01 يناير . 8 دقائق قراءة . 542
القلب عنده من الأفكار ما لا يدركه الفكر بليز باسكال رياضي، فيلسوف، فيزيائي، علمي، عالم لاهوت (1623-1662)
لعل منتهى سر الفكر هو في تماسك منطقه، ولعل منتهى جمال الشعر هو في رومنطيقيته.
ولعلّنا نظن أن الفكر والشعر لا يجتمعان في شخصية واحدة لكونهما مرّة يظهران في صورة مفكر ومرّة في صورة شاعر.
لكن ظنّنا هذا هو ما يخرج عن المنطق، ليتلاقى ربما مع مرآة الواقع، لكن دون أن يلتقي ببساطة الحقيقة.
نعم هناك مفكرون، وهناك شعراء
نعم هناك منطقيون، وهناك رومنطيقيون
لكن النفس نفسها لا تكون نفسها دون هذا وذاك معًا في آن!
إذا كان الفكر لا يلتقي بالشعر والعكس، فذلك يعود لما هو متعارف عليه، بأن الفكر والمشاعر نقيضان!
فمنطق لا يرى أن الفكر لولا المشاعر لن يعود فكرًا ولن يعود بأي أفكار جديدة، لهو منطق لم يع نفسه ولا الهدف من وجوده
ورومنطيقية لا ترى في المنطق مخيِّلة، لهي رومنطيقية لم تصغ لهمسات الطبيعة.
النفس تطلب الاثنين معًا، الفكر والشعر، وتستذوقهما على نفس مأدبة الطعام، أي الحياة اليومية.
لكن صاحب النفس هو من يفصل نفسه إلى شخصية مفكر أو شاعر، أو لنقل هو من يرى في نفسه المفكر أو الشاعر، وبالتالي يستنسب الفكر على الشعر داخله، أو العكس أي الشعر على الفكر، فيخلق التناقض بين وهم يخبره أن المنطق لا يفهم لغة الشعر أو العكس، وبين حاجة نفسه الملحة لرؤية الحياة والتعبير عنها بكلا الوجهين.
النفس منطقية ورومنطيقية، نعم
لكن لنتساءل إذا كان المنطق فعلًا على علاقة بالمخيّلة كما طرحت فلماذا الواقع يناقض ذلك؟!
نقول لأنه عندما تفكر بمنطق فأنت تفكر مستخدما اللغة المحكية، تلك اللهجة التي هي انعكاس من لغة، هي انعكاس من لغة أخرى... أي أنت تفكر بمنطق المحكي وواقعه المجتمعي الذي خلط الكلمات وتناسى الكثير منها.
فأُعطيت الكلمة ترادفات وتغاضى عن التمييز فيما بينها، كما وأُلبست أردية بأبعاد ذات معان مادية بحت، ففقدت كما كبيرًا من حقيقة أنها تعبير عما هو لا مادي من أفكار ومشاعر!
النفس منطقية ورومنطيقية، نعم
لكن وفي كثير من الأحيان الحيّز الذي في داخلنا، ذلك الذي يعتقد أنه يفكر وبمنطق، لا هو يفكر ولا هو يمنطق
هو يرى ألبسة الفكرة، يتعامل بالكلمات، وهذا ما نوّه إليه رودولف شتاينر الطالب في المدرسة الثيوصوفية مرارا في كتبه آنذاك.
لتبسيط ذلك نقول هو يفكر كما المعتاد، وإذا كان التفكير عبارة عن كما هو المعتاد إذا هو ليس تفكيرًا، فكيف بالحري أن يكون منطقًا؟!
راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستتحول إلى أفعال، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك. لاوتسي فيلسوف قي القرن السادس قبل الميلاد
فلو راقب معظمنا اليوم طريقة تفكيره، لتوضح له بأنه لا يفكر، إنما هو يستهلك الأفكار، وإن صح التعبير هو يتطفل على الأفكار، من واحدة للأخرى دون أن يكمل سابقتها.
وكذلك الأمر بالنسبة عندما يعتقد المرء بأنه شاعري، في الغالب هو لا يولي للمشاعر نفسها ولا للشاعرية والطبيعة حقها بقدر هيامه في الشرود الفكري، والذي بات بالنسبة له مرادفًا للشاعرية.
تعقيبًا على أهمية المشاعر في دورة الفكر، فنقول بأن هذه الدورة لا تكتمل ما لم تكن هناك مشاعر تعبر بالفكر نحو مسارات فكرية جديدة، ويكفي مراقبة النتيجة في حالة النفس وهي تنكّب على بحث فكري متعمدة إقصاء المشاعر.
وعن كنه الشعر فلعلني أعود إلى الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، الذي يقول بأن الشعر هو اللغة الأصلية، وهو الذي يجعل الكلمة ممكنة، وأن الشعر يظهر ما يظل مخفيًا في اللغة، ويتوصل بأن قصيدة اللغة، قصيدة لم تكتب بعد، إنما هي صدى للصمت!
أما مصطلح الرومنطيقية والذي هو اشتقاق من الكلمة الفرنسية رومان، وأول ظهور لهذا المصطلح هو في القرن الثامن عشر، حيث كان يستخدم لوصف ما كان يعجز التعبير عنه بالكلمات
فكانت فرنسا في ذلك الوقت المهد الأول لهذه الحركة الرومنطيقية كحركة أدبية، وذلك لم يكن محض صدفة بل لما اتّسم به الفرنسيون آنذاك من رزانة عقل وفكر منطقي!
إذًا داخل الشعر هناك فكر، والفكر نفسه لا يثمر من غير أرضية شعرية.
الفكر يقود النفس، والمشاعر هي ما تؤنس قيادته، ودونها أي المشاعر ليس هناك سير، ولن يعود هناك من معالم على الطريق.
متى تجتمع هذه المنطقية والرومنطيقية في النفس؟
متى يتزاوج الفكر بالمشاعر؟
وتكون النفس مفكر وشاعرة في الآن والعمل نفسيهما؟
لعله عندما يجمعهما الهدف نفسه، ولعل الهدف في كل الأهداف هو المحبة!
الفكر واقع، والمشاعر حلم…
كلاها وهم!
وفقط حين يجتمعان معًا في الحب يغدوان حقيقة
الفكر كما الشعر والشعر كما الفكر، كلاها صورة في المرآة
فقط معًا في الحب يغدوان حقيقة لا صورة لها ولا مرآة...
رب سائل عن الحب، فما هو الحب؟
هل الحب فكرة؟
أم أنه يا ترى شعور يخالج النفس؟
الحب هو لا هذا ولا ذاك
الحب هو فكر في شعور، وشعور في فكر
الحب هو ذكاء اتحادهما في نفسين اثنتين، امرأة ورجل
فلا حب بين امرأة ورجل مالم تكن المشاعر والفكر في كل من نفسيهما على انسجام
ولا حب في نفس ما لم تكن هذه النفس منطقية في رومنطيقيتها، ورومنطيقية في منطقها.
فإذا كان منتهى سر الفكر تماسك منطقه، ومنتهى جمال الشعر هو رومنطيقيته
فمنتهى سر جمال النفس هو المنطق فيها متحدًا مع رومنطيقيتها.
لتوضيح أهمية العمل بالشقين معّا، ليمارس من اعتاد الأنشطة الفكرية، بعد تركيزه المطول على نشاط فكري ما، استراحة يقوم بها بنشاط مشاعري يريحه، كترنيم أغنية طربية، أو سماع أخرى شاعرية، أو الرسم أو الرقص قليلا، أو حتى فليهاتف الأهل مثلا، وبدوره ليكن واعيًا لما يعتمر في كيانه بعد هذه الاستراحة المشاعرية.
أما من اعتاد الأنشطة المشاعرية، فليمارس نشاطًا فكريًا في استراحته، كان يلعب الشطرنج أو يستذكر ما قد فعله في يومه بادئًا من لحظته هذه حتى استيقاظه، أو ليحاول أن يفكر فقط بأمر بسيط أمام عينه لمدة ثلاث دقائق دون انقطاع أو تشتت، متفاديًا الشرود، حاصراً تركيزه فقط بهذا الأمر.
ثم ليراقب ما يعتمر في نفسه هو الآخر.
ولفهم تأثير اتحاد الفكر مع المشاعر في الحياة العملية، لنراقب حبيبين اثنين، لنراقب نتاجهما الفكري والمشاعري، وسلوكهما في مختلف الظروف، ليست اليسرة فحسب بل وتلك العسيرة أيضًا، ثم لنتفكر في أهمية الحب بناء على مراقبتنا تلك، مدونين الاستنتاجات.
في الختام علني أتذكر كلمة بليغة في تصويرها المنطق بحلّة رومنطقية، تختصر الكثير مما قد ذكرته:
المنطق يتداخل في كل وجود وكل مخلوق، وهو يمتد من الجمال إلى ما يبدو قبحًا، لأنه لا يهمل شيئًا «جوزيف مجدلاني مؤسس علوم الإيزوتيريك في العالم العربي
#النفس_البشرية
01 ديسمبر . 10 دقائق قراءة