30 أبريل . 7 دقائق قراءة . 850
محمد علي دياب | الجمعة 30 نيسان 2021
العمال السوريون في لبنان.. "قدمٌ في بلدهم الأم وأخرى في المجهول"
في كتابه "تطوّر الطبقة العاملة اللبنانية في الرأسمالية اللبنانية المعاصر"، يشير الباحث الأكاديمي اللبناني علي الشامي إلى العلاقة التاريخية التي تربط العمالة السورية بسوق الإنتاج في لبنان على اختلاف تفرعاته.
مرفأ بيروت كان واحداً من أمكنة تجليات هذه العلاقة إذ كان السوريون يشكلون ثلث القوة العاملة فيه بحسب الشامي.
حالٌ ليست ببعيدة عن باقي القطاعات الإنتاجية في البلاد منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، باكورة النهضة الاقتصادية في لبنان والتي شكل فيها العمال السوريون والفلسطينيون أحد أهم ركائزها.
مثالٌ بسيط من جملة أمثلة حملها تاريخ كان بمثابة الحبل السري الذي تشاركه اللبنانيون والسوريون في السراء والضراء. إن كان خيراً، عم على الجميع وإن كان شراً، تقاسموه بكل مافيه.
نتيجة يعرفها نور نصار تمام المعرفة. بعد غياب دام لسنوات عاد الشاب العشريني لمجالسة عائلته في السويداء ومشاركتهم فنجان القهوة الصباحي.
5 سنوات مرت على سفره إلى لبنان بحثاً عن حياة جديدة؛ سنوات كفيلة بإشباع ذاكرة طالب هندسة الاتصالات بالذكريات والتجارب، يستغل الوقت اليوم كي يشاركها مع أهله.
مطلع العام 2016، أجلَّ نور دراسته الجامعية، حزم حقائبه ومضى نحو وجهته الجديدة.. إلى بيروت. في شارع الحمرا كانت البداية حيث أسس لقادم الأيام في مدينة غريبة بالنسبة له، كان الوضع صعباً للغاية، حالة نفسية سيئة انتفت معها الرغبة بالعمل أو الإندماج بالمجتمع المضيف، استمر على هذه الحال مدة شهرين كاملين إلى أن قرر التحرك فالظروف المعيشية في لبنان لا تقبل التلكؤ أو الكسل.
كل شيء كان يسير بشكل طبيعي، عمله في أحد مطاعم الجميزة شرق بيروت أمن له نوعاً من الاستقرار المادي وأفسح له المجال لاكتساب خبرات جديدة يقول عنها نور إنها كانت وسيلته الوحيدة للمضي قدماً فالعيش في بيروت مختلف عن دمشق التي يعرفها؛ "بيروت مدينة ضبابية.. بتضيع فيها إذا ما كنت قد حالك". معادلة نجح في تكريسها لصالحه.
مساء الرابع من أب 2020 كان توقيتاً فارقاً في حياة سكان بيروت ومن بينهم نور. انفجار ضخم يهز مرفأ العاصمة مخلفاً واقعاً إنسانياً كارثياً لم تشهد له البلاد مثيلاً من قبل. أمتارٌ قليلة تفصل مكان عمل نور عن موقع الإنفجار، وحدها الرحمة الإلهية كانت إلى جانب الشاب السوري كاتبة له حياة جديدة. بترٌ في أصابع اليد اليمنى وعجز في القدم، جراح يحمل عبأها حتى يومنا هذا.
رغم نجاح العلاج الفيزيائي في تخفيف الأضرار بدرجة كبيرة إلا أن ما حصل كان كفيلاً بدفع نور للتفكير جدياً في تغيير مسار حياته. خسارة العمل والوضع المعيشي الصعب الناجم عن انهيار الاقتصاد اللبناني تركاه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء _ وهو أمر شبه مستحيل في ظروفه _ أو العودة إلى سوريا، وبالفعل كانت الغلبة للخيار الثاني. جمع نور "تحويشة العمر" وأضاف لها بعضاً من نقود العائلة لدفع بدل خدمة العلم المقدرة في سورية بـ 7000 ألاف دولار أميركي وعاد إلى مسقط رأسه في السويداء حيث أسس لعمل جديد يأمل أن يعوضه عن سنين الغربة.
مبلغٌ يبدو أحمد عاجزاً عن تحمل تكلفته رغم أنه سبيله الوحيد للعودة إلى بلده الأم في محافظة الرقة شمال شرق سورية، فحسابات رب العائلة مختلفة عن حسابات الأعزب.
أربعة أطفال وزوجة، عائلةُ أحمد التي قرر إبقاءها في لبنان أمام ناظريه أياً كانت الظروف. 10 سنوات مضت على وجوده في لبنان عمل خلالها أميناً لمستودع مؤسسة تجارية في بيروت، قبل أن يضطر مُكرهاً للبحث عن مصدر رزق جديد عقب إقفال المؤسسة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد.
"منشتغل يوم منقعد عشرة.."، يقول أحمد الذي انتقل للعمل في مهنة "الفعالة" العاجزة في أحيان كثيرة عن سد رمقه وعائلته. التفاوت الكبير في أسعار السلع الغذائية بين يوم وليلة وتدني الدخل جعل من مهمة النهوض بأعباء العائلة أمراً صعباً للغاية خصوصاً وأن يوميته لا تتجاوز في أغلب الأحيان 50 ألف ليرة لبنانية أي أربعة دولارات وهو رقم لا يساوي ثلث المبلغ الذي كان يتقاضاه العمال السوريون في السابق، وقد يعجز عن شراء عبوة زيت واحدة للعائلة، علماً أن عائلته لاتتلقى أي دعم أو مساعدات أممية في السنوات الأخيرة.
"لبنان بين الـ2011 و الـ 2016 كان روعة، شغل كتير وأيام حلوة.. اليوم، أيام صعبة خصوصاً ع المعتر والفقير"، يقولها أحمد بعد أن استحضر خلال حديثه موقفاً تعرض له في أحد المحال التجارية أثناء خلاف المشترين على كيس سكر مدعوم، موقفٌ يدفعه للخجل فهو لا يملك الحق برأيه في منافسة اللبناني على لقمة عيشه رغم أن البعض سيحمله التهمة سواء فعلها أم لا.
هذا الواقع الذي قرر أحمد التأقلم معه لم يكن مناسباً لحمزة السيد.
على الرغم من كونه أباً لطفل واحد إلا أن الشاب الثلاثيني اختار مواجهته وحيداً شرط ضمان سلامة عائلته في سورية. قبل 8 أشهر استأجر لزوجته وطفله الصغير منزلاً متواضعاً في مسقط رأسه بدرعا جنوب البلاد كي تكون على مقربة من أهله الذين سبقوه في العودة قبل 4 سنوات.
إجازة الاقتصاد التي يحمها فشلت في منحه فرصة عمل ملائمة ما اضطره للعمل في مهنة الحجر الصخري. مهنةٌ شاقة تحتاج الكثير من الجهد العضلي غير أنها كانت كفيلة بضمان حياة كريمة لعائلته، يعمل لخمسة أشهر تكفيه للراحة بقية العام في انتظار الموسم الجديد.
هذه الرفاهية لم تعد متاحة اليوم، الـ3000 ألاف دولار التي كان يتقاضاها صارت اليوم حلماً مستحيلاً. انهيار العملة اللبنانية وتضاؤل الفرص باتت تمنح حمزة نحو 300 دولار فقط يقبضها بالعملة اللبنانية، تذهب مئتان منها لإعالة عائلته وأهله في سورية فيما يكتفي هو بالمئة الباقية لتأمين مأكله ومشربه.
لا يفكر حمزة في العودة إلى سورية فالوضع الأمني والمعيشي برأيه غير ملائم لضمان حياة كريمة له ولعائلته ولذا يفكر في السفر نحو أول دولة تفتح له أبوابها في أقرب فرصة، فلبنان لم يعد صالحاً للعيش، "بروح عمرك وإنت بمكانك.."، يختم قائلاً.
نور، أحمد وحمزة، تجارب حية قد تعطي تصوراً وإن كان بسيطاً لواقع السوريين في لبنان، هذه الأزمة الأخذة في التفاقم يوماً إثر أخر دون أية حلول ناجعة. وإلى أن تُشرَّع الأبواب مجدداً بين البلدين سيظل أكثر من مليون ونصف المليون سوري عالقين في دوامة الخيارات بحلوها ومرها، "قدمٌ في سوريا وأخرى في المجهول".
نتيجة تؤكدها سجلات الأمن العام اللبناني التي وثقت خلال الفترة الممتدة بين 2017 و 2019 عودة 341873 سورياً بشكل طوعي إلى سورية؛ رقمٌ تضاءل بشكل كبير مع إغلاق الحدود المتكرر بين البلدين منذ وصول وباء كورونا في شباط 2020 والقيود المفروضة على الحركة.
29 يناير . 0 دقيقة قراءة