25 يناير . 3 دقائق قراءة . 630
من يريد أن يفهم العبارات التي تعبّر عن أنّ "الجسد يعيق عمل الروح" في عمقها لا يجب أن يفكر فقط بالأمور الجنسية واللذائذ الأخرى أو يتوقّف عند مثنوية ميتافيزيقية ثبّتتها الأفلاطونية ومن بعدها الغنوصية أو مثنويّة نسكية حكى عنها الرّهبان، ولا ينبغي أن يظن أنّ هذه العبارات تحاول أن تخلق معركة غير حقيقية بين الجانبين أو أنّها نابعة عن مجرّد تصور دينيّ حصريّ للحياة والوجود.
ولكن تخيّل أو تخيّلي أنك بصدد مشروع فكري أو كتابي مهمّ أو بصدد القيام برحلة حرّة تتنقّل أو تتنقّلين فيها عبر البلدان ولديك نطاق زمنيّ مفتوح، وأنت تشعر أو تشعرين بكامل القوة العقلية اللازمة وكل الحماس الكافي للقيام بهذه المهمة والرغبة الشديدة بتكريس كامل الوقت للقيام بما تريد(ين)، وقد رتبت أجواء المنزل كما تشتهي(ن) أو لديك خريطة مفصّلة ومريحة لكامل مسار الرحلة، ولديك كامل الدعم من الأصدقاء أو كل المصاريف اللازمة...إلخ
ومع ذلك، تجد(ين) أنّ جسدك ’التافه‘ ("التافه" حينها فقط) يثور عليك ويمرض وربما يحتاج كل بضعة أيام إلى تحليل دم أو سكّر وكل أسبوع أو اثنين إلى زيارة طبيب ما وكل بضعة أسابيع أو أشهر "يرتكب" خللاً لا تشعر(ين) به أنت في باطنك القوي والمستعد والجاهز لكل المهمات العقلية الصعبة والمتوثب لمهمات جسدية كبرى. هكذا يضيق النطاق الزمني المفتوح وتتشرذم الحريّة النفسية بين فجوات متطلبات الجسد القاهرة والإجبارية أو تهافته أو تهاويه أمام المرض والضرورات البيولوجية المحضة التي لا تشعر إرادتك بأدنى حاجة لها.
فنفسك وروحك وعقلك في تمام الجهوزية لكل فكرة ويريدون أن يعملوا باستمرار وإخلاص وبأقصى طاقة، ولكن الجسد "الخائن" يتدخل بتفاهاته ("تفاهاته" المتداخلة مع جماله وفتنته وطاقته المدعومة بإرادة لا تذوي، الطاقة الجسدية التي تمنح هي بدورها للنفس قوة عظمى في غير أوقات المرض) ليذكرك بوجوده العنيد الذي يعيق عمل روحك لا بل ويضيّع وقتك أيضاً في اقتتالاته الجانبية مع نفسه ومع الطبيعة ولا تدري أو تدرين مع من أيضاً. أنت تريد(ين) أن تجلس(ي) فتتذكر(ين) أنّ لجسدك موعداً مع طبيب أو في مشفى؛ أنت تريد(ين) أن تسترخي لمدة أسبوعين في مكان ما فتتذكر أن هذا غير ممكن لأنك تحت مراقبة من نوع معين؛ تريد(ين) أن تعيش(ي) خارج الزمن متنقلاً (متنقلةً) عبر المكان، ولكن الجسد يذكرك بالزمن وقيود الزمان والمكان.
إنّ الجسد يعيق عمل الروح وبأشكال كثيرة وحقيقية والفكرة ليست مجرّد أسطورة طهرانية أو تصوّر دينيّ محض.