01 يناير . 5 دقائق قراءة . 1202
"التطوّر قانون الحياة والوجود، وكل من يرفض التطور أو يعاكس مساره إنما يخرج عن هذا القانون". من هذا القول الوارد في كتاب "الإيزوتيريك يثقف ملكاً" إعداد وتنسيق "ج.ب.م" ننطلق في البحث عن واقع الإنسان وضرورة ارتقائه إلى مستوى إنسانيّته.
عندما استوى الإنسان على الأرض، باشر مسيرة التطور في الوعي ولم يوفر جهداً في انتهاج خط تصاعدي عكسي يؤوب به إلى مصدره واعياً في نهاية المطاف. الا ان انجراره خلف ملذاته وشهواته الأرضيّة وانغماسه في المادة أبعداه عن ذاته، فبات يتخبّط في الفوضى الفكرية. وأهمل التنظيم والتزم العشوائية في تعامله. هذا ما أدى إلى ظهور القلق والرتابة، حتى أنه لم يسع لاكتشاف ما ينقصه أو ما تخفيه الحياة من ألغاز وأسرار.
نسمع البعض يقول: "إن الله لا يكملها مع عباده... " ونسألهم: هل سعى الإنسان لإدراك الاكتفاء المادي والارتقاء في الوعي والفهم والمحبة؟ فكيف يطلب الحياة العادلة والكاملة وهو يقبع في غياهب أفكاره المجزأة والمحدودة والبعيدة عن منطق الحياة؟
ليس المطلوب الآن أن نبلغ ما لم نستطع بلوغه؛ بل أن نضاعف جهدنا لانتهاج المسيرة القدرية على طريق الاكتفاء والرضا الذاتي والتطوّر في الوعي الإنساني.
منذ أن خُلق الكون، وضع الخالق له مسارات دقيقة ومنظمة لا تتخلّف عنها مجرّة ولا يحيد عنها كوكب. فبدأ الانسان محجّته الارضية ملتزماً النظم الإلهية وقوانينها... قوانين لا تحتمل الشك أو المسّ بعدلها وقداستها، وهي قوانين تدفع به إلى الارتقاء في الحياة
وتهيّئ له الظروف الملائمة لتحقيق هدف وجوده...
إلا أن الإنسان المعاصر تغاضى عن تقديمات الحياة. فبات يبحث عن أسباب ما يحدث معه في القشور ولم تصل أفكاره يوماً إلى الجوهر، واعتاد اتهام القضاء والقدر بكل مصائبه وأنه لا حول ولا قوة له أمام مشيئة الله وإرادته. ولكن أليست إرادة الإنسان امتداداً للإرادة الكونية؟
إنّ الوعي هو الذي يلازمنا على الأرض، فنفهم به رسالة الحياة ونقرأ بقلوبنا وعقولنا الحقائق التي تنقلها لينا فنتشرب منها الفهم والمحبة والخير والعطاء… أمّا من اختار تجاهل نداء الحياة ومخالفة قانونها فلا يظن أنّ السعادة ستزوره يوماً...
إذا تمعّنا في البحر مثلاً، قد نرى من جهة مدى روعة أفقه وسعته وصفاء مياهه وسكون أعماقه؛ وقد نرى من جهة أخرى ارتطام أمواجه وخطر أعماقه وملوحة مياهه. البحر لم تتغيّر معالمه الا ان عين الناظر هي التي اختلفت.
أليست الحياة على غرار البحر، تختلف نظرة الأشخاص اليها، فيما هي تحضن الجميع وتبقى مصدر وعي ومحبة وعطاء؟ فهل يتوقع من ينكر جميلها. أن يحصل على جوائز ترضية للتعويض عن جهله؟
ولكن رغم ظلم الإنسان لها واصداره الأحكام القاسية في حقّها، تبقى الحياة مسامحة. تقدّم له طريق العودة إلى السعادة وتهيئ له الظروف ليكفّر عن ذنوبه. كما وأنّه على صعيد الجماعة، ترسل في كل زمان رسولاً يصلح اعوجاج المجتمعات وضياعها في غياهب المادة وشرودها عن الحق والوعي والمحبة ويرشدها إلى القيم والمبادئ السامية.
الحياة مسار وعي بدأه الإنسان مذ تمدد من موئل النور حاملاً معه سراجاً يضيء طريقه. الا ان نور السراج ما لبث أن اضمحلّ بفعل رياح السلبيات التي ابتدعها وهو سائر على مسار الحياة... فباتت درباً مليئةً بالعقبات والمشقّات، ودرباً وعرةً شاقةً، إنما يسهل على الوعي اجتيازها من خلال تسليط نور المعرفة عليها. أمّا من اختار الجهل مصباحاً يتوهّم من خلاله رؤية طريقه بوضوح، فليس من المستغرب أن يتخبّط ويعاني ويشكو "ظلم الحياة" وينسب ما يتعرّض له الى "بلاء من الله" من دون أن يتساءل: " هل المشيئة الإلهية تتلهى بمصائر البشر وتختار أن تنعم أو تبتلي شخصاً من دون آخر؟ "
إن الإنسان سيّد نفسه ومصيره... يحصد ما يزرع في تربة الحياة، ينشر فيها بذور أعماله وتصرفاته. فإذا كانت صالحة مضمّخة بالخير والعطاء، حصد محبة الحياة ورأفتها وسخاءها. أما إذا كانت تحمل السيئات والسلبيات فمن الطبيعي أن يحصد الألم والعذاب والمشقات.
وأخيراً لفت انتباهي هذا القول المأثور من كتاب الإيزوتيريك "اللاوعي إن حكى": "إن مصاعب الحياة حجارة عثرة على درب الوعي؛ لكن بين الحجر والآخر فسحة لتثبت قدميك عليها فما بالك تبصر العثرة ولا ترى الفسحة؟ ".
الحكمة تكمن في أن يثبت الإنسان قدميه في صلب هذه الصعوبات ويواجهها بقوّة وحزم وإرادة وثقة، فيتبدد مذاق الشقاء والألم. وقد يعتري المرء شعور الغبطة ما بين الفينة والأخرى؛ هنيهات سعادة تكلّل طريق السعي والوعي وكشف مكنونات الحياة وألغازها.
#فلسفة #ايزوتيريك
#حكمة #الحياة # وعي# تطور ذاتي