أربع عيون

Kenan Dumat

13 نوفمبر  .   3 دقائق قراءة  .    655

أمسكت قلمي في محاولة كتابة شيء ما .. فوجدت المَعين قد نضب، والأفكار جفت، وجلست في يأس أحاول حفر منبع آخر .. خلعت نظارتي الطبية، وضعتها أمامي على الطاولة فيما يدي الأخرى تدعك عيوني التي أعياها غبار جو الخريف كما أعيا أنفي المسكين.

 وإذ بابتسامة عريضة ملء شِدْقَي تضيء وجهي .. ما لبثت أن تحولت ضحكاً .. لقد قررت أن أكتب .. عن نظارتي!.

نظارتي الطبية على تعاقب أشكالها وألوانها عبر الزمن كانت رفيقتي منذ ما يقارب الثلاثين عاماً. 

أذكر أني ارتديتها أول مرة في الصف الأول الابتدائي، بعد أن زارت مدرستنا "خالتو المفتشة الصحية" وبعد فحوصاتها الدورية لاحظت على ما يبدو مشكلة ما في بصري، فطلبت إبلاغ أهلي، ثم توالت الأحداث بين زيارة الطبيب وزيارة محل النظارات .. الخ. 

تغيب تماماً عن ذاكرتي اللحظة الأولى برفقة النظارة، لكن في المقابل _ الأسى ما بينتسى _ أذكر كل التعليقات والتنمر الذي تعرضت له من الكبار قبل الصغار للأسف .. 

أبو أربع عيون .. جدو .. المعقد (والتي تعني nerd بلغة هذا العصر) .. لا أذكر أني كنت أحزن من ذلك .. بل كنت أشاركهم الضحك .. لكن بعد أن كبرت وقرأت وتعلمت وفهمت وسبرت أغوار شخصيتي بعد النضج .. حينها فقط أدركت كم أن تلك العبارات مع ما رافقها من تعابير على الوجوه و ابتسامات ساخرة وضحكات .. قد حفرت أثلاماً عميقة في عقلي الباطن، وكان لها شديد الأثر في زعزعة ثقتي بنفسي خلال مراهقتي وبداية الشباب رغم توقف التنمر في هذا الوقت.

وحتى لا أنجرف كثيراً مع تيار النكد والدراما، سأتابع لأخبركم عن رفيقتي اللطيفة وكيف باتت جزءاً لا يتجزأ من وجهي، لدرجة كنت أدخل سريري للنوم أو أدخل الحمام لاستحم وهي أمام عيني دون أن أدرك.

الوضع المادي المتواضع لأهلي _ فهم من ذوي الدخل المحدود _ منعهم طيلة سنوات من التفكير في إجراء عمليات تصحيح البصر بالليزر وما شابه .. وبالنسبة لي لم يكن الأمر يعنيني كثيراً فقد اعتدت عليها واعتادت علي. 

وبعد أن بدأت عملي وأصبح بإمكاني اقتطاع جزء من أجري مع بعض المساعدة من أهلي _ بالطبع _  لتصحيح بصري، رفضت ذلك وبشدة، ليس فقط بسبب ارتباطي العاطفي بالنظارة، ولكن عرفاناً لها بجميل لن أنساه ما حييت، كيف أكافئ معروفها معي وسنوات خدمتها الطويلة برميها جانباً؟

أعلم أن فضولكم يغالبكم لمعرفة ما الجميل الذي قدمته لي النظارة .. لن أخبركم .. سأترك المجال لخيالاتكم .. !!.

نظارتي العزيزة .. رفيقة سنوات العمر وجلسات الدراسة .. شريكتي في آلاف صفحات الكتب التي قرأتها على مدى سنوات .. وحالياً رفيقة الشاشات والأجهزة الذكية .. 

لو تعرفين كم أعاني هذه الأيام حين أضطر لارتداء الكمامة لأنها تجبرني على الاستغناء عنك .. أرجو أن يخترع أحدهم حلاً لذلك .. ماسحات زجاج نظارات مثلاً .. 

أعلم أنك الآن تقرأين .. فها أنت تستقرين على أنفي أمام عيني .. بينما أخط هذه السطور .. كما كان حالك دوماً .. لذلك سأستغل الفرصة لأشكرك من قلبي !.

أنا من دونك لا شيء .. نحن واحد .. وسنبقى واحداً أبد الدهر حتى انقضاء العمر .. وسيجمعنا قبر واحد حتماً .. وإلا كيف سأستطيع قراءة الكتب في العالم الآخر!!؟؟.

  4
  7
 2
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
Maher
14 نوفمبر
اعتقد ان نظارتي باتت تحسد نظاراتك، مسكينة لم افكر بأن اكتب لها شيئا هههه
  0
  1
 1
Fadi Sayegh
14 ديسمبر
أنا من دونك لا شيء .. نحن واحد .. وسنبقى واحداً أبد الدهر حتى انقضاء العمر .. وسيجمعنا قبر واحد حتماً .. وإلا كيف سأستطيع قراءة الكتب في العالم الآخر!!؟؟ هذا المقال قد مسني بطريقة رهيبة لأنه أنا أيضاً النظارات جزء أساسي بحياتي و لا أستطيع التخلي عنها بسهولة منذ أن كان عمري سنتان ونصف أرتديت النظارة للمرة الأولى وكان مرفقاً لهذا انسداد في جفني الأيسر الذي تحسن بعض الشيء بمرور الزمن. النظارات جزءٌ لا يتجزأ مني أحب كنو أرتدي النظارات وإن كان لقبي ابو ربع عيون.
  0
  0