13 مايو . 3 دقائق قراءة . 786
العمل هو الطاقة، أو الجهد الحركيّ أو الفكريّ، الذي يبذله الإنسان من أجل إنتاج ما يشبع حاجاته الماديّة والفكريّة، أو كلّ ما يحتاجه من أجل استمراره في هذه الحياة، من السلع والخدمات الماديّة والروحيّة، إلى النوتة الموسيقيّة والكلمة وكلّ ما بينهما.
من هنا جاء لمقولة: «في العمل يبدّل الإنسان في الطبيعة، ويبدِّل في نفسه أيضاً». أو «في العمل يخلق الإنسان نفسه»، راهنيّتها التاريخيّة ومصداقيتها في حياة الفرد والمجتمع، والدولة بكلِّ مؤسساتها.
كثيراً ما تردَّدت هذه المقولة في الفكر الفلسفيّ العقلانيّ التنويري، فالإنسان عندما يعمل، لا يبدِّل في المحيط الاجتماعيّ والطبيعي الذي ينشط فيه فقط، (إن كان على مستوى نشاط الفرد، أم على مستوى نشاطي المجتمع والدولة)، وإنما يبدّل في نفسه أيضاً، أي في عاداته وتقاليده وبنيته الفكريّة، ولغته وأحاسيسه ومشاعره، وقيمه الأخلاقيّة والجماليّة والسياسيّة.. الخ.
إن الإنسان عبر تاريخ علاقته التاريخيّة مع الطبيعة والمجتمع، استطاع أن يطوّر في وجوديّهِ الماديّ والفكريّ معاً، فكلَّما تطوّرت وسائل إنتاجه مثلاً، تطوّر الإنتاج نفسه، ورافق تطوّر هذا الإنتاج، تطور آخر بالضرورة، في العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة. بيد أن التطور الأهم هنا، يتجلّى في الإنسان الفرد نفسه، حيث نجد هذا التطوّر ينال إضافة إلى ما ذكرناه، نظرته إلى الحياة ومهاراته الشخصيّة، واهتماماته وميوله وسلوكياته، وغير ذلك.
على العموم، التطوّر الأهم في حياة الإنسان العامل اليوم، حدث مع قيام الثورة المعلوماتيّة بكلّ أشكالها ووظائفها، فعندما حقّق الإنسان هذه الثورة بجهوده العضليّة والفكريّة، المتراكمة تاريخيّاً على اعتبارها لم تأت مصادفة، استطاع أن يحقق تغييراً جوهريّاً، في معطيات وآليّة عمل العالم الإنساني عموماً، بكلّ مستوياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة، وذلك بسبب ارتباط الكثير من مؤسسات الحياة على مستوى العالم، بهذه الثورة ومعطياتها، ممثَّلة بالحاسوب والنت والفيس والتويتر والخليوي، وغيرها من الوسائل التكنولوجية المرتبطة بهذه الثورة المعلوماتية التي أصبحت حاجات أساسيّة وضروريّة في حياة الإنسان بشكلٍ عام.
هذه التكنولوجيا مثلاً، لم تعد تحقّق إنجازاتٍ علميّةٍ على المستوى المادي، أو النشاط العملي للإنسان، في مجالات عمله الوظيفي المتنوع فحسب، بل أخذت تبرمج كلّ نشاطه، من الهاتف الجوال الفرديّ، إلى أجهزة المؤسّسات المعلوماتيّة التي يعمل بها، وهذه البرمجة راحت تحدّد سلوكياته وتفكيره أيضاً. أي إن الإنسان ذاته، قد برمج عقله ونشاطه، بما يتّفق وآليّة عمل هذه التكنولوجيا. بتعبيرٍ آخر، إن الإنسان تحوَّل إلى ترسٍ في آليّة عمل هذه التكنولوجيا، وبالتالي أيّ عطل يصيبها، سيشلّ نشاطه العمليّ والفكريّ معاً.
على سبيل المثال لا الحصر، انقطاع الكهرباء. هذا الانقطاع إذا ما حصل، سيشلُّ عمل كلّ الأجهزة المرتبطة بها، ومنها أجهزة الثورة المعلوماتيّة وفي مقدمتها «النت» على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي سيعطل ويشلّ أيضاً، نشاط وحركة الإنسان الفرد والمجتمع، مثلما حركة الدولة ومؤسساتها.
هكذا نرى أن الإنسان في العمل، يبدِّل في الطبيعة ويبدِّل في نفسه. أي إن الإنسان في العمل، يعيد دوماً، خلق نفسه من جديد.
سيظلُّ الفرق هنا شاسعاً، بين أن يكون هذا العمل لخيرِ الإنسان ومصالحه، وخاصة تنمية حياته الماديّة والروحيّة بكلّ أشكالها ودلالاتها، وبين أن يكون ضد الإنسان ومصالحه، وعموم نشاط حياته، وبالتالي سيعمل على تحويله إلى إنسانٍ مشيَّئ ومغرّب ومستلب روحاً وجسداً..
x1a *كاتب وباحث من سورية
d.owaid333d@gmail.com