26 أبريل . 2 دقيقة قراءة . 545
(كنان أورويل).
أذكر تماماً أول قصة كتبتها، في الصف الثاني الابتدائي، بالقلم الرصاص، وعلى دفتر (٥٠ ورقة) ذي غلاف أخضر. كان دفتراً غالياً على قلبي، يكاد لا يفارقني، حتى في وقت النوم يشاركني سريري (مع قلم ال PIC الأزرق).
وأذكر تماماً سعادتي عندما قرأت معلمتي القصة وأعجبتها، هذا ما قالته حينها، والله أعلم.
وإن لم تخني الذاكرة، فالقصة كانت عن حيوانات تعيش في الغابة. أربعة حيوانات لطيفة كانت كل ما احتوته مخيلة طفل في حينها.
ومن ذكريات الطفولة الأخرى والتي كانت اللبنة الأساسية التي قام عليها حب القراءة، قصص المكتبة الزرقاء ومجلة مكيي، ثم مجلة أسامة التي كان أبي يشتريها لي دائماً عند صدور العدد (بخمسة ليرات سورية فقط )، كنت أحبها جداً وأفضّلها على مجلة ماجد رغم بساطتها مقارنة مع الأخيرة، وأعتقد السبب أنها كانت تشبه مجتمعنا أكثر.
في مرحلة لاحقة _ المراهقة_ ظهرت الألغاز، ألغاز المغامرين الخمسة والشياطين ال ١٣، عشقتها وعشقت مصر وحفظت الكثير عنها بسبب تلك القصص البوليسية الشيقة رغم بساطتها الأدبية، لذلك انتهزها فرصة لأشكر كاتبها "محمود سالم".
لم أكن أقرأ روايات ولا كتباً حتى المخصص منها لعمري، أما مصدر المعلومات والثقافة كان برامج المسابقات التي انتشرت بكثرة حينها، أتابعها بشغف وأقلّدها عند اللعب مع أقراني.
تلت ذلك فترة انقطاع شبه كامل عن القراءة (إلا ما ندر) ما يقارب الثماني سنوات، خلال المرحلة الثانوية والجامعية حيث كان التركيز على الكتب الدراسية، وفي أيام العطل كانت رغبة القراءة تعطل معها.
عاد بعدها نهم القراءة تدريجياً في المرحلة التي تلت الجامعة دون أن ترافقه الرغبة في الكتابة إلا منذ ثلاث سنوات أو أكثر قليلاً.
بالتأكيد الكتابة هي موهبة فطرية بشكل رئيس ولكنها قد تأتي اكتساباً أيضاً في حال بدأت تنميتها عند الطفل في عمر مبكر.
ومن وجهة نظر شخصية، أجد أن القدرة على الكتابة وبالإضافة للموهبة، تتحقق بوجود شروط ثلاثة.
أولها العاطفة أو الإحساس أو الشعور، وأقصد إحساس الكاتب بموضوع الكتابة أيّاً يكن والذي ينتقل كالسحر عبر كلماته إلى القارئ، أما الكاتب البارد الذي يكتب لمجرد الكتابة _ حتى لو كان موهوباً _ فهو يخلق لدى القارئ إحساساً بأن النص جامد، خالٍ من الروح، وذلك تماماً ما أشعر به عندما أعيد قراءة كتاباتي، إذ أجد الفرق كبيراً بين النص الخارج عن بنات أفكاري _ مهما كان ضعيفاً _ وبين النص المترجم (عندما أترجم مقالاً مثلاً)، فرغم فهمي الجيد للنص المترجم واقتناعي به بيد أني أحسه جامداً بلا نبض خالياً من الحياة مهما نمقته أو نسقته أو أضفت عليه صبغة أدبية.
ثاني الشروط هو القراءة.
مستحيل أن تصبح كاتباً جيداً ما لم تكن في الأساس قارئاً جيداً. وهو أيضاً ما لمسته في نفسي عند مقارنة كتاباتي في البداية (أي عندما بدأت القراءة فعلياً منذ ثلاث أو أربع سنوات) وبين كتاباتي اليوم.
وبصرف النظر عن أن الكتابة تتطور بالتمرين، يبقى للقراءة دوراً هاماً ومركباً.
فهي مصدر البناء اللغوي، والمحفّز، ومحرك الخيال، وهي مخزن الأفكار والشخوص ومولّدها. إضافة إلى الدور الثقافي الذي تمنحه للقارئ، والذي بدوره يفتح آفاقاً جديدة في عقله.
الشرط الثالث هو الاحتكاك بالناس والانخراط في الواقع.
فلا يغني مخيلة الكاتب بعد القراءة والكتب سوى أن يعيش بين الناس وسط أحداث الواقع ومشكلاته، يخزّن الشخصيات ويرصد ردود الأفعال، ويتلمس سلوكيات النفس البشرية على أرض الواقع.
وذلك ما يعتبر إحدى أهم نقاط الضعف في كتاباتي، لأني شخص انطوائي في العموم، وتجد أغلب ما أكتبه عن نفسي وعن مشاعري أو حول رد فعلي على حدث ما، عدا عن مزاجيتي العالية التي تؤثر ليس فقط على موضوع الكتابة وجودتها فحسب، وإنما تؤثر فيما إذا كنت سأكتب أم لا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استمرارية الكتابة أمر غاية في الأهمية.
كل ما سبق يضيفني في خانة " الهاوي " ولست بعد كاتباً جيداً، لكن قد أصبح يوماً ما، وهذا رهن على تطوير أدواتي واستمراريته، وعلى اللحظة التي يصبح فيها ذلك كله شغفاً.
ولكي أجيب الآن على السؤال الذي اخترته عنواناً .. لماذا أكتب؟!
ببساطة.. أكتب لأني أرغب في ذلك .. وأحجم عن الكتابة لأن لا مزاج لي ..
أقرأ لأني أشعر برغبة في ذلك .. وألقي الكتاب جانباً عندما تهمد تلك الرغبة ..
ببساطة أكثر .. أفعل ما يحلو لي .. ساعة أشاء .. أنا حر ..
فإن راقت لك كتاباتي .. اقرأها .. وإلا .. فأنت حر .
01 يناير . 5 دقائق قراءة