد. هذا يعني أنّ على كل معلّم أن يكون مطّلعاً على مبادئ علمَي النفس والاجتماع، بما في ذلك الإرشاد النفسي، لكي يعرف كيف يفسّر سلوك الأفراد ويعمل على تغييره نحو الأفضل، وكيف يأخذ هذه العوامل في الاعتبار لدى وضع مخطط لتعليمه. فللعوامل النفسية والاجتماعية أثر كبير في التربية. وبما أنّ هناك حاجات مشتركة بين كل الأفراد وحاجات مشتركة بين بعض الأفراد وحاجات محض فردية، كان على المعلم أن يعرف هذه الحاجات من أجل تصميم برامجه وطرق تعليمه. وإذا كانت الإدارة التربوية تخطط برامجها في ضوء الحاجات المشتركة، يبقى على المعلم أن يكتشف الحاجات الأخرى. لكن عليه أن يعرف، في الوقت نفسه، أنّ إشباع بعض رغبات التلاميذ ليس بالأمر المرغوب في ظروف معينة، وأنّ إشباع بعضها الآخر، كالغش في الامتحان أو التخلّف عن حضور الصف، ليس جائزاً على الإطلاق. كذلك، على المربّين عدم تحقيق رغبات المتّكلين عليهم تحقيقاً فورياً إذا كان الإرجاء أفضل. فبعض الحرمان وبعض الكبت وبعض الإرجاء أُمورٌ مرغوبة أحياناً من أجل تربية حس النظام والاستقلال والمسؤولية والنضج لدى الأولاد. هكذا تبدو التربية، في أحد جوانبها الرئيسية، إشباعاً لبعض الرغبات وحدّاً من رغبات أخرى.
إنّ عامل التشويق ضروري جداً للتعلم الناجح. ونظراً إلى اختلاف الأفراد، كان على المعلم أن يبتكر، إلى عناصر التشويق العامّة، عناصر خاصة بكل فرد، يلجأ إليها على قدر المستطاع وفي حدود الوقت المتاح ومن دون إثارة ملل التلاميذ أو إعطائهم أي انطباع بأنه يعامل بعضهم معاملة خاصة. لكن من الضروري جداً إتاحة سبل النجاح للكل لأن هذا يوفّر لهم حوافز للمتابعة برغبة واندفاع. ومن المهم أن يتولى المعلم مساعدة كل تلميذ على تكوين أهداف لا بحجم طموحه فقط، إذ قد يكون طموحه غير واقعي، بل بحجم مقدرته أيضاً. ويواجه المعلم تحدياً دائماً، هو مساعدة التلاميذ على تحويل حاجاتهم الواجبة الى حاجات نفسية، أي، كما قلنا مراراً، تحويل الواجبات المفروضة إلى رغبات نابعة من الذات.
وبما أنّ على التعليم أن يراعي الناحية النفسية، كان لزاماً على كل معلم، مهما كان موضوع تعليمه، أن يَدرس، بين المواد التي تؤهّله للتعليم، تطور الإنسان الجسدي والعقلي والنفسي في مراحل النمو المختلفة. لذلك كان لزاماً عليه أن يحرص على عدم إرهاق المتعلمين بالتجريدات الذهنية. ففي تعليم الحقائق الموضوعية والقيم والمواقف، لا بد من البدء بالحالات الفردية والنماذج الحسية، وإعطاء المتعلم الفرصة كي يصل بنفسه إلى القواعد والمبادئ العامة. وهذا ينطبق على تعليم القيم. هنا أيضاً، على المعلم مواجهةُ التلاميذ بحالات كثيرة، وإعطاؤهم مجال التوصل إلى القيم الملائمة بأنفسهم. ولا يجوز أن يستغل سلطته أو تعلق التلاميذ به أو اللجوء إلى الترغيب والترهيب لفرض قيمه عليهم. وما يصح على القيم يصح على المواقف. ولئن كان "الصحيح" في مجال الحقائق الموضوعية أو المعارف واحداً، فالصحيح في مجال القيم والمواقف واسع النطاق. لكن سعة النطاق لا تعني أبداً أن كل القيم والمواقف، مهما كانت، سواء. فالسرقة والغش والكذب أمور سيّئة في ذاتها. ويجب إرشاد المتعلمين كي يصلوا إلى القاعدة الذهبية في الأخلاق والسلوك، وهي ألاّ نفعل للآخرين ما لا نريد أن يفعله الآخرون لنا، وأن نتصرف على أساس أنّ تصرفنا يصلح لأن يكون قاعدة عامة.
في تعليمها المعارف والقيم والمواقف، تكون المدرسة قد درّبت التلميذ على ما هو مطلوب منه في كل دَور يؤديه. لكن على المدرسة أن تعلّم أيضاً ما هو وراء الأدوار، أي الإنسان. فلا الدور أو الوظيفة، ولا مجموع الأدوار والوظائف التي يؤديها الفرد، تَختصر شخصيته. فالمشاعر النبيلة وتذوق الجمال في الفن والطبيعة والتأمل في أصل الحياة ومعناها ومصيرها أمور لا تنتمي إلى الأدوار. وقد يؤدي الفرد أدواره على وجه حسن بعيداً عن هذه الأمور، لكن لا شك أنه يؤديها على وجه أحسن إذا كانت هذه جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. لذلك كان على المدرسة أن تعلِّم ما هو وراء الأدوار أيضاً. إنّ مهمّة التربية عدم الاكتفاء بإعداد التلميذ لكي يصير طبيباً أو مهندساً أو محامياً أو أي شيء آخر، إذ المطلوب، كما قال الفيلسوف خوسيه أورتيغا إي غاسيت، هو الإنسان وراء هذه الاختصاصات والأدوار جميعاً. وهذه النصيحة تنسجم مع الحكمة السقراطية: "اعرفْ نفسك". وليس بعيداً أن تكون معرفة الآخرين لنا أفضل من معرفتنا لذواتنا أحياناً، خصوصاً إذا كانت هذه المعرفة منزَّهة عن المنفعة والهوى. والإخفاق في معرفة الذات يعرقل نمو الشخصية، أي يقف عائقاً في سبيل تحقيق هدف التربية الأساسي. وعلى المعلم أن يُصدِر أحكاماً دقيقة في مساعدته التلميذ على معرفة ذاته، وأن يقدّمها إليه بروح المحبة والمسؤولية. وإذا اكتشف لدى التلميذ عوائق، جسدية أو عقلية أو نفسية أو اجتماعية، وجب إعلام الإدارة المدرسية وتقديم المساعدة الشخصية في حدود ما هو مطلوب ومقبول. وإذا كان الحل مستحيلاً، فعلى المعلم أن يجعل التلميذ يدرك أنّ هناك محدوديات لا يمكن تَجاوُزها، وأن يرشده إلى مجالات التعويض، ويجعله يعي أنّ محدودياته لا تُفقِده شيئاً من قيمته الإنسانية.